فى الذكرى الثانية للشيخ الطبلاوى.. كلام عن حال دولة التلاوة
توافق هذه الأيام الذكرى الثانية لرحيل فضيلة القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي، نقيب القراء وواحد من أبرز المقرئين الذين عرفتهم مصر على مدار تاريخها، فهو أحد الأعمدة السبعة لدولة التلاوة - حسب توصيف الكاتب الصحفي أيمن الحكيم - والذي اكتفى بذكر سبعة عظماء فقط ضمن قائمة طويلة لمقرئين بل ومقرئات، سعدت بهم مصر وأسعدوا بتلاواتهم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه.
ورغم تحفظنا على اقتصار رصد الحكيم على سبعة قراء فقط - لأن في مصر عظماء آخرين كثرين كان ينبغي أن يشملهم الحصر وتتوقف عند مسيرتهم الأقلام كالشيخ شعبان الصياد والشيخ عبدالعزيز علي فرج وغيرهما - إلا أن اعترافنا بتميز جهد الحكيم في رصد مسيرة هؤلاء العظماء وتحليل علاقتهم بالموسيقى وعلم المقامات أمر ليس محل جدال أو نقاش.
وأشكر له وعده لي بأن يلحق كتابه الأول بجزء ثان وربما أجزاء يرصد خلالها مسيرة بقية العظماء الذين بدأ بأقطابهم في الكتاب الأول: "رفعت، المنشاوي، الحصري، البنا، عبدالباسط عبدالصمد، مصطفى إسماعيل".
أما سابعهم فهو صاحب الذكرى الشيخ الطبلاوي عليه رحمة الله ورضوانه، وهو من كان يصفه الموسيقار محمد عبدالوهاب، بصاحب النغمة المستحيلة، ولم لا فهو الموصوف بأنه صاحب الصوت الذهبي، سلطان التلاوات، قارئ الملوك والرؤساء الذي طاف نحو مائة دولة يتلو كلام الله ويرتل آياته.
وقد سعدت بمجالسة الشيخ الطبلاوي مع عظماء غيره أمثال الشيخ أبوالعينين شعيشع والمعصراوي وجبريل، في جهد إذاعي نظمته إذاعة صوت العرب قبل سنوات تجاوزت الخمس عشرة سنة تحت اسم "حلاوة التلاوة" لفكرة كان صاحبها والمشرف عليها الإذاعي الكبير محسن عرفة، ونجحت المسابقة في تشكيل لجنة تحكيم ضمت أيضًا السيدة ياسمين الحصري والموسيقار محمد قابيل و د. وائل محمد قبيسي، أستاذ علوم القرآن والقراءات بمكة المكرمة.
وقد شرفني أستاذي محسن عرفة أن ساعدته في تنفيذ المشروع ولحسن حظ تلك المسابقة أن كان من نتاجها مقرؤون يملأون الساحة اليوم تلاوة وترتيلًا وتجويدًا لكلام الله.
ونبشر عشاق الأصوات الندية أن جهدًا يبذل هذه الأيام لإعادة إحياء مسابقة مماثلة غير أننا لسنا في حل للكشف عن تفاصيلها حاليًا وإن كان يمكننا التنويه أن المشروع سيكتمل بتمويل ودعم مالي من إحدى المؤسسات الخيرية التي ستكشف تفاصيل المشروع لاحقًا ومثل هذا المشروع حين يتم سيحدث حراكًا هائلًا في دولة التلاوة في مصر والعالم الإسلامي.
فمصر أثبتت بشهادة التاريخ أنها هي المحور الذي يتألق فتنتفع كل المجموعة ببريقه وهي في دولة التلاوة لا تكاد ترى منافسًا، فكما قيل إن القرآن نزل بمكة وكتب في الشام وقرئ في مصر.
أسمع عن معجبين كثر كانوا يتابعون حركة المشايخ وأين سيكون تواجدهم في هذه الليلة أو تلك ليحيوا بأصواتهم احتفالًا دينيًا أو مأتمًا في قرية ما، فترى مريدي هذا الشيخ أو ذاك يسعون خلفه ليحضروا ويستمعوا ويستمتعوا بل وينتشوا وربما أيضًا سجلوا لشيخهم تلاوته وخاصة إذا كان معه من "الصييته" منافسًا أو أكثر من المجيدين، فتلك إذن ليلة من ليالي الإبداع والتألق.
ورغم تعدد القنوات وكثرة الفضائيات إلا أن اهتمامهم بدولة التلاوة لا يكاد يرى إلا في الاحتفالات العامة التي تبث القرآن في بداية الاحتفال لدقائق معدودة، وقد كانت عادة القنوات أن تذاع آيات من الذكر الحكيم في بداية البث، فلما صار بث القنوات ٢٤ ساعة في اليوم لم يعد هناك من يبث التلاوات اللهم إلا في صلاة الجمعة والفضل يذكر للإذاعة التي لا تزال محافظة على عاداتها وخريطتها بمواعيد بث التلاوات في توقيتات ثابتة حفظتها ذاكرتنا سواء في الصباح أو في المساء.
ولم يلتفت مقدمو البرامج عبر الفضائيات لهذا الكنز وتلك المساحة الثرية من الإبداع، اللهم إلا الإعلامي د. محمد الباز عبر قناتي المحور ثم النهار، فقد قدم لجمهور مشاهديه عددًا من القراء المجيدين المتميزين على الساحة حاليًا أمثال: الدكتور الطاروطي، رأفت حسين، محمود الشحات، محمود صابر، عبدالمطلب اللبودي، عبده مغازي، محمد أبوالخير، صلاح السيد متولي، السيد سعيد، محمود النجار، محمود القزاز، ياسر الشرقاوي، ممدوح عامر، وغيرهم كثر.
وتلك منطقة تميز لم يتطرق إليها غيره ولم يسبقه إليها أحد، وفي الحقيقة هي واحدة من أهم ملامح القوة الناعمة المصرية التي ينبغي أن تلتفت إليها الدولة وتدعمها بقوة، فليس لنا من ينافسنا في هذا الميدان إلا أنفسنا وعلينا أن نحتفي بمبدعينا من رموز دولة التلاوة حتى نصدر للعالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وجوها جديدة ترسخ ريادة مصر وتعرف المريدين بنجومها الجدد في هذا الميدان الذي يسعد أهل الأرض ويرضي ملائكة السماء.