فى تسلُّم «القاهرة» راية «عاصمة الثقافة فى العالم الإسلامى»
لمصر أن تبتهج الآن وألا تأسى على ما مضى، فقد عاشت مرحلة مخاض عنيفة خلال سنوات قليلة مضت؛ كانت فيها الهوية المصرية على المحك فى ظل التيه الذى أخذتنا إليه الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان التى سعت إلى تقويض همة الشعب المصرى فى استعادة دولته، لكن بفضل أبناء مصر وقواتها المسلحة عبرت مصر المرحلة العصيبة بالقضاء على الإرهاب من جانب، والعمل وفق استراتيجية تستعيد من خلالها تموضعها فى العالم، وهو ما تطلب من كل مصرى المشاركة الإيجابية لدعم استقرار بلاده، والإسهام فى تهيئة مستقبلها.
وفى ذلك السياق علينا ألا نغفل لحظة عن أن الجماعة الإرهابية تسعى من جانبها إلى إفساد أى فرحة للمصريين بشتى الطرق؛ حيث توظف كل إمكاناتها وأدواتها وكتائبها الإلكترونية فى الداخل والخارج، بهدف التنكيد عليهم والكيد للدولة المصرية؛ فكما أطلقت من قبل دواعشها وقناصيها لقتل أبناء مصر وجنودها تحت زعم «حماية الإسلام وصون الشرعية»، تعمل على إطلاق مزاعم وشائعات مكثفة بهدف زعزعة ثقة المواطنين فى أنفسهم وقيادتهم وتحاول بث الفرقة بينهم؛ لضرب وحدة الشعب المصرى وتفتيت عزيمته الوطنية.
ورغم وعى المصريين بأساليب الجماعة الإرهابية ومزاعمها التى باتت بالنسبة لنا طلقات هراء وافتراء، فإن البعض يتأثر بشدة بتلك المزاعم، متناسيًا أن «الجماعة»- ومعها كل من يكنون البغضاء لشعب مصر- يقاتلون من أجل أن تسبح مصر؛ بلاد المحبة والتعايش والتسامح، فى بحر دماء ومذابح.
ولكل هؤلاء المجرمين القابعين فى جحورهم الشريدة فى الأرض اليباب نقول «موتوا بغيظكم» وأنتم تتطلعون إلى ما يحدث من تحديث وتطوير على أرض الكنانة؛ مهد الديانات والرسالات وبلد الحضارة، أرض الفنون والثقافة، وانظروا كيف يرى العالم الإسلامى مصر؛ وقد تسلمت «القاهرة» مساء الأحد الماضى راية «عاصمة الثقافة فى العالم الإسلامى لعام ٢٠٢٢»، وهو ما عبّر عنه الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، بالتأكيد على «إيمان المنظمة بدور القاهرة الثقافى الرائد»، وقال فى حفل افتتاح الفعاليات التى انطلقت من المسرح الرومانى بسور القاهرة الشمالى: «إن القاهرة.. حاضرة الحواضر، ناصرة الدين، حافظة التاريخ، حاضنة المستقبل، درة تاج العواصم عبر العصور؛ قاهرة أعدائها».
وأضاف فى أسباب اختيارها، قائلًا: إن «الإيسيسكو» تحتفى بالقاهرة فى ظل الجمهورية الجديدة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى لما تبنته من رؤية تحديثية تتواكب ومتطلبات التطور المذهل الذى يشهده العالم، فكان للقاهرة نصيب كبير فى هذه الرؤية، شهدت به تطورات هائلة، لا تقتصر على حاضرها وآفاق مستقبلها، بل تراثها بكل مكوناته الثقافية ومفرداته، فكان قرار إعادة القاهرة التاريخية إلى رونقها بمثابة إعادة إحياء لتاريخها والتأكيد على مكانتها الثقافية الكبرى وإعادة تموضعها كمركز ثقافى وفنى وعلمى رائد فى المنطقة العربية بل فى العالم أجمع».
وأوضح أن ذلك «يأتى فى ظل انطلاق العديد من المشروعات الثقافية الكبرى التى تشهدها مصر فى أفق عام ٢٠٢٢، ومنها انتهاء الأعمال فى مدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية الجديدة والاستعداد لافتتاحها رسميًا، وافتتاح المتحف المصرى الكبير الذى يعد أكبر متحف فى العالم للحضارة المصرية».
من جانبها، عبّرت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة المصرية، عن شكرها لمنظمة العالم الإسلامى للتربية والعلوم والثقافة، وأعلنت عن أن برنامج الوزارة يتضمن العديد من الفعاليات التى تتواصل على مدار العام، وتجسد أهم معالم الهوية المصرية بمشتملاتها الثقافية والتراثية المتعددة، ووجهت الدعوة لكل المصريين للحضور والمشاركة.
وما أيسر أن نخطو نحو قلب القاهرة فى كل وقت وحين طوال العام، فما بالك لو فعلت ذلك فى هذا الشهر الكريم، وطرقت ربوعها ودروبها فى السيدة والموسكى والجمالية والأزهر والحسين، سوف تتجدد طاقتك وأنت تعبر بواباتها العتيقة، وتتطلع فى المآذن والمساجد والبيوت والقباب، وتتأمل عمارها ومعمارها، وتعيش لياليها الساهرة الساحرة، وأنت تسمع ما يغذى الوجدان ويسبح بذكر من لا ينام؛ من أصوات المقرئين والمنشدين والمطربين، كما لا تخلو تلك السيمفونية من أصوات باعة جائلين وعروض قائمين، وكأنك فى حلقات ذكر لا تنتهى.
ولسوف تلمس شخصية مصر الفريدة؛ الآمنة المحفوظة بأهلها وناسها، الحيوية بحضارتها وعنفوانها، والصابرة الصامدة فى المكائد والشدائد والمحن.