أولهن ظهرت فى عهد محمد على.. حكايات قارئات القرآن فى الإذاعة المصرية
قبل هذه السنوات التي وصمت صوت المرأة بالعورة كانت أصوات المقرآت النساء تصدع في سماء مصر، في المآتم والمناسبات العامة وحتى داخل الإذاعة المصرية.
في بداية القرن العشرين لمعت أسماء العديد من المقرآت المصريات واللاتي وصلن لمكانة عالية تمكنهن من إعطاء إجازة القرآن، كما تتلمذ على أيديهن كبار القراء من الرجال أمثال الشيخ أحمد نعينع، والشيخ مفتاح السلطني.
وفي عام 1939، قاد بعض رجال الدين دعوة رفض قارئات القرآن الكريم، وأفتى بعض المشايخ بأن صوت المرأة عورة، وقررت الإذاعة المصرية الرسمية منع الشيخة كريمة العدلية، والشيخة منيرة عبده، من تلاوة القرآن عبر أثير الإذاعة، بعد أن وصلت أصواتهما إلى إذاعتى لندن وباريس، وبعد أن اقترب أجر منيرة عبده من أجر الشيخ محمد رفعت.
ولم تصل أي مقرئة في عصرنا الحاضر رغم تعدد القنوات الإعلامية بين إذاعة وتليفزيون وفضائيات إلى بلوغ المكانة التي بلغتها مقرآت القرن الماضي، رغم محاولات عديدة من بعض الشيوخ لعودة الأصوات النسائية للإذاعة.
تعرض "الدستور" في هذا التقرير قصص بعض المقرآت المصريات اللاتي تركن تأثيرًا كبيرًا في المصريين خلال فترة تواجدهن.
واحدة من أفضل قارئات القرآن في مصر في بداية القرن العشرين كانت أم السعد محمد علي نجم التي ولدت عام 1925 بالمنوفية، وعندما بلغت عام واحد فقدت بصرها وسعى أهلها لتعليمها قراءة القرآن وتجويده، فحفظته وعمرها 15 عامًا، وتميزت أم السعد بأنها الوحيدة بين المقرآت التي تخصصت في القراءات العشر ودرستها على يد الشيخة نفيسة بنت أبو العلا، "شيخة أهل زمانها" كما توصف، فاشترطت عليها لتعليمها القراءات العشر ألا تتزوج أبدًا، فقد كانت ترفض بشدة تعليم البنات؛ لأنهن يتزوجن وينشغلن عن القرآن، فوافقت، إلا أنها ما لبثت أن تزوجت بواحد من أفضل الشيوخ في هذه الفترة وهو الشيخ محمد فريد نعمان، أول من منحته إجازة في القراءات.
ولم تمنح الشيخة أم السعد زوجها فقط إجازة القرآن بل تتلمذ على يدها كبار المشايخ منهم الشيخ أحمد نعينع والشيخ مفتاح السلطني.
بعد قرار الإذاعة المصرية بعدم إذاعة اسطوانات القارئات المصريات كانت الشيخة منيرة عبده واحدة من أهم المقرءات بها، واختفت من الإذاعة وتوقفت إذاعة لندن وإذاعة باريس عن إذاعة أسطوانتها خوفًا من غضب المشايخ الكبار.
وكانت الشيخة منيرة أول قارئة معتمدة في الإذاعة الرسمية في القاهرة بعد إنشائها، وانتشر صوت منيرة عبده في قراءة القرآن عبر الإذاعات الأهلية وخلال عامين فقط أصبحت تنافس القراء الكبار من الأصوات الرجالية، وأصبحت تأتيها دعوات من خارج مصر لقراءة القرآن.
استمرت الشيخة منيرة عبده في مشوارها حتى جاءت الفتوى التي تقول إن صوت المرأة عورة ولا ينبغي للسيدات قراءة القرآن مثل المقرئين الرجال، وعندها توقفت كل السيدات عن القراءة في الإذاعة ومن بينهن منيرة عبده بعد أن كانت تتقاضى نصف راتب الشيخ محمد رفعت، حيث كانت تأخذ 5 جنيهات مقارنة براتبه 10 جنيهات.
ومن أهم القارءات في تاريخ الإذاعة المصرية، الشيخة كريمة العدلية من أوائل المنضمات إلى الإذاعة المصرية عند افتتاحها في 1934، وذاع صيتها لتحيي ليالي قرآنية وعزاءات السيدات، فأحيت عزاء الراحلة أسمهان، وكذلك عزاء عالم الفيزياء على مصطفى مشرفة.
وكانت كريمة العدلية مقرأة ومطربة، وأحيانًا كان برنامج الإذاعة المصرية يتضمن في يوم واحد قراءة للشيخة كريمة العدلية صباحًا وإذاعة أغنية للمطربة أيضًا كريمة العدلية مساءً، وتولى أخيها تحفيظها القرآن الكريم في سن الخامسة، لتتم حفظه في سن الحادية عشر، ثم تدرس لثلاث أعوام في معهد الموسيقى العربية لتتعرف على المقامات العربية وتدرس آلة العود، وقد لحن لها الموسيقار الكبير محمد القصبجي أغنيتين وتم طرحهما في أسطوانات قبل أن تتوقف عن الغناء.
عانت الشيخة كريمة العدلية من ضعف البصر منذ الصغر وفقدته بالكامل وهي في سن 16 سنة، واستمرت الشيخة كرمية العدلية في القراءة والتلاوة في الإذاعة حتى نهاية الخمسينيات قبل أن تصدر فتوى من أحد المشايخ تحرم قراءة النساء للقرآن؛ لأن صوت المرأة عورة وطالما يقوم الرجال بهذا الدور فلا داعي لقراءة النساء.