بدأ بالفانوس والخاطبة والنساء.. مراحل تطور مهنة المسحراتى على مر العصور
«المسحراتي»، من المهن التي تعد من طقوس شهر رمضان في مصر، ومن المظاهر التي مازالت مستمرة رغم التطور الكبير الذي طرأ على الحياة وظهور العديد من الوسائل الحديثة للاستيقاظ من النوم لأجل السحور.
«الدستور» ترصد خلال السطور القادمة من داخل الكتب مراحل تطور المسحراتي على مر الأزمان والعصور، حيث كان يعمل في هذه المهنة سيدات وكان يستخدم كخاطبة للبنات التي لم يسبق لهن الزواج.
وبحسب ما جاء في كتاب «رمضان زمان» للكاتب الدكتور أحمد الصاوي، فإن مهنة المسحراتي بدأت منذ العهد النبوي، كانت المساجد الأثير للتسحير، سواء عن طريق آذانين لمؤذنين يختلف صوتهما اختلافًا نسبيًا، أو عن طريق الجامع بصيغ خاصة تختلف من بلد لآخر.
في مصر كان المؤذنون بالمسجد الجامع ينادون تسحروا وكلوا واشربوا ثم يقرؤون قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام»، ويكررون ذلك عدة مرات مع ذكر بعض الآيات القرآنية، وقد جرى العرف أن يقوم المؤذن بالتسحير على أربع مرات أو تذكيرات.
ومع اتساع عمران المدن الإسلامية وتباعد أخطاطها وحاراتها عن المسجد الجامع فكر المسلمون في التغلب على الصعوبات الصوتية بابتكار أسلوب جديد يعتمد على الضوء الذي يمكن أن يراه أهل أبعد الأحياء ليلًا فى يسر وسهولة، وبرزت فكرة فانوس السحور، الذي يعلق بأعالى المآذن وهو مضاء منذ دخول وقت صلاة المغرب ويظل على ذلك الحال إلى قبيل آذان الفجر فإذا ما أنزل الفانوس عرف الجميع أن الصوم قد بدأ.
زمن المرجح أن ابتكار فانوس السحور قد ظهر أولًا في مكة والمدينة المنورة ومنهما انتشر سريعًا إلى كل الأقطار الإسلامية، وقد تحدث الرحالة المغربي ابن جبير بإسهاب عن هذا الفانوس وكيفية الصعود به إلى أعلى مآذن الحرم المكي خلال زيارته للأراضي المقدسة فى رمضان عام 578هـ.
وقد حدث بمصر في أوائل القرن السابع الهجري 13 ميلاديًا، أن جلس بعض الأدباء بصحن جامع عمرو بن العاص فى إحدى ليالي رمضان وقد أوقد فانوس السحور فاقترح بعضهم على الأديب أبي الحجاج يوسف بن على المعروف بالنعجة أن يصنع فيه طلبًا لتعجيزه فأنشد قصيدة آنذاك.
وخارجًا عن التسحير من أعلى المآذن بالنداء أو بأضواء فوانيس السحور كان البعض يمارس ذلك فى الطرقات على سبيل التطوع فى بداية الأمر، فيؤثر عن عنبسية أبي إسحاق وإلى مصر فى سنة 238 هجريًا، عام 852 ميلاديًا، أنه كان يذهب إلى جامع عمرو ماشيًا من مدينة العسكر وكان ينادي في طريقه بالسحور، وكان الأديب ابن نقطة المزكلش المتوفى سنة 1200 م يسحر الناس مناديًا "نيامًا قومًا قومًا للسحور".
ولم يعرف على وجه اليقين متى أصبح التسحير مهنة للبعض يقوم بها مقابل أهل البر، وكان من أشهر المسحراتية أبا نقطة.
ومن الطريف أن مهنة المسحراتي لم تقتصر على الرجال فقط، فقد عملت بها بعض النساء ولم يذكر التاريخ أسماء أيا منهن.
وكان المسحراتي يصحب في جولته صبيا صغيرا وكان يذكر أسماء البنات الأبكار إذا وافق صاحب المنزل على ذلك، وكان نوع من الإعلان المدفوع الأجر عن بنات فى سن الزواج فقد كان يقوم بدور الخاطبة.