كيف أصبح الدواعش بارعين فى «التسويق الفيروسى» واستغلاله فى حرب المعلومات؟ تقرير يكشف
نشر تشان كونج، وهو أحد أكبر الباحثين والخبراء الصينيين المخضرمين في تحليل نظم المعلومات في آسيا، تقريرا مفصلا حول ملامح حرب المعلومات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، وذكر كونج، عبر "ثينك تانك ابندوند" المختص بالأبحاث الأكاديمية البارزة للسياسات العامة وتحليل المعلومات والبيانات المختلفة منذ عام، والذي أسس في الصين منذ عام 1993 مع بداية ظهور الإنترنت في العالم- أن الميزة الأكثر أهمية لعالمنا الحديث هي تعميم وتطبيق الإنترنت على نطاق واسع، مما أدى إلى تحول مجتمعاتنا وشكّل مجتمع معلومات إلكترونية كبيرة واحدة.
في البداية تحدث المختص عن كيف كان مجتمع المعلومات مجرد إسقاط نظري، لكنه أصبح الآن حقيقة واقعية حيث تحول العالم إلى مجتمع معلومات، ومع هذا التأثير الكبير لمثل هذا التحول لم تستعد هياكل الحوكمة في العالم لتغييرات غير متوقعة لا تستطيع أن تسيطر عليها ولا أن تكون قادرة على التعامل مع هذه التحولات بشكل فعال وحاسم، مما يؤدي إلى مخاطر هائلة وفوضى اجتماعية، بما في ذلك السيطرة وتقييد الإرهاب.
وقال إنه في مجال الإعلام ومكافحة الإرهاب فإن أحد الشواغل الرئيسية هو تأثير الإنترنت، فلقد سرَّع الإنترنت من تدفق المعلومات، ولا يمكن تمييز حدود الحقيقة والباطل أحيانًا، بل ويمكن في الوقت نفسه المبالغة في الظروف الاجتماعية التي تنشر عبر الإنترنت.
وتابع أن ذلك يحدث بالاقتران مع الأنشطة والظروف النفسية للجماهير التي أصبحت تتأثر بكل سهولة بكل ما تتعرض له على مدار يومها من خلال نظم المعلومات والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يخلق نطاقا أكبر من عدم الرضا الذي سيؤدي إلى حد ما إلى انهيار النظم الأيديولوجية والعقائدية الاجتماعية الأصلية.
وربط بين كيفية استخدام الولايات المتحدة والدول الغربية الوضع الاجتماعي ووضع كثير من البلدان والمناطق في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا ودول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتقوم بتصدير أيديولوجيتها بشكل أعمى مدفوعة بالتأثير التضخمي للإنترنت الذي تسيطر على أغلبه، مما ينتج عملية من الانهيار والنظام المتبع في كل دولة وأفكارها وعقيدتها، وما إلى ذلك، والتأثر بلا شعور بالفكر الذي يصدر لها.
وأكد أن هذه الوسائل المتبعة استغلها تنظيم إرهابي مثل «داعش» متمكننا من الإمكانات العظيمة التي يوفرها الإنترنت، وعلى هذا النحو فقد أرسى الأساس لتطوير حرب معلومات خلقها «داعش» على نطاق واسع، قائلا إنه بادئ ذي بدء أنشأ تنظيم داعش منظمة علاقات عامة مهنية مسئولة عن إنتاج المحتوى ونشره، بالإضافة إلى أن لداعش صفحته الرئيسية وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية، وحتى إنه لديه مجلة إلكترونية أسبوعية وشهرية، وبجانب ذلك تمكن من إنشاء حسابات فرعية متعددة الطبقات وبالتالي تمكن من التهرب من الرقابة والحظر.. وخلق عبر الإنترنت الإنترنت محتوى صُمم بشكل جذاب يتضمن تفاصيل مثيرة للغاية، وطوّر تطبيقات للهواتف الذكية، بل خلق قاعدة للتبرع ضمت قاعدة من العملاء من الطبقات الراقية والرفيعة في دول مختلفة.
وأضاف أنه اليوم يمكن رؤية «داعش» تقريبًا على جميع منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن الوصول إليه في الدول الغربية أكثر من الدول العربية والإسلامية، حيث لدى التنظيم آلاف الحسابات على تويتر وحده، بما في ذلك الحسابات العامة المنظمة والحسابات الشخصية للإرهابيين، وأضعافها على تطبيقى «تليجرام وتاجد» وتطبيقات عديدة غير معروف مصدرها موضحا أن تنظيم داعش أصبح بارعا فيما يسمى نموذج "التسويق الفيروسي"، كما يسمى في حرب المعلومات، حيث يقوم من خلال شبكة المستخدم بنشر المعلومات مثل الفيروسات، وتنتشر إلى آلاف الجماهير باستخدام النسخ السريعة، ومن الواضح أن التنظيم يحقق أموالا من وراء ذلك، وأيضا يحقق زيادة من عناصره والأفراد الذين يتأثرون فكريا دون دراية منهم بأفكار الإرهاب والعنف.
وأكمل «كونج» أن من ضمن أساليب التسويق التي استغلها داعش كان التسويق من خلال توفير منتج أو خدمة معينة مما يجعل الآخرين "أدوات تسويق واتصالات" عن غير قصد منهم، وذلك فقط عبر إعادة نشر منشور ما أو لعبة ما أو صورة ما لا تتضمن ظاهريا أي دعم للإرهاب لكن في مضمونها هي كذلك.
وأشار إلى أنه من ضمن الأساليب المرعبة التي يستغلها الإرهابيون المحترفون كالدواعش هو أنهم غالبًا ما يكونون أكثر احترافًا وحساسية من الدوائر الحكومية في مختلف البلدان التي تمتلك سلطة الحكم الوطني، ويحاولون تجنب تلك المناطق بشكل واضح، حيث إنهم لطالما كانوا مدركين تمامًا تطور الخطاب السياسي بالدعاية ونشر المعلومات في المجتمع المعاصر، لذا سلكوا هذا الاتجاه الذي هو أحد المفاتيح التي تمكنهم من قيادة الرأي العام في دول عدة، كأوروبا على سبيل المثال وآسيا وبعض الدول في إفريقيا والشرق الأوسط.
وأكد أن الإرهاب تيقن أن أساليب الدعاية التقليدية، مثل الخطب، تفتقر إلى التفاعل مع الجمهور الذي يريد استهدافه، لذلك يقوم الإرهاب بتشجيع المتابعين على استخدام مواقع الويب والتطبيقات المختلفة التي تكون كمنصات لإنشاء أشكال مختلفة من "الإعلام الذاتي"، ويقوم «داعش» أيضًا بتنمية المؤثرين على الإنترنت لتشجيع مستخدمي الإنترنت على إنشاء رسائل صوتية ومقاطع فيديو، وحتى مواقع الويب؛ للحديث عن الفقر وتدهور الأحوال والسلبيات التي تزيد من حالة السخط وعدم الرضا، فيتمكن من أن يخفي بذكاء طموحاته وراء إنتاجات رفيعة المستوى ودعاية جذابة لنفسه من وراء هؤلاء، ويجذب المزيد والمزيد من الناس خاصة في الغرب.
وأوضح أن هذا النوع من حرب المعلومات كان ناجحًا للغاية لدرجة أنه في عام 2016 تم اختراق الموقع الرسمي لجامعة «تسينغهوا» في الصين من قبل قراصنة داعش، حيث تم نشر إعلانات تجنيد لداعش في الولايات المتحدة، ووجد مكتب التحقيقات الفيدرالية أنه تم فيها تجنيد مراهقين لا تتجاوز أعمارهم 15 عامًا من قبل داعش، وفي بعض الحالات في الولايات المتحدة وجد أن بعض الآباء شجعوا أطفالهم على المشاركة في المنظمات الإرهابية بهدف نصرة أفكارهم.
وبفضل حرب المعلومات التي يمارسها تنظيم داعش فقد تمكن من النجاح، ليس فقط في الدول الغربية ولكن أيضًا في تركيا وسوريا، ونتيجة لذلك حصل تنظيم داعش على الموارد البشرية لآلاف الشباب المضحين.
وخلق مجتمع المعلومات والإنترنت خللًا هائلًا في عالم المستقبل الذي طمحت له العديد من الدول، مما جعل هذا العالم عالمًا غير متوازن وعالمًا يمر بمرحلة انتقالية ويعمل بجد الآن لوقف هذا التطرف الهائم دون قدرة على السيطرة عليه كاملا، وأصبح من الممكن الآن تشكيل العديد من المنظمات الافتراضية باستخدام أدوات الشبكة العنكبوتية البسيطة، وهذا يعني أيضًا أنه لا يمكن نظريًا القضاء على المنظمات الإرهابية مثل داعش على الإطلاق، بل يمكن أن تتطور بسهولة إلى منظمات افتراضية موجودة في كل مكان، ويمكن العثور عليها بواسطة محركات البحث في أي وقت بسبب انتشار مجتمع المعلومات والإنترنت.
وأكد أن هذه التنظيمات لا تعمل باسم الدين بل تستغل العقيدة لدى كثير من الذين يشعرون بالظلم، وستستمر في النمو واكتساب الشعبية والتطور إلى نوع جديد من المنظمات المناهضة للحكومة القائمة على الشبكة العنكبوتية.
وأوضح أنه ومع سقوط قادة داعش والقاعدة في العقد الأخير حولت المنظمات الإرهابية بمختلف أنواعها تركيزها من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي، ثم عادت مرة أخرى إلى أرض الواقع، وهذا هو التحدي الهائل للحوكمة الذي سيواجهه مجتمع المعلومات بلا شك في المستقبل، وعلى العالم أن يحارب الإرهابيين بقوة إلكترونيا وليس على أرض الواقع فقط، فهم فيروسات تختبئ وتعيد هيكلة نفسها مرة أخرى عبر الشبكة العالمية التي توحد العالم تحت نظم المعلومات.