«أبناء الصبّاح».. عندما صنع «الحشيش» أكبر «تنظيم للاغتيالات» في التاريخ
في مثل هذا اليوم من العام 1256 استولى هولاكو خان على قلعة "آلموت" معقل الحشاشين ودمرها. والحشاشين هو الاسم الذي عرفت به فرقة الإسماعيلية النزارية الشيعية، وقد اكتسبت اسمها من إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان إسماعيل أكبر أبناء جعفر الصادق، ومن ثم فهو مستحق لمنصب الإمامة بعد وفاة أبيه طبقا لطقوس وراثة الإمامة عند الشيعة، غير أن الذي حدث هو أن جعفر أوصى بالإمامة لابنه موسى بدون التقيد بالنص الذي يجعل الإمامة في الابن الأكبر وهو إسماعيل.
وقد أطلق عليهم الرحالة الإيطالي "ماركو بولو" هذه التسمية في كتابه "وصف العالم" والذي ضم رحلاته التي قام بها. يصف بولو قلعة آلموت بأنها: "كانت فيها حديقة كبيرة ملأى بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل أتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة، وقد كان ممنوعًا على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها مقصورًا فقط على من تقرّر أنهم سينضمون لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نيامًا، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون فإنهم سوف يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كان يتم تخديرهم مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: "من الجنة"، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين؛ ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة!.
وإن كان المؤرخون قد فندوا زعم بولو ونفوا تماما أن يكون قد زار القلعة وهو ما تثبته التواريخ بأن القلعة قد تهدمت وزالت من الوجود وفي وقت كان "بولو" يبلغ من العمر عامين فقط، بينما يشير البعض إن هذه التسمية التي نحتها بولو جاءت من بنات أفكاره وخياله وتحريفا للفظة Assasins أو القتلة.
ويشير الباحث د. مصطفى الشكعة في كتابه "إسلام بلا مذاهب" إلى أن "الحسن بن الصباح" هو أول من أسس الدعوة والدولة الإسماعيلية في فارس. انتمى الصباح إلى أسرة شيعية اثني عشرية، ثم تحول بعد قراءات وحوارات إلى المذهب الإسماعيلي، وقد كان آنذاك في مرحلة الشباب، وقد جعله عبد الملك بن عطاش داعيا للمذهب. وكان الصباح ذا شجاعة ودهاء، وكان عالما بالهندسة والحساب والنجوم، وترجع أصوله إلى دولة حمير في اليمن التي رحل منها أبوه إلى الكوفة، ثم إلى قم في إيران، ثم إلى الري فاستوطنها وفيها ولد الحسن الصباح سنة 428 هجرية.
وصل الحسن الصباح إلى مصر حاجا إلى إمامه المستنصر بتوجيه من ابن عطاش سنة 471 هجرية وأقام بها عام ونصف العام وحضر وفاة المستنصر، وشهد الأحداث التي جرت في الصراع على الإمامة بين نزار بن المستنصر وأخيه أحمد المستعلي الذي كان يؤيده خاله أمير الجيوش الأفضل الجمالي، ولم يعترف الصباح بإمامة المستعلي فساءت علاقته بحاكم مصر الفعلي الأفضل الجمالي فطرده من مصر، ورحله على ظهر سفينة متجهة للمغرب. ولكن الرياح غيرت وجهة السفينة نحو الشام، فذهب إلى حلب وأقام فيها فترة من الزمن، ثم اتجه إلى بغداد ومنها إلى أصفهان، ثم توجه نحو حدود كرمان ويزد، فمارس الدعوة الإسماعيلية النزارية فيها بعض الوقت، ثم عاد إلى أصفهان، ثم إلى خوزستان، ثم جعل مقر نشاطه في داغمان لمدة ثلاث سنوات، ثم تحول إلى جرجان وما تاخمها من بلدان، فطلبه الوزير "نظام الملك" وكان بينهما خلاف شديد، فالأول سني المذهب، والثاني إسماعيلي يسعي إلى تقويض ملك السلاجقة الذين يعد نظام الملك أخطر وزرائهم، فهرب إلى قزوين، ثم أرسل أحد دعاته إلى قلعة "آلموت" الشهيرة ومعناها "عش العقاب".
وبكثير من التحايل استطاع الحسن الصباح دخول القلعة والسيطرة عليها سنة 1090 م ومنها كان يوجه الدعاة إلى مختلف الجهات، وقام بتأسيس الدولة الإسماعيلية التي عرفت بعدة أسماء منها: الإسماعيلية، النزارية، الباطنية، السبعية، التعليمية، الحشيشية أو الحشاشين، لما عرف من أن الحسن الصباح كان يخدر مريديه بالحشيش في قلعته ويوحي إليهم بأوامره وتوجيهاته القاسية ثم يطلقهم ينفذون ما طلب إليهم من مغامرات، حتى إنهم قد وصلوا لمخدع صلاح الدين الأيوبي لكنهم لم يقتلوه في رسالة لاستعراض القوة.
وقد اعتمد الحسن الصباح نظام الانتحاريين في تدريبات شباب قلعته، وأشبع فيهم جريمة اغتيال أعداء المذهب الذين من بينهم الوزير السلجوقي الشهير نظام الملك الذي كان زميلا للحسن في الدراسة، كما قيل إنه أرسل بعض الانتحاريين إلى مصر فقتلوا الإمام الآمر ابن الإمام المستعلي. ومن ناحية أخرى كان الحسن يعمد إلى الزهد والتصوف والانصراف إلى العبادة في الوقت الذي يقوم فيه رجاله بسفك الدماء والإسراف في قتل خصوم المذهب، وبلغ من قسوته قتل ولديه: الأول واسمه حسين وقد اتهمه بالاشتراك في قتل أحد الدعاة الذي كان يدعي "حسين القايني"، والولد الثاني واسمه محمد قتله لاتهامه بشرب الخمر. وقد مات الصباح 1124 م في نحو التسعين من عمره، ولم يكن قد نزل من قلعة آلموت مرة واحدة، ولم يخرج من القصر الذي كان يقيم فيه سوى مرتين.