عبد الله رشدي: ضرب الزوجة هو سلوك عِقابي
علق الداعية الإسلامي عبد الله رشدي، على التصريحات التي أدلى بها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بخصوص ضرب الزوج للزوجته بحكم الأيات القرانية.
وقال رشدي في تدوينة له على "الفيس بوك": "قد جاء الكلام على وقفاتٍ خَمْسٍ نضيءُ بها الطريق لمن له أدنى مُسْكَةٍ من عقلٍ: الأولى: إن هذا الشيءَ-الضرب- ليس لمجرد الاختلافات والأخطاء الحياتية التي تحدث منا كلَّ يومٍ رجالاً ونساءً وإنما هو سلوكٌ عِقابيٌّ له شروطٌ وهو مُوَجَّهٌ لنوعٍ مُعَيَّنٍ هو تلكم التي فالقران يتكلم قد اتخذت الإساءة منهجاً، فتتطاول على زوجها الذي لم يُقَصِّرْ في واجباتِه نحوها، والتطاول والإساءةُ خُلُقَانِ بَشِعانِ لا شك أنهما يستوجبان الزَّجْرَ والرفض ولا يُمْكِنُ السكوتُ عنهما، إذ من بَدَهِيَّاتِ كلِّ العقول أن المُسيءَ يُعَاقَبُ.
الثانية: ولكنَّ الإسلامَ له وقفةٌ أخرى، فالعقابُ ليس بعد السلوك المشين مباشرةً كما هو مُتَوَقَّعٌ-مع أنَّ معاقبةَ المُشينِ بعد فعلِه الشائنِ أمرٌ لا يمكن انتقادُه ولو أتى به الإسلام لما جازَ انتقادُه، وإلا لزم الجَوْرُ والظلم بأن نسمح للبعض أن يسيءَ ونلزمَ الآخرين بالرضوخِ لإساءتِه، وذلك في العقولِ مُسْتَبْشَعٌ-بل أمرَ الرجلَ بالتصبرِ والتلطف بالكلام ثم الخصام، وأيُّ منهجٍ هذا الذي يأمرُكَ أن تُصابرَ من يُسيءُ إليك وتناقشه إلا منهجٌ بلغَ في الكمالِ ذُرَاهُ!".
وتابع: "الثالثة: بعد أن فتحَ الرجلُ دائرة الحوارِ مع امرأتِه وصابرَها وكابدَ سلوكَها السيءَ فلم تَعُدْ ولم تَثُبْ، بل آثرتِ الإساءة على الإحسانِ، هنا يأتي العقابُ وهو بالسواك ونحوه بدون [عُنْفٍ سَبٍّ ولا شتمٍ ولا إيذاء خارجي ولا داخلي كما هو إجماعُ المسلمين، إذ النصوص عندنا قاطعةٌ بحرمة كلِّ ذلك وليس في دينٍ آخر على الأرضِ مثلُ هذه النصوص ويمكنك مراجعتها في كتب الفقه والتفسير] فأنتَ أمامَ طريقةٍ للعقاب لا يُمكنُ أن توصف إلا أنها تدليلٌ ولفتُ نظرٍ بشكلٍ سبقَ فيه الإسلامُ كل سَبَقٍ.
الرابعة: وهنا سؤالٌ طرحه عليَّ بعضُهم قائلاً: وأيُّ فائدةٍ إذن في هذا الضرب بالسواكِ وهو لا إيلام ولا إيجاعَ فيه؟ قلت: إن المرأة ليست كالرجل فإن مرادَ الشارع ليس تعذيبها ولا كسرها كما يفهمه بعض أو يفعلُه بعض من لا زَبْرَ عندهم من الحمير الناطقَةِ، وإنما المراد أن يحرِّكَ في نفسها ذلك المعنى الذي يدفعُها لمراجعةِ سلوكها؛ كما تضرب طفلك الصغير على أطراف أصعابه لا بغرض إيلامه وإنما بغرض إرشاده إلى خطأِه وإيقاظِ عقلِه".
وواصل حديثه: "الخامسة: بقي لنا أن نُشيرَ إلى جوابٍ ربما ثار عنه السؤال في الذهن فنبتدره قائلين: والرجل ليس كالمرأة في الإساءةِ، أليس العدل يقتضي ذلك؟ فلو أنه أساء لها فما الموقف في الإسلام الرجل يعظ ويتناقش ويضرب بسواكٍ لا إيلامَ فيه، فهل يصنعُ الفقهاءُ معه لو أنه أساء إلى المرأةِ نفس الشيء؟".
وأوضح: "الإجابة التي قد تَصدِمُكَ أيها القارئ هي: لا. بل يجيزون للمرأة من الوهلة الأولى أن ترفعه للقضاء. لماذا؟ يأتيك جواب الفقهاء بالنص: (لِيُؤَدِّبَه القاضي)! ومعلومٌ أن لتأديب القاضي أشكالاً منها الحبس والجلد بالسياط! يقول العلامة المالكي محمد بن يوسف الكافي عن عقاب الزوج المسيءِ الموقعِ الضررَ بزوجتِه دونَ حقٍّ: (...يزجره القاضي بما يقتضيه اجتهاده من ضرب، أو سجن أو توبيخ ونحو ذلك)".
واستطرد بقوله: "ويقول العلامة الدرير في الشرح الكبير عن الزوج المُتَطاولِ : (ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيرا من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك) انتبه لآخر ثلاثِ كلماتٍ في النص السابقِ؛ لقد رتب فقهاؤنا على هذه الأفعالِ وجوبَ تأديب الزوج ومعاقبتِه عند القضاء! إنك أمام منظومة متكاملة متماسكةٍ لا يَسَعُكَ إلا أن تقف أمهامها مدهوشاً مُسَلِّماً بعظمتِها موقناً بأنها ليست من عند البشرِ الناقصين، وإنما هي تنزيل من حكيمٍ حميد. في أوروبا العلمانية، فرنسا مثلاً يتم قتل امرأةٍ كلَّ ثلاثةِ أيام، ولو أنك ألقيتَ نظرةً على مواقع رصد الجرائمِ في أمريكا مثلاً لوجدتَ الجريمة الممنهجةَ ضدَّ المرأةِ في الطليعةِ!".