و ماذا بعد الصحوة الإسلامية ؟
أثارت التصريحات الأخيرة للشيخ عائض القرني، الداعية السعودي، إحدى أيقونات الصحوة الإسلامية، الجدل واللغط والاستفهامات المتناثرة ما بين الصحف والفضائيات مستفهمين عن سر التراجع عن أفكار روج لها عقودا مديدة فجّرت الألغام المحظورة في أوجه المجتمعات الإسلامية كافة، تحت مسمى الصحوة الإسلامية الجديدة، منذ منبتها الشائك في العام 1970 وحتى آخر لغم تفجر في سريلانكا، ليكون السؤال الأهم والأخطر والأكثر غموضًا حول استشفاف جوهر الأيام القادمة بتفاصيلها المجهولة :
وماذا بعد الصحوة الإسلامية في أيامنا القادمة؟
تعتبر تصريحات القرني إعلانًا رسميًا وصريحًا بانتهاء جيل الصحوة الإسلامية الذي عاث في الأرض لهيبًا ودماءً تحت دعاوى التكفير والاتهامات لمن لا يطبق شرع الله عبر المصدر الملتهب لسيد قطب بمعالمه الوعرة مزيدًا من تعرجات لا علاج لها لتفاقم المفاجآت الصادمة في قلب الأجيال التي تجرعت السموم المعسولة تحت مسمى التقوى و التدين.
تداول الخبراء و المحللون فحوى الإعتذار الأخير لعائض القرني متسائلين :
هل توبته الأخيرة إعلانًا خفيًا لتقوية الصحوة الإسلامية بطريقة سرية دون أن ندري في ظل الضربات المتتالية لجسدها المنهك من لكمات الدول و الأنظمة المختلفة ؟!
لكي نجيب على ذلك التساؤل المشروع و الحتمي فلنا في التاريخ الدليل السحري الناجع من حيرة الإستفهامات و ذلك عبر التقية التي إتكأ عليها مرشد الجماعة الثالث عمر التلمساني الذي رفض مباشرة التطبيق لمعالم سيد قطب دون التوغل في جسد المجتمع و التمكن منه حسب التخاطب معه بلغته و مزاجه لتتم السيطرة الناعمة المؤدية للهيمنة القاطعة عبر التكفير و الردع لمن يرفض شرع الله.
أرى في دعوة عائض القرني نوع من أنواع التمويه بالنكهة التلمسانية إلى أن يشتد عود الصحوة مجددًا بعد إستيعاب مستجدات المرحلة القادمة المدرجة في أجندة 2020 الشائكة حيث الصراع القادم بحرارته بين التيارين العقائدي و العلماني كعود للقهقري على نطاق الحرب الدائرة بين المؤمنين و الكفار.
تتضح الرؤية بالدمج بين دعوة التلمساني و دعوة القرني ، فالتلمساني إرتمى في حضن النظام الساداتي تحت مسمى الوسطية و التقية مناديًا بما ينادي به القائد إلى أن يطمئن القائد له نهائيًا فتكون اللحظة المنتظرة بالإنفجار قد أتت ليخرج المارد بحقيقته الصادمة و المؤصلة بدعوات الرفض القاطع للمجتمع الكافر لتتناثر الحوادث و الإغتيالات منذ المنصة و حتى لحظاتنا الراهنة.
أما القرني فقد إرتمى في حضن النظام الإصلاحي لولي العهد محمد بن سلمان لإلتقاط الأنفاس و إستعادة التوازن بعد أن خارت قواه هو و صحوته من الضربات المتتالية التي وجهت لهم ما بين مصر و سوريا و العراق حيث تنمو البدائل في آسيا و أفريقيا إلى أن تتجذر الأواصر بين الجماعة و الدولة حتى إقتراب أوان الإنطلاقة المجددة بما يتماشى مع روح العصر القادم.
إن القرني الآن يسير على منهج التقية كي يعيد الروح للجسد اللاهث جراء الرفض للصحوة المزعومة حتى يكون العود أحمد برداء ليبرالي قد يؤدي الأمر بإختلاق مبررًا بليبرالية صحابي جليل كما فعل أصحاب الجهادية السلفية بالإنضمام لليسار المصري مبررين إياه بشيوعية أبا ذر الغفاري!!
هل الدموع التي إنسكبت من مقلتا الداعية دموع توبة نهائية و إعتراف قاطع بفظاعة ما حدث جراء تصريحاته المتوهجة تحت ظلال الشرع ؟! أم هي دموع التمكن و البراعة في الإقناع من أجل التمكين المنتظر في المستقبل ما بين القريب و البعيد ؟!
كلها تساؤلات تفتح للأذهان و الأقلام متعة البحث و مشقة التفكير لإستلهام ما تخبئه الأيام القادمة من مفاجآت لا يعلم مداها إلا الله و من هنا كانت دعوة الفطنة و البحث و الإتعاظ من سمات المؤمنين كي يتجنبوا لثغات المجهول بناءً على حصيلة المعرفة من صندوق التاريخ المتخم بالتفاصيل.
لنحذر جميعًا ممن غاصوا في بحار التكفير عقودًا طويلة ظاهرين علينا بدموع التوبة و الندم التي أخاف من إنسحاب حرف النون منها لتتحول إلى دم جديد يضاف إلى الدماء التي إنسالت في صفحات الأمة تحت دعاوى الإصلاح لتكون الخطورة أكثر حرقة و شراسة مما كان في الماضي.
بعد التلمساني بتقيته هب علينا مشهور و من تلاه بحيويتهم الحركية لتكتب سجلات الدماء و البكاء في صفحات التاريخ كأمواج البحر الهادرة على الأخضر و اليابس .
من هنا يأتي السؤال :
هل سيظهر بعد دموع القرني التائبة من يخرج علينا في السنوات القادمة بالضربة القاضية من خلف ستار الإصلاح ؟!