مقال ناري للرئيس الراحل أنور السادات.. نحن والإخوان المسلمون؟
في خطابه الشهير بتاريخ 5 سبتمبر 1981، أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات ندمه الشديد على إخراج أعضاء جماعة الإخوان من السجون، وفضح مصادر تمويلهم، كما كشف تقاعسهم عن المشاركة في ثورة يوليو، وأن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، طلب منهم المشاركة في الثورة لكنهم رفضوا خوفا من الملك وطمعا في مغانمه، إلا أن خطابه الشهير، يشرح الكثير مما احتواه مقاله الذي نشره في صحيفة الجمهورية وكشف فيه أيضا علاقتهم بالإنجليز، بتاريخ 19 يناير 1954، وكان وقتها عضوا بمجلس قيادة الثورة، ويوضح كيفية خداع الجماعة للجميع باعتبار أن من بينهم حمائم وصقور.. أمان يعيد نشر المقال الناري مرة أخرى في السطور التالية:
(1)
يستطيع أى حاقد فى هذه البلاد أن يرمى قادة الثورة بأى تهمة يزيُّن له الحقد أن يرميهم بها، يستطيع أى موتور أو أى مضلل أن يرمينا بسوء التصرف أو بالجهل أو بالأنانية، وأن يقلب محاسن أعمالنا إلى أضدادها، ولكن تهمة واحدة لن يستطيع إنسان ما بالغا ما بلغ من الحقد أو الجرأة أو القُحَّة أن يلصقها بنا أو يفتريها علينا.. تلك هى تهمة التنكّر لديننا دين الإسلام المتغلغل فى دمائنا.. المتأصل فى أعماق نفوسنا وقلوبنا ونحن مسلمون نفهم ديننا على حقيقته، وندرك حدوده وتعاليمه، نرى الإسلام مجموعة من الفضائل لا يكتمل الدين الحق إلا بها جميعا، وتنطوى تحت لواء هذه المجموعة من الفضائل، الفدائية والصدق والاستقامة والوطنية والنأى بالوطن عما يفرّق كلمة بنيه ويعرِّضه لنيران الفتن، ولهذا كنا أحرص الناس على بقاء جماعة الإخوان المسلمين لاعتقادنا أنها جماعة صالحة تدعو لدين الله، ولما رسمه الإسلام من أخلاق كريمة ترفع شأن المسلمين وتعزز مجدهم.. وهى نفس المبادئ التى اعتنقناها عن إيمان ويقين لا لأنها مبادئ الإخوان المسلمين، بل لأنها مبادئ الإسلام نفسه التى يجب أن يتمسك بها كل مسلم.
فإذا جاء اليوم هذا النفر الذى أراد أن ينحرف بهذه الجماعة الصالحة عن أهدافها الصالحة، وزعم أننا نحارب الإسلام حين نحاربهم فلن يجدوا من يصدق زعمهم، فلسنا نحن الذين نبيع ديننا بدنيانا، ولسنا نحن الذين نحرص على جاه أو منصب بعد أن قدمنا رؤوسنا وأعناقنا نفتدى بها مصر.
إن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سامية الأهداف نبيلة الأغراض، ولكنها -ككل هيئة أو جماعة- تضم بين صفوفها بعض من تنطوى نفوسهم على دَخَل.. وليس عجيبا أن يظهر أمثال هؤلاء فى مثل هذه الجماعة الصالحة، فقد ابتُلى بمثلهم الإسلام فى مستهل دعوته، وابتُلى الرسول بأمثالهم من الموهنين وضعاف العزائم والناكصين على الأعقاب ومحبى الجاه والسلطان أمثال أبى سفيان.. فليس عجيبا أن نرى بين هذه الجماعة المؤمنة بعض ضعاف الإيمان أو بعض الساعين إلى الجاه والسلطان.. وحين يطغى الغرض الذاتى على الهدف النبيل فمن الواجب على كل مسلم أن يجنِّب المسلمين شر هذه الفتنة، وهذا ما فعلناه لا لحماية أنفسنا بل لحماية الدعوة النبيلة والقصد الكريم، بل ولحماية الإخوان المسلمين أنفسهم ممن فرضوا عليهم السمع والطاعة.
هذا هو رأينا فليجادلنا فيه من يؤمن بقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين».
(2)
هل تُحكم مصر على مذهب مالك.. أو مذهب أبى حنيفة.. أو الشافعى أو ابن حنبل؟
ويطلب إليك ممثل فريق الإخوان الأحرار أن لا تعجب.. ويرجونك أن تتريث حتى ينتهى من قصة الفريق الثالث.. فريق الأحرار فى الإخوان.
استفتاح..
ويستفتح الإخوانى الحر حكايته بسؤال عريض:
ماذا وجد الناس فى السنة السابقة التى نشرتها «الجمهورية» عن وجهة نظر المصورين من الجماعة؟! وهل كان الخلاف الشديد والمعركة المفاجئة بين القدامى والمحدثين فى الإخوان يدور حول قضية كبرى؟! وهل تفرَّق هؤلاء وهؤلاء عند وجهة نظر عامة تخص مستقبل المواطنين جميعًا؟! وبعد.. فهل تستاهل الحكاية الإخوانية كلها بهذا الشكل الذى ظهرت به حزبية بحتة بل فردية على الأصح؟! هل تستاهل جذب المصريين وشغلهم من الاستعداد لمعركتهم الكبرى ضد الاستعمار وإقامة الأسس المتينة لبناء الوطن الجديد؟
اللهم.. لا
اللهم لا.. اللهم وأنت تعلم أننا قد أدينا واجبنا.. وصارحنا الإخوان برأينا فى سياسة الهضيبى الخائنة منذ تولى حكم الجماعة.. ثم صارحناهم فى بيانات مكتوبة وزعت على الهيئة التأسيسية فى اجتماعها الأول بعد قيام الجيش بثورته الكبرى فى 23 يوليو.. وفى اجتماعات أخرى بعد ذلك، ولكنهم كتبوا هذه البيانات، وأخفوا أمرها عن الناس، لأن الذين كتبوها كانوا جماعة الأحرار فى الإخوان.. الأحرار الذين أدوا أمانة الوطن عليهم.. وقالوا للإخوان قولة الحق، وهى أنهم مساقون إلى هاوية لأنهم يلتزمون طريقة العمل فى سرية حتى بعد أن قام الشعب بثورته.. ويحرصون على العمل السرى والتنظيمات والتشكيلات الخاصة كأنهم أمة أخرى.. وشعب آخر غير هذه الأمة والشعب المصرى الذى يستجمع قواه لوحدة المعركة الرهيبة التى تدور فعلا بين مصر والإنجليز، وبين مصر والصهيونيين، وبين مصر والمعسكر والاستعمار كله! اللهم إنك تشهد ماذا عملنا من أجل بلادنا العزيزة وكيف وأد المسؤولون فى الإخوان من هؤلاء وهؤلاء أمرنا، وكيف أخفوا كلمة مصر كلها على لساننا.. حتى شاء الله أن يظهر فى بيانات المسؤولين للناس. اللهم وها نحن نؤدى كل ما علينا للمواطنين فى هذا البيان الذى كتبناه ليُعلن على الناس.. فى «الجمهورية».
بيان إلى الشعب والمسلمين
وبعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، فقد قامت دعوة الإخوان المسلمين منذ أكثر من ربع القرن برسالة السهر على المعنويات، وتهذيب الأخلاق ورعاية الأجيال المتتالية من الشباب.
ويستعرض البيان صورًا لما وقع على الإخوان من تعذيب وتشريد فى فترة حالكة، والإرهاب فى العهود الحزبية الماضية، وصبروا على كل هذا.. واثقين أن الله لن يضيع ثوابهم ولن يترهم أعمالهم.. ولكن..
الإخوان الانتهازيون..
ويقول البيان فى نبرة آسفة مريرة: ولكن للأسف الشديد انتهز بعض الإخوان ممن لم يتشربوا روح الدعوة أو وصفوا بصفات الصلابة والكفاح غيبة الإخوان، وعلى رأس المنتهزين «منير الدلة» وشقيق زوجته «حسن عشماوى»، ودبروا أمرهم على اختيار «حسن الهضيبى» الذى لم يكن عضوًا فى الهيئة التأسيسية أو عُرف بمؤهل من المؤهلات يشفع له فى تقلد هذا المنصب، اللهم إلا صلته بالسراى بحكم النسب.
وتسأل، ولكن كيف رضى الإخوان بإسناد أمرهم إلى مثل هذا الرجل، فيقولون: لقد حذرنا، ولكنهم جميعا وقعوا فى خطيئة ارتضائه.. لماذا؟
لأنهم قد اضطروا إلى الرضا بالأمر الواقع، حرصًا على وحدة الإخوان، وبالنظر إلى الملابسات التى كانت تحيط بالموقف كله.
الدوائر الداخلية..
وتسأل عن هذه الملابسات فتُحيلك فرقة الإخوان الأحرار إلى ما جرى فى صفوف الإخوان ودوائرهم الداخلية من اضطراب شديد وخلاف ومعارك طاحنة حول منصب الإرشاد، ويتركون لغيرهم من الراشدين أو المحايدين مهمة تفصيلها فى حلقة أخرى تنشرها «الجمهورية».
ثم يستطرد الإخوان الأحرار، قائلين فى البيان وبالنص:
مصر فى ثورة.. والهضيبى فى المصيف!!
قامت حركة الجيش المباركة والأستاذ الهضيبى بمصيفه بسيدى بشر، فلم يحرك ساكنًا، ولم يظهر التشجيع الذى تستحقه، وأهمل التأييد والمساعدة الواجبين عليه كرئيس لهيئة إصلاحية فى مثل هذا الظرف التاريخى الخالد.
الهضيبى.. وخاصته..
ثم توالت بعد ذلك مواقفه الشاذة حتى وصلت إلى الذروة، بنصيحة جمهرة من الأعضاء وما نتج عن ذلك من انشقاق بين صفوف الإخوان، أما ما كشف عنه بيان الثورة من اتصال بالإنجليز، فهذا ما لم يعلمه الإخوان، وإنما أراده مع «خاصته المقربين» فى ما بينهم، ويستطرد الإخوان الأحرار قائلين:
والذى نريد أن نقوله: إن كثيرًا من الإخوان لم يقبلوا هذا الوضع، ونصحوا مرارًا وتكرارًا الأستاذ الهضيبى و«جناحه»، وأن غضب الإخوان من تصرفاته استمر واتخذ الهضيبى صورًا مختلفة جاوز بعضها حد النقد، ووصل بعضها إلى قاب قوسين من النجاح فى حمل الهضيبى على الاستقالة لولا.. لولا عوامل تعلق بالنظام الإدارى للإخوان.
فإذا تساءلت عن هذا النظام الإدارى الذى يعوق جماعة من الجماعات عن إقرار الحق وإقصاء الباطل.. إذا تساءلت عن النظام الإدارى لجماعة الحازقية تكون نتيجة للفوضى.. أحالك الإخوان الأحرار على المسؤولين فى الجماعة.. ثم يعودون قائلين فى البيان:
أنى أتهم..
ولعل ما يعطى الرأى العام صورة لهذه المعارضة السريعة نذكر أن ممثل الإخوان الأحرار قد أرسل خطابًا فى شهر مايو سنة 1952 إلى الأستاذ الهضيبى صارحه فيه بالآتى:
- فساد سياسته.
- ممالأته للسراى وللطاغية.
- ممالأته لحاشية الطاغية.
الهيئة فقدت شعبيتها..
لقد نهجتم نهجًا سياسيًّا مالأتم به الأرستقراطية ممثلة فى الملك ورجال بلاطه وحاشيته، وبذلك فقدت الهيئة صفتها القديمة الشعبية المكافحة، كما هانت على الناس لما أظهرته من حقوق نحو نفسها.
ويقول ممثل الإخوان الأحرار: إن هذا الخطاب قد نشر بتفاصيله فى رسالة بعنوان «منى.. إلى شهيد الإسلام» التى حاربها الهضيبى، وصادر إعلانها فى مجلة «الدعوة» ووزع منها خمسين ألف نسخة.
لقد كاشفناهم..
ثم يقول الإخوان الأحرار بالنص:
ولقد كان لموقف الهضيبى من حركة الجيش أسوأ الأثر فى نفوسنا،
الأمر الذى جعلنا نسعى لمكاشفة الإخوان بحقيقة هذا الشخص الدخيل عليهم، ورفعنا
الستار عن مؤامرة تعيينه مرشدًا عامًّا لهم فى بيان طبعناه بإمضائنا فى 16 صفحة
بعنوان (فلنتكلم بصراحة)، وكان ذلك فى أول اجتماع للهيئة التأسيسية عقب حركة الجيش
الموفقة.
فإذا قلت لجماعة الأحرار فى الإخوان: ولكن هذا كلام خطير وحقائق
تجاوزت حدود المعقول.
إذا كنتم قد كشفتم عن خيانة الهضيبى ومحاربته للثورة منذ
مولدها.. وإذا كنتم قد أبرأتم ذمتكم ووزعتم بيانكم الذى سجلتم فيه خيانة الهضيبى
للثورة والشعب الذى قام بالثورة على أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان.. فكيف ظل هذا
الرجل فى مكان الصدارة بالجماعة!! وكيف بقى فى مكتب الإرشاد! وكيف؟
ويقول الإخوان الأحرار وبالنص:
لقد عمل الهضيبى على كبت تأثير هذا البيان بسيطرته المطلقة على
الإخوان وبعث إلينا بخطاب رقم 6234 يطلب إلينا الكف عن الكتابة، ولكننا لم نكف..
لأن غيرتنا على توجيه الدعوة التى انحرف بها وإسرافه فى العبث بمنهاجها، كل ذلك
جعلنا نتمسك بموقفنا فى مناهضته ودرء هذا الخطر الذى يحيط بالهيئة من سوء تصرفاته،
ثم.. ثم.. ها هى صورة طبق الأصل من البيان الذى وزعه الإخوان الأحرار على الهيئة
التأسيسية، يضعها الأحرار تحت تصرف «الجمهورية» لتنشر أمرها على الناس.
بيان: «فلنتكلم بصراحة»..
تتسلم «الجمهورية» صورة من بيان الأحرار الخطير الذى وزع على
أعضاء الهيئة التأسيسية فى الاجتماع الذى عقد إثر قيام حركة الجيش المباركة..
ويبدأ البيان الخطير بهذا العنوان:
وبعد المقدمة يقول:
فما يخفى عليكم أيها الإخوة قداسة هذا الاجتماع، ولا المناسبة
الطيبة التى فاجأت البلاد على غير انتظار، فكانت كشهاب لامع شق الظلمات، فبدأها
بنسمات الصداقة على القلوب وتحية نَديَّة، وتأهبت البلاد بأسرها لاستقبال العهد
الجديد ولإرساء قواعده على أسس من العدالة والإنصاف وتحقيق إرادة الشعب، والناس
تسأل: أين الإخوان من هذا كله؟
ألا وإن هذه نقطة تحول خطيرة فى تاريخ البلاد، ألا وإن هذا
اليوم الذى تجتمعون فيه يوم من أيام الله له ما بعده، فأذكركم بما ذكر به «خالد بن
الوليد» المسلمين يوم اليرموك:
«هذا يوم من أيام الله
لا يجوز فيه الزهو والفخر».
ويناقش البيان صورًا لنضال الجماعة ضد الأحزاب والرجعية وصورًا
أخرى للعذاب والتنكيل الكثير الذى وقع عليها، وكيف كان الأحرار يعجزون وهم فى
انتظار لحظة الحرية.
ثم يقول: وفتحت الدولة أبواب المعتقلات وخرج الإخوان أفواجا،
وانعكست بفضل الثورة هذه الاضطهادات وبالا على أعداء الشعب، وبدأ جنود الدعوة
ينتظرون أوامر المسؤولين فى الإخوان ليؤكدوا للرأى العام أمرين هامّين، الأول:
شعبية الدعوة التى كانت خصوصيتها الرائعة والثانى: خروجهم بعد المحنة بواجب جديد
هو تصفية حساب المحنة.. من افتراءات واعتداءات وتعذيب.
ولذاك أيها الإخوة الفضلاء كانت بالغة وأسفا فادحا، فقد أخذت
الأيام تمر دون أن يتحقق ذلك، بل تظهر عكس ما كنا نتصور فألقت كل تضحيات المحنة
وذكرياتها بما فيها من اغتيالات وتعذيب، ووقفت الهيئة أمام الحكومات السابقة موقف
الضعف والصغار والاستخزاء.. ونشرت فى صفوف الإخوان دعاية مسمومة، مفادها أن الإخوان
«مجروحون»، فيجب الهدوء حتى تندمل الجروح، ونهجت الهيئة نهجا سياسيا الآن، به
الأرستقراطية ممثلة فى الملك ورجال بلاطه وحاشيته، وبذلك فقدت الهيئة صفتها
القديمة الشعبية المكافحة، كما هانت على الناس لما أظهرته من عقوق نحو نفسه وجمود
لضحايا المحنة واستهانة بذكرياتهم المقدسة.