«الأموال مقابل تلميع الإنجليز».. رفيق «البنا» يفضح التاريخ الأسود لـ«الإخوان»
في الشهور الماضية، تصاعدت داخل جماعة الإخوان الإرهابية، أزمة داخلية، جاءت بعد اتهامات باختلاس عدد من قادة الجماعة الحاليين، لأموال الخاصة بالأسر الداخلية، وإقامة حفلات بالخارج والعيش في أحسن الأماكن بالإضافة إلى تضيق على أي من المخالفين له ومنع وصول التمويلات إلى المكاتب الإدارية التي أعلنت الحرب على القيادات التاريخية وانحيازها للشباب، جعل البعض يربط ما حدث بالجرائم المالية والجنسية التي فعلها من قبل حسن البنا.
لكن كثيرًا ما ينفي قادة جماعة الإخوان الإرهابية، أي فساد مالي تورط فيه مؤسس الجماعة حسن البنا، إلا أن الوثائق التي حصلت عليها "أمان"، تكشف العلاقة الخفية التي بين "البنا" وبين انزلقه إلى الفضائح المالية.
جاءت الوثائق في أكثر من عشرة صفحات، كتبها أحمد السكري المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان، بعد الخلافات التي ضربت بينه وبين حسن البنا، وجعله ينشق عن الجماعة ويتفرغ في كتابة هذه المذكرات، حيث حكى عن أحد المواقف التي كشفت عن فضائح مالية، قال إن "انفراد هيئة معينة بالأتكام والثالث تأمر الدول الاستعمارية علينا، ثم وضحت الضعف بل الخطأ الذي وقع في الاجراءات الأولية فمن ذلك عدم إعلان الحكومة في قوة وحزم وإلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقية سنة 99 باعتبار أشقرا كنا في ميثاق الأمم المتحدة وذلك ضياع الوقت في المفاوضات والدوارات التي انتهت بمشروع صدقي - بيفن البغيض والذي أيده العهد الحاضر بحكومته وبرلمانه ومن ذلك موافقة الحكومة على تعيين حاكم السودان الجديد بعد قطع المفاوضات وهذا إقرار صريح بسريان اتفاقية 99 ومعاهدة 36 في الة الذي كانت تطالب الأمة فيه بالغائهما ومن ذلك لجوء الحكومة إلى مجلس الأمن دون الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة حيث الأغلبية فيخك كم الأمم الصغرى أمثالنا ومن ذلك عهد الحكومات المتعاقبة إلى كبت الحريات منذ 1945 حتى كان ركود الشعب وفتوره مبرر المندوب البرازيل أن يعان في المجلس ألا خطر بخشى من هذه القضية على الأمن، ومن ذلك عدم ابراز مطلب وحده الوادي ابرازا صريحا في مذكرة الحكومة المقدمة إلى المجلس إلخ".
وتابع في حديثه، "هذا هو مجمل الحديث الذي نشرته لي الكفية والذي أثار الأستاذ البنا، وقرر في مكتب الإرشاد كما ورد في نشرته السرية للإخوان استنكاره لهذا الحديث لمخالفة سياسة الإخوان. حيث وقوع مخالفات مالية كبرى وجلب بعض الأموال من دول ليست بالصديقه".
ھذه الحقائق تعطي دلالات منطقیة على مصداقیة الاتھامات التي وجھھا أحمد السكري لحسن البنا بعد أكثر من 13 عامًا من واقعة تلقیه الھبات السخیة من المستعمرین الأجانب في الإسماعیلیة، وعن طبیعة علاقته بالإنجلیز والاستخبارات الأجنبیة، الذین دأب البنا على معاداتھم في العلن ومصافحتھم في السر، ولندرك مجددًا أن الحقیقة تكتشف بالعودة إلى الجذور فالنھایات لا بد أنھا موصولة بالبدایات.
ولم تكن مذكرات أحمد السكري هي الفاضحة المالية لحسن البنا فقط، ولكن هناك أيضًا مذكرات كتابها "البنا" بنفسه، حيث اعترف بجمعه نقود إبان إقامته للجماعة في الإسماعیلیة لإنشاء مسجد یحتوي على مقر للجماعة.
وخلال جمع هذا الأموال، تواصل "البنا"، مع البارون دي بنوا، مدیر شركة قناة السویس العملاقة وكان یرافقھ سكرتیره "مسیو بلوم"، داخل إحدى الشوارع بالإسماعيلية، وطلب معلومات موجزة عنه وعن القائمین على المشروع، ثم أرسل أحد موظفي الشركة إلى البنا في مقر عمله بالمدرسة الأمیریة لیدعوه لمقابلة "البارون".
وجاءت هذه الواقعة في مذكراته، قائلًا: "ذھبت إلى البارون دي بنوا فتحدث إلي عن طریق مترجم بأنه رأى البناء، وھو یود أن یساعدنا بتبرع مالي، وھو لھذا یطلب منا رسمًا ومذكرة للمشروع، فشكرت له ذلك وانصرفت، ووافیته بعد ذلك بما طلب، ومضى على ذلك شھور كدنا ننسى فیھا البارون ووعده، ولكني فوجئت بعد ذلك بدعوة ثانیة منه إلى مكتبه، فذھبت إلیه فرحب بي، ثم ذكر لي أن الشركة اعتمدت مبلغ 500 جنیه مصري للمشروع، فشكرت له ذلك، وأفھمته أن ھذا المبلغ قلیل جدا، ولم یكن منتظرًا من الشركة تقدیره؛ لأنھا في الوقت الذي تبني فیه على نفقتھا كنیسة نموذجیة تكلفھا نصف ملیون جنیه، تعطي المسجد خمسمائة فقط، فاقتنع بوجھة نظري، وأظھر مشاركتي فیھا، ولكنه أسف لأن ھذا ھو القرار، ورجاني قبول المبلغ على أنه إذا استطاع أن یفعل بعد ذلك شیئا فلن یتأخر. وشكرت له مرة ثانیة، وقلت إن تسلم المبلغ لیس من اختصاصي، ولكنه من اختصاص أمین الصندوق، الشیخ محمد حسین الزملوط، الذي تبرع وحده بمثل ما تبرعت به الشركة، وسأخبره لیحضر لتسلمه، وقد كان. وتسلم أمین الصندوق المبلغ".
قد حاول البنا في مذكراته "الدعوة والداعیة" عدم تھویل حجم المبلغ الذي تلقاه وذلك بإشارته إلى أن المبلغ كان قلیلا جدًا وأن الإنجلیز یدفعون نصف ملیون جنیه لبناء كنیسة، وھذا الأمر مستحیل بمقاییس ذلك الزمن، وقد سبق أن تطرق في ھذا الشأن الكاتب ثروت الخرباوي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامیة.
في مقال سابق نشر في 2012،حیث قارن المبلغ الذي تلقاه البنا بمقاییس ھذا الزمن، موضحًا بأن مبلغ 500 جنیه مصري في ذلك الوقت یعادل ما قیمتھ وقتھا 505 جنیھات من الذھب، وھو یساوي ملیونا ونصف تقریبا بمعاییر ھذا الزمن.
وفي المذكرات التي تستعرضها "أمان"، عن حسن البنا، قال أحمد السكري: إن كثير من المفكرين سألوه مباشرة: "لماذا لا تؤلف الكتب؟!"، أجاب البنا علیھم بأن "مھمته ھي تألیف الرجال والقذف بھم في البلاد لإحیائھا، فالرجل منھم كتاب حي ینتقل إلى الناس، ویقتحم علیھم عقولھم وقلوبھم، ویبثھم كل ما في قلبه ونفسه وعقله، ویؤلف منھم رجالا كما ألف ھو من قبل".
وفي سلسلة مقالات نشرھا في جریدة "صوت الأمة" ابتداء من تاریخ 11 أكتوبر 1947،والتي كان یصدرھا حزب الوفد المنافس للجماعة، وكشف فیھا حقائق وفضائح تنظیم الإخوان المشبوه، وبین فیھا السكري أن المؤسس الحقیقي للجماعة وأنه آثر تقدیم البنا مرشدًا على نفسه عندما طرح الأخیر فكرة البیعة، حیث قال في مقالة الأول بعد طرده من الجماعة موجھا الحدیث للبنا: "استعنت بك أول الدعوة المباركة حتى إذا ما صلب عودك وأكملت دراستك وزاولت عملك في الإسماعیلیة وأنشأت شعبة أخرى".
وفي مقال أخر، حمل عنوان "كيف انزلق الشيخ البنا؟"، واستعرض خلاله في واقع قام فيها البنا بجمع اموال من عناصر الجماعة ولا يعلم عنها احد الان أين هي واين تم انفاقها، وهو ما وقع في الجماعة في أزمة كبيرة خلال هذه السنوات الماضية، وانشقاق العشرات في أنذاك، وصفًا ما كان يفعله "البنا" بـ"العبث" الذي لا يقبله أحد، حيث بدأ "في الجماعة وأهدافها كيف باعت لنشر مبادئ الإسلام وبث وأرواح الدين الحنيف، إلا أن الحقيقة جاءت بغير ذلك".
وكشف عن حقیقة ارتباط "البنا" بالاستخبارات البریطانیة، وبقوله: "حاولت الجاسوسیة الإنجلیزیة أن ترشو الإخوان بـ20 ألف جنیه، وذلك بعدما اتفقت الجماعة قبل نھایة الحرب العالمیة مع الإنجلیز، ففي یوم 25 أغسطس 1940 حضر الجنرال كلایتون وبصحبته المستشرق المستر ھیورث دن، وقابلا حسن البنا بدار الجمعیة القدیمة، وأخذا یتحدثان عن دعوة الإخوان المعادیة للاستعمار البریطاني، وللاستیطان الإسرائیلي في فلسطین المحتلة".
وتابع: "أن البنا أحالھم للاجتماع به، وتم ذلك في منزله لاحقًا، وقالوا له حینھا: إن ھذه الدعوة الناشئة یجب أن تقوى بالمال لتستطیع أن تؤدي رسالتھا على أوسع مدى، لھذا رأینا أن نمد لكم ید المعونة باسم الدیمقراطیة، وھا نحن نقدم لكم الآن مبلغ 20 ألف جنیھ دفعة أولى، ھذا فضلا عن سیارة نھدیھا لك شخصیا بمناسبة عید الأضحى"، فتفاجأ السكري من عرض الرشوة، موضحًا أنھ رفض قبول السیارة، أما عن مبلغ الـ20 ألف جنیه، فطلب الإفصاح عن تقدیمھا إلى الجماعة، فرد ھیورث قائلًا للسكري: "إننا لا نبغي بذلك أن تنقلبوا أصدقاء، لأن الخیط الأبیض إذا انقلب إلى أسود في الحال یلفت النظر- وھذا تعبیره بالحرف الواحد - غیر أن لكم نحو 450 أو 500 شعبة في مختلف البلاد، والألمان والطلیان في طریقھم الآن إلى مصر، ونحن نخشى أن نطعن من الخلف".
ثم عاد السكري في مقال لاحق، وكشف فیه عن اتصالات البنا بالقوى الأجنبیة والمصریة العمیلة، قائلًا: "وقفت أمنعك من ھذا التصرف المشین، حتى اكتشافي عن طریق الصدفة، اتصالاتك ببعض الشخصیات الأجنبیة والمصریة، وھالني ما حدثني به أحدھم یوم 7 فبرایر من العام ذاتھ"، وتوقف عند ذلك الحد دون إكمال كشف الحقائق لأسباب مجھولة.