السلفية المغربية.. مدارس متنوعة وتجارب خاصة في التعامل مع الدولة
تتميز الحركة الإسلامية في المملكة المغربية بالتنوع والثراء، لها خصوصيتها الممتدة عبر الزمن، خاصة الجماعات السلفية التي تتباين اتجاهاتها، وتجاربها في التعامل مع المجتمع والدولة، بدءا من ظهور دولة المرابطين ومرورا بالدعوة السفلية الشبيهة بالحالة النجدية، ثم ظهور الجماعات التي تبنت العنف والعمل المسلح، وانتهاء بالمراجعات والانصهار مع الدولة والتماهي مع أيديولوجيتها بشكلها الحالي.
ويمكن تقسيم السلفية المغربية إلى 4 مراحل، تبدأ بظهور دولة المرابطين التي اتخذت المذهب المالكي منهجا لها، وأظهر المرابطون الدعوة إلى ضرورة العودة إلى ما كان عليه السلف في القرون الثلاثة المفضلة، وأعطى هذا الشعار إلى جانب موقفهم من كتاب إحياء علوم الدين للغزالي مسوغا لاعتبارهم من المدرسة السلفية الحنبلية، إلا أن المرابطين كانوا عبارة عن حركة سياسية صوفية، قادها عبد الله بن ياسين، وأخذت اسمها من مصطلح من مصطلحات التصوف، هو الرباط. ومن أشهر الصوفية في عهد المرابطين الإمام أبو علي حسين بن محمد الصدفي. ورغم ذلك يعدها الكثير من الباحثين بداية للسلفية في المغرب.
المرحلة الثانية:
وشهد التيار السلفي فيها أوج ازدهاره خلال حكم الدولة العلوية خاصة في فترة السلطان العلوي محمد بن عبدالله المتوفى بمكناس عام 1204 هـ 1790م، وتزامت هذه المرحلة مع ظهور الدعوة السلفية النجدية في الحجاز على يد محمد بن عبدالوهاب، وانتشارها في المملكة السعودية، وكان العامل المشترك لهذه الدعوة هو العودة لما كان عليه السلف خاصة في أمور العقيدة، وكان للسلطان محمد بن عبدالله جهود كبيرة في نشر هذه الدعوة بين المغاربة وقد ذكر صاحب كتاب "الاستقصا لتاريخ المغرب الاقصى" أنه: "كان ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية- رضي الله عنهم- وكان يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة؛ بلا تأويل، وكان يقول عن نفسه- حسبما صرح به في آخر كتابه "الموضوع في الأحاديث المخرجة من الأئمة الأربعة": أنه مالكي مذهبا حنبلي، اعتقادا؛ يعني أنه لا يرى الخوض في علم الكلام على طريقة المتأخرين وله في ذلك أخبار ومجريات".
المرحلة الثالثة:
فقد بدأت مع الاستعمار في العصر الحديث وبرزت خلاله أسماء لامعة، ارتبطت فكريًا بالحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار الفرنسي، على غرار المنهج التنويري لمحمد عبده وجمال الدين الأفغاني، منهم علال الفاسي، ومحمد المختار السوسي، وأبوشعيب الدكالي، ومحمد بلعربي العلوي، ونجحت في ازكاء العاطفة الوطنية وبث الحماسة في نفوس المغاربة من أجل التخلص من الاستعمار الفرنسي وبعد استقلال البلاد عام 1956، أطلق عليها السلفية العلمية وكان أبرز رواده بعد أبو شعيب الكيالي، الأديب والمحدث السلفي الشيخ محمد تقي الدين الهلالي الذي كان يعمل مشرفا على إذاعة برلين العربية خلال فترة الحكم النازي.
وتميزت هذه المرحلة بالتأصيل العلمي متأثرة بالمراجع السلفية في مصر والسعودية، وانشغل أصحاب هذا الاتجاه بتحصيل العلوم الشرعية وابتعدوا عن العمل الحزبي الذي اعتبروه من البدع، كما ركزت على محاربة الخرافات والتمسك بحرفية النصوص الشرعية والاقتداء بالسلف.
المرحلة الرابعة:
ظهرت هذه المرحلة في بداية الثمانينات، متأثرة بالجهاد الأفغاني، وانضم الكثير من أتباع التيار السلفي في هذه المرحلة لما يعرف بالأفغان العرب ورفعوا راية الجهاد، وما لبث أن عادوا من افغانستان، بعد أن تأثروا بفكر عبدالله عزام وأسامة بن لادن، ونقلوا ما تعلموه في أفغانستان لتطبيقه في المغرب، مما كان له ابلغ الأثر في ظهور أسماء عدة لجماعات مسلحة، ومنها "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة"، ومن ابرز قياداتها محمد الكربوزي مؤسس الجماعة، الملقب بأبي عيسى، وسعد الحسيني الذي كان يعتبر رئيسا للجنة العسكرية للجماعة.
وكان لهذه الجماعة مواقف معارضة للحكومة المغربية بلغت ذروتها في تفجيرات الدار البيضاء التي وقع ضحيتها أكثر من 45 ضحية من بينهم 12 انتحاريا من منفذي التفجيرات في سلسلة هجمات على بعض الأماكن الحيوية في العاصمة الاقتصادية للمغرب بالتزامن مع تفجيرات الرياض في المملكة العربية السعودية في منتصف مايو عام 2003م.
ومن بين هذه الجماعات أيضا "منظمة المجاهدين بالمغرب" التي يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 1984 من قبل عبد العزيز النعماني، المنشق عن عبد الكريم مطيع مؤسس حركة الشبيبة الإسلامية.
وتبنى أصحاب هذا الاتجاه شعارات مثل الحاكمية ورفض الاحتكام إلى الطاغوت، وعانت المملكة المغربية منهم طويلا واستطاعت هذه الجماعات في فترات وجيزة استقطاب الكثير من ابناء الريف المغربي.
المراجعات الفكرية
تعد وثيقة "انصفونا" التي أطلقها شيوخ التيار الجهادي، عام 2010م مرتكزا للمراجعات الفكرية في السجون المغربية والتي وقع عليها 10 من معتقلي التيار في سجن القنيطرة القريب من الرباط، بمبادرة من عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص، وفتحت الوثيقة بابا جديدا للحوار مع الدولة، وجاءت تعبيرا عن قناعات وتصورات هذه المجموعة من السجناء لمراجعة مواقفهم الدولة والقبول بالانصهار في المجتمع مرة أخرى.
وكان من أبرز بنود الوثيقة نظرتهم الجديدة تجاه الملكية في القول بأن "الإمامة إذا انعقدت ولو بواحد وجب على كل من خلفه وأمامه من المسلمين في الأفاق الدخول في الطاعة والالتزام".
ومنها كذلك إدانة التفجيرات العشوائية والعمل المسلح وعبرت عنها الفقرة التالية: "إدانتنا واستنكارنا للتفجيرات العشوائية في بلادنا وكل بلاد المسلمين لما فيها من إزهاق الدماء المعصومة وإتلاف الأموال المصونة ولما يترتب عليها من المفاسد التي لا يقرها شرع صريح ولا عقل صحيح".
وقد أكد رفيقي أكثر من مرة أن المراجعات ضرورة شرعية، وواجب عقلي، وسمو أخلاقي، وبناء إصلاحي ، ومشروع نهضوي.
السلفية التقليدية
وبالتوازي مع ظهور هذه الجماعات ظلت مجموعات سلفية أخرى على منهجها في تحريم الانتماء إلى الجماعات وظل أصحاب هذا الاتجاه متمسكا بعدم تكفير الحكام ووجوب طاعتهم وعدم الخروج عليهم، ومن أصحاب هذا الاتجاه الشيخ محمد عبد الرحمن المغراوي الذي أسس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة عام 1976م، في مدينة مراكش وكانت في البداية تهدف إلى فتح دور لتحفيظ القرآن، وبلغ عدد مقراتها 70 دارا في الكثير من مدن وقرى المملكة المغربية.
وكعادة الجمعيات السلفية، رفعت الجمعية شعارات تهدف إلى العناية بنشر كتاب الله حفظا وتفسيرا وترتيلا، ونشر عقيدة التوحيد ومحاربة البدع والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى التعريف بالسلف ودراسة سيرهم.
ونشطت فروع الجمعية في جمع أنحاء المملكة المغربية في نشر الدروس العلمية والمصاحف المقروءة والمسجلة، كما انتشر اتباع الجمعية في النساجد لتعليم الناس وإرشادهم إلى منهجها.
ويحرص اتباع الجمعية على الظهور في المناسبات والولائم والمآثم والأعياد، إضافة إلى إنشاء مراكز البحث العلمي لتكوين الدعاة إلى الله لتبصير الناس بدينهم وتبليغه بالحكمة والموعظة الحسنة .
تفاعل حركي
كما ظهر أيضا تيار حركي يتفاعل مع الأنشطة السياسية مثل جمعية التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم ، ومجموعة من الجمعيات الإسلامية النشطة في المجال الاجتماعي، التي يتمحور نشاطها في نطاقات ضيقة من المجال الديني منها جمعية الحافظ بن عبد البر ومراكش وشبكة دور القرآن المنتشرة في الدار البيضاء والتي يرعاها الشيخ زحل.