المرسي أبو العباس.. ولي الله الأندلسي بالإسكندرية
لم تمر شخصية "المرسي"، على أهالي الإسكندرية بشكل عابر، لكنها تركت أثرا كبيرا لديهم، حتي أصبح اسمه يتصدر عبارات القسم لديهم، ومنها: "ايوووووه.. طب وحياة المرسي أبو العباس"، و"شي الله يا مرسى يا أبو العباس"، فمن هو المرسي أبو العباس؟
إنه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الخزرجي الأنصاري المرسي، ولد في مدينة مرسية في الأندلس عام 616 هـ الموافق 1219م، وفي كتاب مناهج المفسرين، لمؤلفيه "مساعد مسلم آل جعفر - محي هلال السرحان"، قال إنه كان يعمل في التجارة مع والده منذ الصغر في مدينة مرسية في اسبانيا، وبحسب الكتاب، فإن جميع الأموال التي كان يحصل عليها المرسي، تذهب إلى جيوب الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وكان يكتفي من أرباح تجارته بما يقيم أوَدَه ويحفظ حياته. كان مستغرقا بقلبه في ذكر الله فكان شغله الشاغل أن يتقدم كل يوم خطوة في طريق الحق والحقيقة، أشتهر أبو العباس بالصدق والأمانة والعفة والنزاهة في تجارته كان يربح مئات الاّلاف، ويتصدق بمئات الاّلاف، وكان قدوة لتجار عصرة في التأدب.
ولم يستقر كثيرًا في الأندلس، حتى بدأ في الذهاب مع والديه زاحفين نحو تونس، والتقى هناك بالشيخ أبي الحسن الشاذلي شيخ الطريقة الشاذلية، ويحكي ذلك "المرسي"، في كتاب "لطائف المنن": "لما نزلت بتونس وكنت أتيت من مرسية بالأندلس وأنا إذ ذاك شاب سمعت بالشيخ أبا الحسن الشاذلي فقال لي رجل نمضي إليه فقلت حتى أستخير الله، فنمت تلك الليلة فرأيت كأني أصعد إلى رأس جبل فلما علوت فوقه رأيت هناك رجلا عليه بُرنس أخضر وهو جالس عن يمينه رجل وعن يساره رجل فنظرت إليه فقال عثرت على خليفة الزمان قال فانتبهت فلما كان بعد صلاة الصبح جاءني الرجل الذي دعاني إلى زيارة الشيخ فسرت معه فلما دخلنا عليه رأيته بالصفة التي رأيته بها فوق جبل زغوان، فدهشت فقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: عثرت على خليفة الزمان، ما اسمك ؟ فذكرت له اسمي ونسبي فقال لي رفعت إليْ منذ عشر سنين ".. ومن يومها وهو يلازم الشيخ أبي الحسن الشاذلي ورحل معه إلى مصر.
واختار "الشاذلي"، مسجد العطارين حاليًا، وكان يعرف قديمًا بالمسجد الغربي؛ لإلقاء الدروس العلمية والمجالس الصوفية، وأقام أبو العباس، 43 عامًا، ينشر العلم، ويهذب النفوس.
وتولى "أبو العباس"، مشيخة الطريقة الشاذلية بعد وفاة أبي الحسن الشاذلي، وتوفي في 25 ذو القعدة، سنة 686 هجرية، ودفن في جبانة الأولياء، وبنى على مقبرته، بناء يتميز عن باقي القبور حتى أصبح مزارًا، وصار مسجدًا صغيرًا، وأُعيد بناؤه وترميمه وتوسعته حتى أصبح مسجد أبو العباس المرسى حاليًا.
ومنذ ذلك الحين ظل الطابع الإنساني يُسيطر على المكان، ويتوافد علي مولده كل عام أهل الذكر من كل مكان، مُشكلين حالة من الروحانيات العالية، وعلى مقربة منهم، مراجيح المولد، وألعاب الأطفال، وحب العزيز، وحمص الشام، والبخور، والمسك، والعنبر، وكل هذا تحت رعاية لفظ الله جل جلاله، وعندما نسمع المريدين، يذكرون الله بكلمات مختلفة مثل "الله حي.. ومدَّد يا سيدي أبو الفتح.. وعمار عمار يا أبو الفتح جيتلك وقصدتك وأنت الدواء والطبيب".