العلاج بأسماء الله الحسنى .. اسم الله «السيد»
أسماء الله الحسنى، ليست مجرد ألفاظ ينطقها العبد ويرددها، بلسانه، فتنحل عقد حياته؛ بل لابد لذلك من عقد القلب عليها، والإيمان الكامل بأنها سر الله عز وجل في تسيير حياة عباده، فكل اسم من أسماء الله الحسنى يرتبط ارتباطا وثيقا بجانب من الحياة منفردا، من ناحية ويتآلف مع أسمائه تعالى المطلقة والمقيدة، من ناحية أخرى؛ لتوحيد الله عز وجل بأمور الخلق والتدبير، فإذا ربط العبد نفسه بالله، تحقق في قلبه معاني الخضوع والانقياد لله وحده، فيصير أسعد الناس في الدنيا والآخرة، قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180].
اسم الله "السيد"
عرّف علماء اللغة معنى "السيد"، بأنه: "سيّد كلّ شيء أرفعه، أشرفه" القاموس المحيط، وجاء في لسان العرب: "السَّيِّدُ في اللُّغة صِفَةٌ مُشبَّهة للموصوفِ بالسِّيادَةِ، أصْلُه مِنْ سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد فَقُلِبَتِ الواو ياءً لأجْل الياءِ السَّاكنةِ قَبْلَها ثم أُدْغِمَتْ".
وذكر ابن الأثير في غريب الحديث: "والسيد يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج، ومتحمل أذى قومه، والله عز وجل هو السيد الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم فالسؤدد كله حقيقة لله والخلق كلهم عبيده، وهذا لا ينافي السيادة الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية، فسيادة الخالق تبارك وتعالى ليست كسيادة المخلوق الضعيف".
(انظر: غريب الحديث، ابن الأثير، 2/418)
ولا يتعارض اطلاق اسم السيد على الله تبارك وتعالى على وصف أحد المخلوقين بذلك، قال ابن الأَنباري: "إِن قال قائل: كيف سمى الله، عز وجل يحيى (سيداً وحصوراً)، والسيد هو الله إِذ كان مالك الخلق أَجمعين ولا مالك لهم سواه؟ قيل له: لم يُرِد بالسيد ههنا المالك وإِنما أَراد الرئيسَ والإِمامَ في الخير، كما تقول العرب فلان سيدنا أَي رئيسنا والذي نعظمه".
(انظر لسان العرب، لابن منظور، 3/ 2145)
وقال ابن القيم: "وأمَّا وصفُ الربِّ تعالى بأنه السَّيِّد فذلك وصفٌ لربه على الإطلاق، فإن سَيَّد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن قولـه يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقاً له سبحانه وتعالى وملكاً له ليس لهم غِنىً عنه طرفة عين، وكل رغباتهم إليه، وكل حوائجهم إليه، كان هو سبحانه وتعالى السَّيِّد على الحقيقة".
(انظر: تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص: 126)
فإذا علم العبد أن مالكه وسيده ومُدبّر أمره هو الله تعالى وحده، صار أغنى الناس عن خلقه، واطمأن قلبه بأن شرفه وعزه وسداد رأيه وعمله لن يكون إلا في ظلال طاعة الله تعالى، فيتواضع للخلق ولا يعلو على أحد، ولا يخضع لغير الله تعالى، ولا يسلم لمخلوق كائنًا من كان زمام أمره فيصير عبدا ذليلا لبشر، طلبا لمنفعة منه أو دفعا لمضرة أو أذى قد يصيبه، فلله وحده الأمر كله وله الملك والملكوت والخلق والتدبير، وبتوحيد العبادة له يبلغ العبد أعلى مراتب الحرية.
الأدلة على الاسم
لم يرد الاسم في القرآن الكريم، وثبت في السنة الصحيحة، كما في حديث مُطَرِّفِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ قال: قال أبي: انطلقتُ في وفدِ بني عامرٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنتَ سيِّدُنا، فقال "السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" قلنا: وأَفْضَلُنا فضلًا، وأَعْظمُنا طَوْلًا، فقال: "قُولُوا بِقَوْلِكُمْ، أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِينَّكُمُ الشَّيْطَانُ".
حديث صحيح: أخرجه أحمد (4/ 24 - 25)، والبخاري في الأدب المفرد (211)، وأبو داود (5/ 4806)