العلاج بأسماء الله الحسنى .. اسم الله «الغني»
أسماء الله الحسنى، ليست مجرد ألفاظ ينطقها العبد ويرددها، بلسانه، فتنحل عقد حياته، بل لابد لذلك من عقد القلب عليها، والإيمان الكامل بأنها سر الله عز وجل في تسيير حياة عباده، فكل اسم من أسماء الله الحسنى يرتبط ارتباطا وثيقا بجانب من الحياة منفردا، من ناحية ويتآلف مع أسمائه تعالى المطلقة والمقيدة، من ناحية أخرى؛ لتوحيد الله عز وجل بأمور الخلق والتدبير، فإذا ربط العبد نفسه بالله، تحقق في قلبه معاني الخضوع والانقياد لله وحده، فيصير أسعد الناس في الدنيا والآخرة، قال تعالى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180].
اسم الله الغني
الغنى من الصفات الذاتية اللازمة لله تعالى، قال الشيخ خليل هراس في شرح نونية ابن القيم "فله سبحانه الغنى التام المطلق من كل وجه؛ بحيث لا تشوبه شائبة فقر وحاجة أصلاً، وذلك لأن غناه وصف لازم له، لا ينفك عنه؛ لأنه مقتضى ذاته، وما بالذات لا يمكن أن يزول؛ فيمتنع أن يكون إلا غنيًّا كما يمتنع أن يكون إلا جواداً محسناً برًّا رحيماً كريماً.
وقال ابن القيم:
وَهُوَ الغَنِيُّ بِذَاتِهِ فَغِنَاهُ ذَاتِيٌّ لَهُ كَالجُود وَالإحْسَانِ
فالله تعالى هو الغني بذاته، يملك خزائن السموات والأرض، لا يحتاج لأحد من مخلوقاته والكل في حاجة إلى غناه، بيده وحده المنع والمنح، وجميع خلقه مفتقرون إليه، فلا وجود لهم إلا به، ولا حركة ولا سكون في كونه إلا بإذنه والخالق جل شأنه له مطلق الغني وللمخلوق مطلق الفقر.
قال ابن تيمية:
وَالْفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لاَزِمٌ أَبَدًا كَمَا الْغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
فإذا علم العبد أنه مهما بلغ من الغنى فهو مفتقر إلى الله تعالى في حركاته وسكونه، وفي كل أمور معاشه؛ فلا يتكبر ولا يتجبر، ويعرف قيمة نفسه الحقيقية، وضعفه أمام الخالق مهما كانت منزلته بين العباد، كما يتعفف المؤمن عن أموال الناس ولا يمد عينيه إلى ما متع الله به غيره، ويوقن أن كل شيء مقدر سلفا من الله تعالى، فيكون مطعمه ومشربه وملبسه من حلال، وتسود المحبة والتعاون والسلام بين الخلق، روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضِي الله عنْه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "مَن يستَعفِفْ يعفَّه الله، ومَن يَستَغنِ يُغنِه الله". وروى مسلمٌ في "صحيحه" من حديث ابن مسعود - رضِي الله عنْه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: "اللهم إني أسألك الهُدَى والتُّقَى، والعَفاف والغِنَى".
الأدلة على الاسم من القرآن الكريم
ورد اسم الله الغني في القرآن الكريم 18 مرة، منها:
قال - تعالى -: ﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ [يونس: 68].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 8].
وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].
قال تعالى: ( وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [ إبراهيم: 8].
قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].
قال تعالى: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [ العنكبوت:6].
الأدلة في السنة
منها ما رواه أبو داود في سننه من دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الله، لا إِله إِلا أنت، أنتَ الغنيُّ، ونحن الفقراء، أنْزِلْ علينا الغيث واجعلْ ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إِلى حين "