صورة مقلوبة.. سرديات وخيالات المتطرفين حول التاريخ (1)
ليست الآيات والأحاديث النبوية فقط هي التي يؤولها أهل التطرف لصالحهم ويلوون عنق النصوص ليفسروها تفسيرا ظاهريا، فهناك أيضا قصص وحكايات من التاريخ يقدمها أهل التطرف والإرهاب لأتباعهم يوميا في خطبهم ودروسهم، ترسخ في عقولهم ووجدانهم خيالات تدفعهم لسلوك عنيف فيما بعد، القصص والحكايات هي في الأساس لها دلالات ومغزى وسياقات مختلفة عن مرادها الذي يلبسها أهل هذه الجماعات ملبس الوهم والخيال.
خيالات وأوهام كثيرة يرويها هؤلاء ولا يجدون من يتصدون لها، لجذب جمهور من السامعين وشحن أفئدة من غير المثقفين ترمي لأن نعيش حياة مليئة بنص مدلس ووعي مزيف وحقائق غائبة، صورة مقلوبة لقصص من التاريخ يخرجها هؤلاء من مضمونها ليعيشوا حالة ملتبسة مع التاريخ، نقدم بعضا من هذه الصور المقلوبة التي يحترفها هؤلاء وكيف يزيفون حقائق التاريخ لصالح أهدافهم الإرهابية.
الحلقة الأولي
الثلاثة الذين خلفوا.. الجماعة والتنظيم أم الدولة والمجتمع
تخلف ثلاثة من صحابة الرسول الكريم عن الجهاد في ساعة العسرة وهم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، عن غزوة تبوك، ووصل الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فطلب من أصحابه أن يقاطعوهم ولا يجالسوهم حتي يأذن لهم من جديد.
وعاش هؤلاء الصحابة فى محنة شديدة حتى إن أحدهم كان يمر بأخيه فيقول له أنت تعلم أني أحب الله ورسوله فلا يرد عليه فتفيض عين كعب بن مالك من الحزن.
ووصل الأمر أن حاول جنود من بلاد غسان في محاولة استقطابهم، بعد طول عزلة حتي إذا مشي أحدهم في السوق فإذا بشخص من الشام يسأل عنه فأشار إليه الناس، فرفع هذا الشامي رسالة من ملك غسان إلي كعب بن مالك يقول فيها أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسيك، فصرخ كعب حينها بعد أن قرأها وقال " وهذا أيضا من البلاء " وقد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع فى رجل من أهل الشرق.
تلك القصة الشهيرة التي ترويها كتب السير النبوية والتي يلبسها أهل التطرف ملبس غير الغرض الحقيقي منها، فكعب وأصحابه تخلفوا عن الجهاد في ساعة العسرة وعن تلبية أمر النبي الذي هو فى الأساس حاكم الدولة وراعيها، فيدخلها أصحاب الجماعات مدخل التخلف عن الجهاد والسمع والطاعة يوجبون بذلك مقاطعة أتباعهم إذا لم يلتزموا بالجماعة والتنظيم والسمع والطاعة.
وهم بذلك يخالفون ما فعله النبي وهي المقاطعة التي استمرت أربعين يوما في حين يصل مقاطعة المنشق طوال حياته بل ومعاملته معاملة الكفار فيصير بذلك حلال المال والدم والعرض وينتج عنها التفريق بينه وبين زوجته والتضييق عليه فى رزقه وأماكن عمله لو كانت هذه الجماعة تسيطر على هذا المكان.
لقد كان عقاب النبي للمتخلفين عن غزوة تبوك لتقويمهم والتي لا تقصد الألم الجسدي وإنما تقصد الألم الروحي فيكون العقاب أقسي وأمرّ من أن يكون جسديا.
فهم هؤلاء المتطرفون القصة بعقولهم المهووسة بالتآمر والانتقام والتعذيب والتغرير بالغير، وفي هذا يقول مختار نوح المحامي المنشق عن جماعة الإخوان إنه ألف كتابا عن هذه القصة وأطلق عليه "يوميات صحابي في محنة " وهي قصة الصحابي الجليل كعب بن مالك ونشره أيام ما كان في الجماعة.
وكان يرمي من الكتاب لأن يعلم الجيل الحالي الفرق بين أن يرفض المجتمع الخطأ وبين رفض المجتمع للمخطئ، وبين التعامل بين الخطأ كمظهر طبيعي ودليل كوني على بشرية الفاعل، أو بين التعامل معه على أنه أمر مستغرب عجيب أن نراه على كوكبنا.
وقدم لهذا الكتاب المرشد الحالي للجماعة محمد بديع، وللمفارقة أنه عندما ترك مختار نوح المحامي الشهير الجماعة اتصل به محمد بديع وطلب منه أن يكون مثل الصحابي كعب بن مالك، والقصة التي رواها من عدم الاستجابة لملك غسان عندما قال له "فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك " فلا تستجب لنداء الانشقاق عن الجماعة وهو نفس الفهم الذي تقصده جميع جماعات التطرف بأن الجماعة هي الإسلام، وأن السمع والطاعة للجماعة هو طاعة لله والرسول وليس لشخصية بشرية تخطئ وتصيب.
وحول هذه القصة التي تلبسها جماعات الإسلام السياسي ملبسا مغايرا للحقيقة وتلزم بها أتباعها يقول عبده الشناوي أحد العناصر المنشقة عن الجماعة إن هذه القصة تطبق على كل الذين يأخذون موقفا مختلفا عن الجماعة وأنشطتها وتصوراتها الشاذة.
ففي حين كان النبي رفيقا بأصحابه، عمل على توعيتهم بمخاطر الانشقاق عن الدولة والتجسس لصالح أعدائها والخروج على المجتمع المسلم، ويستغل الإخوان هذه القصة ويلزمون أتباعهم بأن المعارضة وعدم السمع والطاعة بريد الكفر والردة وتؤدي إلى ضياع هيبة الجماعة وليست الأمة كما هو المقصود في القصة الحقيقية.
ويضيف الشناوي أن الهدف من القصة هو التدريب علي طاعة القانون ورسالة البناء وليس الهدم الذي يريده الإخوان من ذكر هذه القصة لأتباعهم، فالثلاثة الذين خلفوا تخلفوا عن المجتمع وعن الإرادة الإلهية وليست الإرادة البشرية لجماعة الإخوان المسلمين.