أمين منظمة المتاحف لـ«أمان»: داعش سرق آثار سوريا والعراق وباعها ولم يدمرها «حوار»
* التنظيم الإرهابي نقب عشوائيا عن الأثار في تدمر.. وحصل على كميات كبيرة من التحف غير المعلومة لدينا
* سوريا والعراق واليمن ومصر على رأس الدول التي تهرب آثارها.. وأطلقنا عدة مبادرات لمنع تهريب التحف
* الإرهابيون يمررون الآثار إلى أوروبا عبر بوابة تركية.. وقريبا سترون متحف للآثار البابلية في نيويورك بسبب داعش
صدر تنظيم داعش نفسه وكأنه العدو اللدود للآثار، فنشر فيديوهات هوليودية لعناصره، وهم يدمرون تماثيل تدمر في سوريا وأثار الموصل في العراق، الأمر الذي جعل خبراء الأثار في العالم يحذرون من طمس داعش الهوية السورية والعراقية بتدميرهم المستمر لأثار البلدين.
الشرقي الدهمالي، أمين عام منظمة المتاحف العربية، نفى تدمير تنظيم داعش لأي أثار كاشفا قيام التنظيم الإرهابي بتمويل نشاطاته الإرهابية الحالية من خلال التجارة بالأثار، مشيرا إلى اكتشافه وجود أثار عديدة من تلك التي دمرها داعش في إصداراته بعدد من المتاحف الأوربية والأمريكية.
الدهمالي في حوار خاص جدا لـ "أمان" حول التنظيمات الإرهابية وتجارة الأثار، وكيف تلعب المتاحف دورا في حماية الأجيال القادمة من التطرف؟، للمزيد من التفاصيل إلى نص الحوار التالي...
كيف بدأت تجارة التنظيمات الإرهابية المسلحة في الآثار والتحف؟
خلال الانفلات الحادث أثناء ما يسمى بالربيع العربي، غابت السلطات الأمنية عن تأمين المواقع الأثرية والمتاحف، فاستغلت التنظيمات الإرهابية المسلحة هذا الفراغ، وفطنت لأن الأثار المنقولة من الممكن أن تدر لها دخلا كبيرا جدا مع تجارة المخدرات، وتجارة الأسلحة، فقاموا بالتنقيب عن الأثار في عدة مناطق للحصول على الأثار وبيعها، والدليل على ذلك أنكم لو أخذتم صورا ضوئية لمدينة تدمر السورية قبل الحرب في سوريا وبعد الحرب في سوريا سترون عدة ثقوب في الأرض، تلك الثقوب موجودة في المنطقة التي كان تنظيم داعش الإرهابي مستولي عليها، حيث قام عناصر التنظيم بعمل حفر عشوائي للتنقيب عن الأثار، ووجدوا فعليا كم كبير من الأثار وباعوها في أوربا.
كيف هربت تلك الآثار من سوريا إلى متاحف أوروبا؟
للأسف تتم عمليات التهريب من خلال بعض البلدان العربية، فتصل إلى تركيا، ومنها يتم نقلها إلى أوربا، وقد وجدت العديد من الأثار السورية في أسواق بأمريكا، وكذلك العديد من الأثار العراقية، ولهذا لن استغرب إن رأيت بعد 15 سنة متحفا للحضارة البابلية في نيويورك.
أوصل الأمر لهذه الدرجة؟
وصل لهذه الدرجة وأكثر، ولذلك يجب أن نوعي الأجيال القادمة والحالية بهذا الدمار الذي حل بأثارهم، نحن لا نريد أن يحدث معنا كعرب مثل ما حدث لمعظم الطلبة في أفريقيا، فهناك طلبة يهتمون بدراسة التاريخ ولكن عندما يريدون دراسة قطعة تخص تاريخ بلادهم يضطرون للسفر إلى متحف أوربي للإطلاع إليها، لا أريد أن يقع هذا لأبناءنا في الوطن العربي، وأخشى منه كثيرا.
تحدثت عن قيام تنظيم داعش الإرهابي بالتجارة في الآثار، لكن التنظيم نفسه صور لنا عمليات قام فيها بهدم آثار سوريا والعراق.. فكيف يهدم الآثار ويتاجر فيها في الوقت نفسه؟
داعش قام بفبركة إعلامية وإخراج هوليودي لمشاهد تدمير عناصره للأثار في العراق وسوريا، وقد تأكدنا أن التنظيم لما دخل متحف الموصل قام بتكسير العديد من التماثيل ولكن ليس التماثيل الأصلية بل النسخة غير الحقيقية منها، الأمر الذي كان سببا في زيادة سعر التماثيل الحقيقية لـ 3 أضعاف على الأقل، وهو ما استفاد به تنظيم داعش الإرهابي كثيرا، حيث باع المئات من التمثيل وامتلاك ثورة ضخمة مكنته من شراء الأسلحة المتطورة التي يملكها الآن.
هل هناك إحصائية واضحة لحجم المنهوب من الأثار من قبل داعش والمبالغ التي حصلها التنظيم من تجارته فيها؟
حجم النهب كبير جدا ونحن نحصيه بشكل دائم وخاصة الأثار التي تم سرقتها من المتاحف وبيعها، ولكن حجم الأموال صعب تحديده، ولكني ما أؤكده أن ما تحصل عليه داعش من تجارة الأثار يفوق سوق المخدرات بأضعاف مضاعفة، وأشير هنا إلى نقطة هامة جدا بالنسبة للإحصائيات وهي أن هناك أثار ضخمة سرقها داخل من باطن الأرض من خلال عمليات التنقيب لم نستطع إحصائها بل ولا نعرفها أيضا.
ما هي مجهوداتك كخبير متاحف وآثار عالمي في مواجهة تهريبها خاصة من العراق وسوريا؟
قمنا كمجلس دولي للمتاحف بتدشين منظمة تابعة لنا تعرف باسم "الدرع الأزرق"، وكذلك المرصد الدولي للتراث المنقول بهدف رصد الأثار المنهوبة من بلادنا العربية، وقد قمنا بإنشاء طاقم مراسلين في كل دول العالم كي يدلونا بحجم الأثار المنهوبة، ومن ضمن جهودنا أيضا إصدار ما يعرف باسم القوائم الحمراء فيما يخص البلدان العربية الأكثر تعرضا لسرقة وتهريب أثارها مثل مصر واليمن وسوريا والعراق، وهي منشورات نقرب بها الصورة إلى القطع التي يمكن أن تهرب بحيث تكون دليل لرجال الجمارك حتى لا يسمحون بهروبها ويتصلون بالمختصين حال وجود أشياء مشابهة لها في حقائب أي مسافر، فالجمركي لا يعرف التحف بطبعه.
ما هي أكثر الدول تعرضا لسرقة آثارها؟
كانت على رأس القائمة في السابق؛ العراق أما الآن فسوريا ويأتي بعدها العراق، ثم اليمن، ومصر التي تسرق أثارها منذ الخديويات، وأصبحت سوقا لا ينفذ في تجارة الأثار، وهنا أوجه رسالة للشعب المصري وهي أنهم يجب عليهم الحفاظ على تراثهم، سيأتي يوما وستندمون، ولعلمك فإن مصر على الصعيد الرسمي لديها ما تعرف باسم "لائحة التمني" وهي لائحة بقائمة القطع الأثرية التي تريد مصر أن تسترجعها، وعلى رأسها تمثال نفرتيني، حجر رشيد، تمثال مهندس الهرم الأكبر، وهي أثار لعبت دورا كبيرا في التاريخ الفرعوني المصري ومع ذلك هذه القطع غير موجود في مصر بل توجد في متاحف أخرى في العالم، فمن يريد أن يشاهد حجر رشيد والإبداعات فيه يجب أن يزور المتحف البريطاني، ومن يريد أن يرى جمال الملكة المصرية نفرتيني لن يجدها في القاهرة بل يجب عليه أن يذهب إلى برلين ليراها في المتحف، أما مهندس الهرم الأكبر فمن يريد ان يتعرف عليه فليذهب إلى نيويورك، هذا حقا أمر مأساوي، وكل هذا سيؤثر على الأجيال المستقبلية.
طرحت مبادرة مؤخرا بشأن دور المتاحف والآثار في الحد من التطرف والإرهاب.. فما تفاصيلها؟
دعني أشرح لك المبادرة بمثال، لدينا متحف وطني في المغرب يجمع بين تراث عدد كبير من الفصائل الموجودة في المغرب مثل الأمازيغ، واليهود، والمسلمين، هذه التجميعة له أثر كبير في زيادة التسامح والتقارب بين الشعب، وجعل الجميع ينتمي للوطن الذي لم يفرق بينهم، وهذا ما أريد أن أقوم بعمله في كل متاحف العالم العربي، أن يكون كل متحف عبار عن مزيج حضاري وتاريخي بين مكونات المجتمع لنشر الحب بينهم ومنع انتشار أي تطرف، فلو علم المسلمين مثلا تعاونهم القديم مع أوربا في عهد المسلمين الأوائل لن تكون هناك ظاهرة ذئاب منفردة، باختصار شديد أسعى من خلال هذه المبادرة إنقاذ الأجيال القادمة من مخاطر التطرف والإرهاب.