علماء: «حد الرجم» من المصائب الفقهية الكبرى
نشر تنظيم «داعش»، على مواقع التواصل الاجتماعى، فى الأيام الماضية، صورة لتنفيذ حد الرجم على أحد أفراده، بأفغانستان، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى نرى فيها صورة إقامة الحد من قبل التنظيم على أحد أفراده، كما أن هذه الصورة ليست خاصة بالتنظيم فهى الصورة القابعة فى مخيلة معظم المسلمين باعتبارها حدًا من حدود الله، فهل هناك فى الحدود الإسلامية فعلًا حد يسمى حد الرجم؟
شيخ الأزهر «شلتوت»: الرجم ليس حدًا
يرى الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، ومن قبله الشيخ عبدالوهاب خلاف، وجمع من أهل العلم أمثال الدكتور مصطفى الزرقا، أن الرجم فى الإسلام كان سياسةً وليس حدا، ومن ثم فهو أمر متروك للحاكم وليس حدًا مفروضًا.
رأى الشيخ أبوزهرة
فى حين يرى جمع من العلماء قديمًا وحديثًا أن الرجم ليس له وجود كعقوبة من الأساس، لا سياسة ولا حدًا، ففى القديم قال بهذا الخوارج، وطوائف من المعتزلة، والرازي، أما المعاصرون فكثر، أمثال الشيخ أبوزهرة، والدكتور مصطفى محمود، والدكتور عدنان إبراهيم، وغيرهم.. ففى مؤتمر «ندوة التشريع الإسلامي» المنعقدة في ليبيا عام 1972م، وقف الشيخ «محمد أبوزهرة» قائلًا: إني كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة، وكنت قد بحت به للدكتور عبدالعزيز عامر، واستشهد به قائلا: أليس كذلك يا دكتور عبدالعزيز؟ قال: بلى، وآن لي أن أبوح بما كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟
هذا الرأي يتعلق بقضية «الرجم» للمحصن في حد الزنا، فرأيي أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور.
الرجم من المصائب الفقهية الكبرى
أما المفكر الإسلامي محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان، فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث قال: إن الرجم من المصائب الفقهية الكبرى في تاريخ الإسلام، وهو أبلغ مثال على التخلي عن المحكمات القرآنية واتباع الآثار المضطربة.
وأضاف أن جل أحاديث الرجم تتضمن طعنا ضمنيًا فى القرآن، إذ يعتمد من يقول بالرجم على الحديث المنسوب للسيدة عائشة: «والشيخُ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيزٌ حكيم، فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذة»، وأن هذا الحديث أكلته الداجن فكيف والله يقول: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»؟!
لذا قال الجوزقاني، العلامة المحدث، عن هذا الحديث، في كتابه «الأباطيل والمناكير» إنه حديث باطل.
ومثله حديث «كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثا وسبعين آية، قال: قط! لقد رأيتُها وأنّها لتعادل سورة البقرة وفيها آية الرجم»، فأين ذهبت إذن؟ وكيف اختفت؟ إن الأمر لو ترك لكان تشكيكًا، وطعنًا واضحًا فى القرآن فهل هذا معقول؟
وأعجب منه حديث منسوب لعمر بن الخطاب وفيه: أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء، ثم طرح عليها ثوبه، ثم استلقى ومد يده إلى السماء، فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة، فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس، قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة، وصفق بإحدى يديه على الأخرى، إلا ألا تضلوا بالناس يمينا وشمالا، ثم إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم الرسول ورجمنا، وإني والذي نفسي بيده: لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنا قد قرأناها، قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتي قتل عمر، انتهي (ص 241 من موطأ مالك - ط2 - المكتبة العلمية).
أى إن الراوى الأصلي للحديث هو سعيد بن المسيب، وكما جاء عن المؤرخ محمد بن سعد أعلن في كتابه «الطبقات الكبرى»، في ترجمة سعيد بن المسيب: إن سعيد ابن المسيب لم يلق عمر بن الخطاب، حيث مات عمر بن الخطاب وابن المسيب كان طفلا في الثانية من عمره، لذلك قام الإمام البخاري ومسلم بتلافي هذا الخطأ، إذ أسندا الرواية نفسها وروايات أخرى أكثر تفصيلا ليس لسعيد بن المسيب ولكن إلى عبدالله بن عباس.
ومن أجل الحفاظ على الرجم، جعلوا عمر يرجم المجانين فيقولون «أتيَ عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم»، حتى أقنعه على بتركها!!، أبوداود وأحمد.
ويضيف الشنقيطى: تتراوح عقوبة الزنا في القرآن الكريم بين ثلاثة: جلد الزانيين: «فاجلدوا كل واحد منهما»، والإقامة الجبرية للنساء: «فأمسكوهن في البيوت»، وأذية الرجال: «فآذوهما».
وتخلَّص الفقهاء من عقوبة الإقامة الجبرية للنساء، وعقوبة الأذى للرجال، بحجة أن الآيتين اللتين وردت فيهما العقوبتان منسوختان.
وجاء الفقهاء بعقوبة غريبة عن روح الإسلام، ومناقضة لنص القرآن، وهي الرجم.. ففرضوها عقوبة للزاني المحصن والزانية المحصنة.
لقد بنى الفقهاء عقوبة الرجم على أحاديث مضطربة المتون، معلولة الأسانيد، مثل حديث الغامدية، وحديث الداجن، وحديث المجنونة!!
يقول الإمام أبوحنيفة بشأن الروايات: «كل ما خالف القرآن ليس عن رسول الله وإن جاءت به الرواية».
القرآن يؤيد عدم وجود الرجم
استدل نفاة الرجم فى الإسلام بثلاثة أدلة من القرآن، لكن من المهم قبل الخوض في هذه الأدلة أن نقول إن «الجلد» يسمى فى القرآن «بالعذاب» لقوله تعالى: «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.. وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين»، يقول الشعراوي رحمه الله: الرجم فقْدٌ للحياة فلا نصفَ معه، إذن فنصف ما على المحصنات من العذاب، والعذاب هو الذي يؤلم (أي الجلد).
ونستشهد على ذلك بآية لنبيِّن الرأي القاطع بأن العذاب شيء، والقتل وإزهاق الحياة شيء آخر، ونجد هذه الآية هي قول الحق على لسان سليمان عليه السلام، حينما تفقد الطير ولم يجد الهدهد: «لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ» [النمل: 21]. إذن، فالعذاب غير الذبح، وكذلك يكون العذاب غير الرجم.
فالذي يحتجّ به البعض ممن يريدون إحداث ضجة بأنه لا يوجد رجم؛ لأن الأمَة عليها نصف ما على المحصنات، والرجم ليس فيه تنصيف، نقول له: إن ما تستشهد به باطل؛ لأن الله فرَّق بين العذاب وبين الذبح، فقال على لسان سليمان: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} فإذا كان العذاب غير إزهاق الروح بالذبح، والعذاب أيضًا غير إزهاق الروح بالرجم.
قوله تعالى فى سورة النساء: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} وما معنى الإحصان هنا بدليل المقابلة، سيقابلها بـ الفتيات أي بالإماء..معناها من لم يقدر أن ينكح الحرائر المؤمنات {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ} هذه المقابَلة ! {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ}.
يقول الدكتور عدنان إبراهيم: بالله عليكم الآن.. كل واحد يسمع الآية هذه، حين يقول الله: الذي ليس لديه قدرة مادية ليتزوج امرأة حُرّة، ففي هذه الحالة يستطيع أن يتزوج - وليس يتسرّى- يتزوج أي يعقد عقدا على أَمَة مملوكة لسيّدٍ غيره، يخطبها من سيدها، ولكن هذه ليست حُرّة!.. لكن اشترط الله أن تكون مؤمنة {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ..}، {فَإِذَا أُحْصِنَّ...} بالله عليكم، ماذا تفهمون من الإحصان هنا؟ يقصد هنا بالإحصان هو الزواج.. أحَصنَها الذي نكحها، أليس كذلك؟! أما الشافعي فيقول إنه يقصد بالإحصان هو الإسلام.. لكن هذا غير صحيح، لأن الإيمان مذكور أصلا، أي أنه ذَكَر أنه ممنوع من أن تتزوجها إلا إذا كانت مؤمنة! ويأتي بعد ذلك في الإيمان قال تعالى{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي فيما يظهر لك، قال تعالى في سورة الممتحنة {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ} كيف أعلم؟ تعلم بحسب القرائن والأدلة الظاهرة، هذا يورث علما ترجيحيا يسمونه «علم تقريبي» في علم الاستقراء.
تفسير الشافعى للآية يمزقها ويخرجها عن سياقها
يستكمل الدكتور عدنان إبراهيم، كلامه حول هذه الآية، فيقول: على كل حال.. فالله قال فإذا أحصنّ بالزواج. أي تزوجتَ الأمة المؤمنة فأحصنتَها بالزواج، ثم «فإذا أُحصنّ» رُتِّبَ على «فانكحوهنّ» أنت نكحتها فحصل لها التحصين.. أُحصنَت، كلام منطقي، ولاتقول لي: قال الشافعي في الأُم: قال مَن احفظُ عنه من أهل العِلم إحصانها إسلامها، وأتوا لك بأحاديث عن رسول الله وعن علي وعن فلان... أنا أقول لك هذا كله كلام فارغ.. هــذا يُمزّق الآية والله العظيم، يُخرِجُها عن سياقها ولا يجعل لها معنى! لكي يضربوا أقوى دليل على أنه لا يوجد رجم في الإسلام، وسترون لماذا..من أقوى الأدلة هذا، فمعنى الإحصان هنا هو الزواج بدليل أنك لو كنت ستأخذ امرأة والله قال لك أن تأخذها مؤمنة، ثم تزوجتها وبعد ذلك.. ممكن تُسلِم وممكن أن لا تُسلِم ! لعبَّر الله بقوله: (فإن أُحصَنّ..) «فإن» هنا تدل على التشكيك في الحدوث، لكن الله قال {فإذا أُحصِنّ} يعني الإحصان حاصل حاصل مائة في المائة.. وهذا لا يكون الاعتقاد في الدين.. ليس شرطا، بعضهن تسلمن وبعضهن لا تسلمن ويبقين كافرات، لكن إذا دخل بها زوجها وتزوجها قطعا حصل لها الإحصان، هذا معنى الإحصان هنا.. حتى وإن قالوا إمامي وشيخي الشافعي، لا، الحق أحقُّ أن يُتّبَع، هذا كتاب الله! «فإذا أُحصِنّ» (أي بعد أن تزوجت هذه الأمة..وهنا قال إن الزواج حاصل حاصل، لا تقول إن طلعت الشمس آتيك... بل قُل إذا طلعت، لأن الشمس طالعة طالعة، فلا تقُل إن..هذا غلط فانتبه) «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ» لم يقل فإذا لأنه ليس شرطا أن تأتي بفاحشة، فلو قال فإذا سيصبح كلاما غير واقعي على الإطلاق وغير صحيح، أي معناها أن كل أَمَة إن تزوجها حُر لابـد أن تزني، لكن الله لم يقل فإذا بل قال «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ» والآن واضح أن هذه فاحشة، ليست فاحشة مُبيّنة، لو كانت فاحشة مبينة مثل آية العضل ومثل آية يا نساء النبي {من يأتِ منكنّ بفاحشةٍ مبينة يُضاعف لها العذاب ضعفَين}.
مامعنى الفاحشة المبينة؟ أي تطيل لسانها على الرسول، تبذأ عليه، وتفحَش عليه، تعصيه.. حاشا لله أنه يتكلم في حق الأزواج المطهّرات أمهات المؤمنين ويقصد بالفاحشة هنا الزنا.. حاشاهنّ وكلاّ.. الفاحشة المبينة معناها البذاء، في سورة الطلاق {لا تُخرِجوهنّ من بِيوتِهُنّ ولا يَخرُجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} هنا تعني نفس الشيء أي البذاءة والعصيان وليس الزنا! وقيل: خروجهن من البيت هو الفاحشة المبينة، أي تخرج من غير إذن هو الفاحشة المبينة كأن يقول قائل: لا تَسُبّ نبيك إلا وأنت كافر، أو إلا أن تكون كافرا، وهذا معنى {ولا يَخرُجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} وهو الخروج، قال الألوسي وهو بديع جدا! القرآن يحتاج إلى فَهَم وعِلم لغة.
نعود إلى الآية {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} حسنا، هذه مُحصَنة الآن وأتت بفاحشة لكــن هي أَمَة أو حُرَّة ؟ أَمَة، ونحن نعرف في الشرع الإسلامي في موضوع العبيد والإماء كل شيء على النصف، العقوبات على النصف، يملك طلقتين فقط.. كله النصف، سيدنا عمر قال: «لودَدَتُّ أني نصّفتُ الصلاة فجعلتها ركعة ونصفا» لأنه هذا عضبَد.. كل شيء على النصف فالله قال هذه أمة أُحصِنَت بالزواج لكن أتت بالفاحشة بالزنا {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِۚ} ماذا سيكون معنى «المحصنات» هنا؟ هو المعنى المذكور في أول الآية {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الحرائر، قال {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِۚ} المحصنات الحرائر المزوّجات، وقال «عذاب» ولم يقُل موتا أو رجما، في آية جلد الزناة ذكر تعالى: «وَلْيشهَد عذَابَهُما طـــآئفةُ من المُؤمنين».
والخلاصة في معنى قول الله تعالى: «فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ» أن الأمَة المتزوجة عليها نصف ما على البكر الحرّة من العذاب أي خمسين جلدة، وهذا بخلاف الحكم على المرأة الحرة، فإذا كانت الحرّة بكرًا وزنت كان عليها مائة جلدة استنادًا للقرآن والسنة، وإن كانت حرة متزوجة وقعت في الزنا فحدّها الرجم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولإجماع علماء الأمة عليه.
الدليل الثانى: وهى آية الملاعنة الموجودة فى سورة النور حيث بين لنا الله تعالى أن الزوج إذا رأى زوجته متلبسة بالزنا فيمكنه بمفرده دون شهود إثبات بأن يحلف أربع مرات أنه رآها تزني وفي هذه الحالة يُقام عليها حد الزنا، أو ترد عليه أيمانه عليه بأن تحلف أربع مرات أنه من الكاذبين وهنا لا يُقام عليها الحد لقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)»
ووجه الدليل أن الآية بينت عقوبة الزوجة التى هى محصنة بالطبع أنها «العذاب»، وقلنا إن العذاب هو الجلد فأين الرجم إذن.
الدليل الثالث: إن النبي رجم أخذًا بشريعة اليهود قبل نزول آية النور التى تنص على الجلد، فلما نزلت آيات النور نسخت هذه الشريعة اليهودية، بدليل ما رواه البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى، أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامديَّة، فلما سُئل أرجم قبل آية الجلد أم بعدها، قال لا أدرى.
وهذا يقوى أن الرجم كان قبل نزول آية سورة النور ثم نسخت بنزول الآية.
كما استدل هؤلاء بأدلة من المعقول فقالوا: لو كانت عقوبة الرجم شريعة لذكرها القرآن، إذ كيف يهتم بالنص على عقوبة لا تزهق الحياة وهى الجلد، ثم يترك عقوبة أكبر وأخطر وهى عقوبة الرجم.
استدل نفاة الرجم فى الإسلام بثلاثة أدلة من القرآن، لكن من المهم قبل الخوض في هذه الأدلة أن نقول إن «الجلد» يسمى فى القرآن «بالعذاب» لقوله تعالى: «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.. وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين»، يقول الشعراوي رحمه الله: الرجم فقْدٌ للحياة فلا نصفَ معه، إذن فنصف ما على المحصنات من العذاب، والعذاب هو الذي يؤلم (أي الجلد).
ونستشهد على ذلك بآية لنبيِّن الرأي القاطع بأن العذاب شيء، والقتل وإزهاق الحياة شيء آخر، ونجد هذه الآية هي قول الحق على لسان سليمان عليه السلام، حينما تفقد الطير ولم يجد الهدهد: «لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ» [النمل: 21]. إذن، فالعذاب غير الذبح، وكذلك يكون العذاب غير الرجم.
فالذي يحتجّ به البعض ممن يريدون إحداث ضجة بأنه لا يوجد رجم؛ لأن الأمَة عليها نصف ما على المحصنات، والرجم ليس فيه تنصيف، نقول له: إن ما تستشهد به باطل؛ لأن الله فرَّق بين العذاب وبين الذبح، فقال على لسان سليمان: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} فإذا كان العذاب غير إزهاق الروح بالذبح، والعذاب أيضًا غير إزهاق الروح بالرجم.
قوله تعالى فى سورة النساء: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} وما معنى الإحصان هنا بدليل المقابلة، سيقابلها بـ الفتيات أي بالإماء..معناها من لم يقدر أن ينكح الحرائر المؤمنات {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ} هذه المقابَلة ! {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ}.
يقول الدكتور عدنان إبراهيم: بالله عليكم الآن.. كل واحد يسمع الآية هذه، حين يقول الله: الذي ليس لديه قدرة مادية ليتزوج امرأة حُرّة، ففي هذه الحالة يستطيع أن يتزوج - وليس يتسرّى- يتزوج أي يعقد عقدا على أَمَة مملوكة لسيّدٍ غيره، يخطبها من سيدها، ولكن هذه ليست حُرّة!.. لكن اشترط الله أن تكون مؤمنة {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ..}، {فَإِذَا أُحْصِنَّ...} بالله عليكم، ماذا تفهمون من الإحصان هنا؟ يقصد هنا بالإحصان هو الزواج.. أحَصنَها الذي نكحها، أليس كذلك؟! أما الشافعي فيقول إنه يقصد بالإحصان هو الإسلام.. لكن هذا غير صحيح، لأن الإيمان مذكور أصلا، أي أنه ذَكَر أنه ممنوع من أن تتزوجها إلا إذا كانت مؤمنة! ويأتي بعد ذلك في الإيمان قال تعالى{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أي فيما يظهر لك، قال تعالى في سورة الممتحنة {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ} كيف أعلم؟ تعلم بحسب القرائن والأدلة الظاهرة، هذا يورث علما ترجيحيا يسمونه «علم تقريبي» في علم الاستقراء.
تفسير الشافعى للآية يمزقها ويخرجها عن سياقها
يستكمل الدكتور عدنان إبراهيم، كلامه حول هذه الآية، فيقول: على كل حال.. فالله قال فإذا أحصنّ بالزواج. أي تزوجتَ الأمة المؤمنة فأحصنتَها بالزواج، ثم «فإذا أُحصنّ» رُتِّبَ على «فانكحوهنّ» أنت نكحتها فحصل لها التحصين.. أُحصنَت، كلام منطقي، ولاتقول لي: قال الشافعي في الأُم: قال مَن احفظُ عنه من أهل العِلم إحصانها إسلامها، وأتوا لك بأحاديث عن رسول الله وعن علي وعن فلان... أنا أقول لك هذا كله كلام فارغ.. هــذا يُمزّق الآية والله العظيم، يُخرِجُها عن سياقها ولا يجعل لها معنى! لكي يضربوا أقوى دليل على أنه لا يوجد رجم في الإسلام، وسترون لماذا..من أقوى الأدلة هذا، فمعنى الإحصان هنا هو الزواج بدليل أنك لو كنت ستأخذ امرأة والله قال لك أن تأخذها مؤمنة، ثم تزوجتها وبعد ذلك.. ممكن تُسلِم وممكن أن لا تُسلِم ! لعبَّر الله بقوله: (فإن أُحصَنّ..) «فإن» هنا تدل على التشكيك في الحدوث، لكن الله قال {فإذا أُحصِنّ} يعني الإحصان حاصل حاصل مائة في المائة.. وهذا لا يكون الاعتقاد في الدين.. ليس شرطا، بعضهن تسلمن وبعضهن لا تسلمن ويبقين كافرات، لكن إذا دخل بها زوجها وتزوجها قطعا حصل لها الإحصان، هذا معنى الإحصان هنا.. حتى وإن قالوا إمامي وشيخي الشافعي، لا، الحق أحقُّ أن يُتّبَع، هذا كتاب الله! «فإذا أُحصِنّ» (أي بعد أن تزوجت هذه الأمة..وهنا قال إن الزواج حاصل حاصل، لا تقول إن طلعت الشمس آتيك... بل قُل إذا طلعت، لأن الشمس طالعة طالعة، فلا تقُل إن..هذا غلط فانتبه) «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ» لم يقل فإذا لأنه ليس شرطا أن تأتي بفاحشة، فلو قال فإذا سيصبح كلاما غير واقعي على الإطلاق وغير صحيح، أي معناها أن كل أَمَة إن تزوجها حُر لابـد أن تزني، لكن الله لم يقل فإذا بل قال «فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ» والآن واضح أن هذه فاحشة، ليست فاحشة مُبيّنة، لو كانت فاحشة مبينة مثل آية العضل ومثل آية يا نساء النبي {من يأتِ منكنّ بفاحشةٍ مبينة يُضاعف لها العذاب ضعفَين}.
مامعنى الفاحشة المبينة؟ أي تطيل لسانها على الرسول، تبذأ عليه، وتفحَش عليه، تعصيه.. حاشا لله أنه يتكلم في حق الأزواج المطهّرات أمهات المؤمنين ويقصد بالفاحشة هنا الزنا.. حاشاهنّ وكلاّ.. الفاحشة المبينة معناها البذاء، في سورة الطلاق {لا تُخرِجوهنّ من بِيوتِهُنّ ولا يَخرُجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} هنا تعني نفس الشيء أي البذاءة والعصيان وليس الزنا! وقيل: خروجهن من البيت هو الفاحشة المبينة، أي تخرج من غير إذن هو الفاحشة المبينة كأن يقول قائل: لا تَسُبّ نبيك إلا وأنت كافر، أو إلا أن تكون كافرا، وهذا معنى {ولا يَخرُجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} وهو الخروج، قال الألوسي وهو بديع جدا! القرآن يحتاج إلى فَهَم وعِلم لغة.
نعود إلى الآية {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} حسنا، هذه مُحصَنة الآن وأتت بفاحشة لكــن هي أَمَة أو حُرَّة ؟ أَمَة، ونحن نعرف في الشرع الإسلامي في موضوع العبيد والإماء كل شيء على النصف، العقوبات على النصف، يملك طلقتين فقط.. كله النصف، سيدنا عمر قال: «لودَدَتُّ أني نصّفتُ الصلاة فجعلتها ركعة ونصفا» لأنه هذا عضبَد.. كل شيء على النصف فالله قال هذه أمة أُحصِنَت بالزواج لكن أتت بالفاحشة بالزنا {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِۚ} ماذا سيكون معنى «المحصنات» هنا؟ هو المعنى المذكور في أول الآية {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} الحرائر، قال {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِۚ} المحصنات الحرائر المزوّجات، وقال «عذاب» ولم يقُل موتا أو رجما، في آية جلد الزناة ذكر تعالى: «وَلْيشهَد عذَابَهُما طـــآئفةُ من المُؤمنين».
والخلاصة في معنى قول الله تعالى: «فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ» أن الأمَة المتزوجة عليها نصف ما على البكر الحرّة من العذاب أي خمسين جلدة، وهذا بخلاف الحكم على المرأة الحرة، فإذا كانت الحرّة بكرًا وزنت كان عليها مائة جلدة استنادًا للقرآن والسنة، وإن كانت حرة متزوجة وقعت في الزنا فحدّها الرجم لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولإجماع علماء الأمة عليه.
الدليل الثانى: وهى آية الملاعنة الموجودة فى سورة النور حيث بين لنا الله تعالى أن الزوج إذا رأى زوجته متلبسة بالزنا فيمكنه بمفرده دون شهود إثبات بأن يحلف أربع مرات أنه رآها تزني وفي هذه الحالة يُقام عليها حد الزنا، أو ترد عليه أيمانه عليه بأن تحلف أربع مرات أنه من الكاذبين وهنا لا يُقام عليها الحد لقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)»
ووجه الدليل أن الآية بينت عقوبة الزوجة التى هى محصنة بالطبع أنها «العذاب»، وقلنا إن العذاب هو الجلد فأين الرجم إذن.
الدليل الثالث: إن النبي رجم أخذًا بشريعة اليهود قبل نزول آية النور التى تنص على الجلد، فلما نزلت آيات النور نسخت هذه الشريعة اليهودية، بدليل ما رواه البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى، أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامديَّة، فلما سُئل أرجم قبل آية الجلد أم بعدها، قال لا أدرى.
وهذا يقوى أن الرجم كان قبل نزول آية سورة النور ثم نسخت بنزول الآية.
كما استدل هؤلاء بأدلة من المعقول فقالوا: لو كانت عقوبة الرجم شريعة لذكرها القرآن، إذ كيف يهتم بالنص على عقوبة لا تزهق الحياة وهى الجلد، ثم يترك عقوبة أكبر وأخطر وهى عقوبة الرجم.