الأب ريمون الفرنسيسكاني يصدر كتابًا جديدًا عن «الزواج والعائلة»
أصدر الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسيسكاني، المتخصص في القانون الكنسيّ، كتاب جديد بعنوان "الزواج والعائلة"، وهو عبارة عن دراسة تحليليّة لاهوتيّة وقانونيّة على ضوء الإرشاد الرسولي لما بعد السينودس "فرح الحب"، وتقع في 1700 صفحة.
وهنأ البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي الأب جرجس على كتابه الجديد الذي يُضاف إلى العديد من الكتب القانونيّة والرعوية التي أصدرها سابقًا.
ولفت البطريرك الماروني إلى أنّ عنوان الكتاب الجديد يوضّح أبعاده ومضامينه، وقد شاءه الأب ريمون "بمناسبة السنة المكرّسة للإرشاد الرسوليّ ’فرح الحبّ‘، فاكتسى الإرشاد ثوبه الناصع البياض، وحرّرته من الشوائب التي لطّخه بها منتقدوه، فوجد فيها الصحافيّون السلبيّون مادّة دسمة لكتاباتهم. أنت بدراستك أضعفت هذه المادّة وفكفكتها".
وأضاف: "أتمنّى أن يلقى كتابك رواجًا واسعًا هو يستحقّه تمام الإستحقاق، فيكون ليس فقط في المكتبات، بل بين أيدي الأساقفة والكهنة، لأنّه حاجة لهم راعويّة وتدبيريّة وإرشاديّة وتعليميّة؛ ويكون بين أيدي القضاة الذين يتحمّلون مسؤوليّة إجراء الأحكام باسم الله العظيم بشأن صحّة الزيجات أو بطلانها؛ وبين أيدي معلّمي القانون لأنّ في كتابك لا يوجد التعليم القانونيّ وحسب، بل توجد فيه أيضًا مصادره الكتابيّة واللاهوتيّة؛ وبين أيدي المحامين المطلوب منهم أن يدافعوا عن الحقيقة، فحقل قانون الزواج "أرض مقدّسة"، لا يحقّ لهم أن يبتكروا "حقائق" غير صحيحة وغير مستندة على الواقع، ويدافعوا عنها. إنّ من يقرأ فصول كتابك، "موسوعتك"، يشعر برهبة مقدّسة أمام مضامينه اللاهوتيّة والروحيّة والقانونيّة".
ويقول الأب ريمون جرجس في كتابه: تعي الكنيسة أنَّ، في هذا العالم، هناك فقدان للقيم المسيحيَّة، وهناك مشاكل بشأن كرامة الزَّواج وصعوبات تؤثر على مؤسّسة العائلة، وتفهم بأنَّها "تشوّهات" لطبيعة العائلة الحقيقيَّة. ويمكننا القول إنَّ هناك نماذج معاديَّة للزَّواج في مجتمعنا. من جهة، هناك ثقافة لمنع الحمل تحاول فرض نفسها ضد رؤية للجنس مرتبطة بالمسؤوليَّة والخصوبة؛ ووجود مفهوم الحريَّة الَّذي يتعارض جذريًّا مع إمكانيَّة الالتزامات مدى الحياة يجعل تكوين الرضى الزَّوجيّ الحقيقيّ أكثر صعوبة، في مواجهة هذه الثقافات. غالبًا ما تجد العائلة نفسها بدون أسلحة للدفاع عن حقيقتها، وبالتّالي من الضروريّ أن تبذل الكنيسة بأكملها -الرعاة والمؤمنون- جهدًا لإعادة اكتشاف حقيقة الزَّواج والعائلة.
وتابع: منذ أن نشر البابا ليون الثَّالث عشر رسالته العامّة عن الزَّواج المسيحيّ في عام 1880، ظلّت القضايا المتعلقة بالجنس والعلاقات الحميميَّة والزَّواج والحياة الأسريّة تشغل بال الكنيسة الكاثوليكيَّة في كل انعكاساتها الداخليَّة وتواصلها مع العالم والثقافة المحيطين بها. كانت خصوصيَّة هذه الفترة من تاريخ الكنيسة هي أنَّ الخطاب الكنسيّ الداخليّ ينأى بنفسه، بشكل متزايد،عن الأنماط الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة التي بدأت تهيمن على خيارات الحياة العلائقيَّة، في المجتمعات الحديثة.
وأضاف: إن الزَّواج –كما يقول البابا بولس السادس-"ليس نتيجة تطور لقوى طبيعيَّة وتطور اجتماعيّ وثقافيّ خاضع للتغيرات" ولا إلى القوانين البيولوجيَّة وحدها، "أو وليد مصادفة أو نتيجة تنامي قوى طبيعيَّة عمياء"، "إنما هو مؤسس بشكل حكيم وبالعناية الإلهيَّة من الله الخالق ليُحقق مخطّطه المحبّة في البشريَّة، بواسطة العطاء الشخصيّ المتبادل، يهدف الزَّوجين إلى شراكة شخصيّتهما، يكتملان بشكل متبادل لكي يتعاونا مع الله في الإنجاب وتنشئة كائنات جديدة"، وهي، أيضًا، حقيقة من حقائق الخلق يندرج ضمن نظام الخلاص، فلا يعتمد على اللقاء الحُرّ بين الرجل والمرأة فقط، وإنما على الإرادة الإلهيَّة التي لم تترك للإرادة البشريَّة حريَّة حلّه أو استمراره بحسب هواهما، وإنما تركت لهما حريَّة تشكيل وتحقيق الوثاق الزَّوجيّ. فليس في إمكان أي سلطان بشري أن يعوّضه؛ وبقوة الشَّرع الإلهيّ، هذا اللقاء يجب أن يكون غير قابل للانحلال.
وأوضح: الزَّواج -كما يقول التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيَّة- "ليس مؤسسة بشريَّة بحتة؛ على الرغم من أنّ كرامة هذه المؤسّسة لا تتألق في كل مكان بنفس الوضوح، إلا أنه يوجد، في جميع الثقافات، شعور معيّن بعظمة اتحاد الزَّواج". يُؤكّد أنّه، في جميع الثقافات، الاتّحاد الزَّوجيّ "يشكّل الشكل الأوّل من شركة الأشخاص". إنّه اتحاد لا يعتمد بطبيعته ومدته على إرادة الإنسان، ولا على تشريعات بشريَّة مشروطة، ولا نتاج مسار تاريخيّ، ولا ينشأ عن تطورات اجتماعيَّة أو ثقافيَّة. مؤسّسه "الله نفسه". لقد تمّ تأسيسه وتحديده وتشكيله في بنيته الثَّابتة، الصالحة لجميع الأزمنة والأماكن، الخالق، الَّذي -كما يلاحظ بولس السادس- صوّرها وأسّسها "بحكمة وعناية لتنفيذ خطته في إنسانيَّة الحبّ". هذا الرَّباط المقدس، الَّذي فكّر فيه الله، لا يعتمد على قرار الإنسان بل على مؤلف الزَّواج (الله نفسه)، الَّذي أراد أن يُمنح له خيرًا وأهدافًا خاصّة به. الله نفسه هو مؤسّسة الزَّواج. يجب البحث عن أصل الإنسان في الله، وكذلك أصل مؤسسة الزَّواج الخاصّة جدًّا. ".
وتابع: تمرّ هيكليَّة العائلة اليوم بمتغيرات كبيرة جدًّا في مفهومها وتشكيلها. فسهولة الحصول على الطلاق، وزيادة عدد الزَّواجات الحرة والأمر الواقع وتحديد النسل والرضى على المثليين، قد غيّرت، بشكل كبير، مفهوم حقيقة مؤسّسة العائلة. وحيث تظهر عدة أشكال الحياة الأسريّة بشكل متنوع في مختلف البلدان الأوروبيَّة.ومع ذلك، يظهر الانتقال من نموذج الزَّوجين مع الطفل إلى نموذج الوالد مع الطفل.
واستطرد: ونجد العلاقة الأبويَّة، التي هي العلاقة بين الوالدين والطفل، أكثر حضورًا وبشكل مستقل عن العلاقة الزَّوجيَّة، الزوج والزوجة، التي في كثير من الأحيان، غير مستقرة تمامًا ولا تدوم كثيرًا. وبالتّالي، أصبحت العائلة مؤسّسة في المقام الأوَّل في خدمة البنين، الَّذين يمكنهم، مع ذلك، أن يولدوا خارج علاقة الزَّوجين، ومن خلال استخدام الطرق المتعددة للتخصيب الاصطناعيّ، علاوة على ذلك، تريد المرأة أن تكون أمًّا حتى خارج حدود فترة الخصوبة وأصبح الابن، الَّذي هو ثمرة حبّ الزَّوجين، حقًّا لا يمكن أن تطالب به المرأة العازبة فحسب، بل أيضاً زوجان مثليّان. ويعتقد أنَّ الحقّ بالبنين يجب أن يتحقق بأي وسيلة، بدون المسار الطبيّعيّ بالحمل ضمن الزَّوجين وبزوجة واحدة، وبالتّالي، أيضًا من دون صورة الأب الطبيّعيّ.
وتابع: شجّع البابا فرنسيس على عدم "وضع خلاص النفوس في مآزق النزعة القانونيَّة"، بينما يجب أن تكون وظيفة القانون موجهة إلى خلاص النفوس، لإثبات الحقيقة في لحظة الرضى، حتى لو كان عدد كبير من المؤمنين في حالة غير قانونيَّة، وكان للعقليَّة الدنيويَّة الواسعة الانتشار في تاريخهم تأثير قوي". لا يمكننا الاستسلام لوجهة نظر تشاؤميَّة للغاية حول تأثير الأفكار الخاطئة في إرادة المتعاقدين. لذلك،فإنّ مهمة القضاة الكنسّيين هي التأكد من الإرادة الحقيقيَّة (الزَّوجيَّة أو غير ذلك) للأطراف المتعاقدة في وقت الزَّواج. على حدّ تعبير يوحنَّا بولس الثَّاني، فإنّ الصلة بين العلمنة وأزمة الزَّواج والعائلة واضحة تمامًا. لقد حلت الأزمة على معنى الله وعلى الإحساس بالخير والشر في الأخلاق تحجب معرفة ركائز الزَّواج نفسه والعائلة التي يقوم عليها. تستلزم هذه الحقيقة الافتقار إلى الإحساس المسيحيّ بالحياة والعلاقات الإنسانيَّة، ممّا يؤدي غالبًا إلى رؤية مشوهة للزَّواج والعائلة كما هي مستمدة من البداية في المخطّط الإلهيّ، يتساءل البابا فرنسيس إلى أيّ مدى يتمتّع أولئك المنغمسون في هذا السياق الثقافيّ العالميّ تقريبًا بمعرفة كافية عن الزَّواج. وهكذا، فإنّ القضاة الكنسيّين، في موازنة صحة الرضى، عليهم -من بين أمور أخرى– أن يأخذوا في الحسبان سياق القيم والإيمان –أو غيابهما أو نقصانهما- الَّذي تشكلت فيه نيَّة الزَّواج".
واختتم: يريد البابا فرنسيس، تحديدًا، أن يؤكد الخطر المتمثل في أنه في حالة عدم وجود تمسك صارم بحقائق الإيمان، سيكون هناك انحراف عن الفهم الصحيح لماهيَّة الزَّواج. لكنّ فحص صحة الزَّواج أو عدمه يجب ألا يركز على درجة إيمان الطرفين، ولكن على الموضوع الحقيقيّ لرضاهما. هذا الشيء، في الواقع، وبالتحديد بسبب نقص الإيمان، يمكن أن يكون في بعض الحالات معيبًا بشكل جذريّ، مما يسبّب البطلان، في هذه الحالات، ليس إيمانه، بل إنسانيّته مدمرة إلى درجة أنّه لم يعد قادرًا على الزَّواج.