إريش فروم.. 122 عاما على ميلاد رائد ثورة التحليل النفسي الإنساني
تمراليوم ذكرى ميلاد عالم النفس الألماني إريش فروم، الذي ولد في 23 من مارس 1900، ليقدم رؤية مغايرة ومختلفة للتحليل النفسي عن ما قدمه فرويد، حتى رحل في 18 مارس 1980.
وكشف الكاتب الروائي والمترجم يوسف النبيل، ما قدمه "إريش فروم":"انجذبت إلى إريش فروم منذ أعوام طويلة مضت؛ الأمر الذي دفعني إلى ترجمة كتابين له: "عن العصبان ومقالات أخرى" – "الوضع البشري المعاصر"، والأخير بمشاركة والدي: نبيل باسيليوس.
وأضاف في تصريحات لـ"الدستور":"عندما أتساءل عن سبب انجذابي أجد أسبابًا عديدة. شكَّل فروم ما يسمى بثورة التحليل النفسي الإنساني. بمرور الوقت سارت مدرسة التحليل النفسي الفرويدية في طريق مسدود، حيث تحولت إلى ما يشبه طائفة دينية ذات معتقدات دوجمائية لا يمكن الخروج عنها".
وتابع:"وبدأ فروم في تشكيل قناعاته فرويديًا خالصًا، ثم تطور الأمر بعد ذلك. أكثر ما ميزه هو اطلاعه على النظرية الماركسية وعلم الاجتماع والأديان والأساطير. لقد أدرك جيدًا أن التحليل النفسي في حاجة إلى جهود فلاسفة آخرين نشروا أعمالا فلسفية عن المجتمع.
ولفت إلى أن “فروم أدرك أن المشكلة الكبرى في بنية هذا المجتمع ذاته، وأن الأب والأم اللذين يشكلان شخصية الطفل في الأعوام المبكرة طبقًا لفرويد، ما هما إلا نتاج لبنية مجتمعية معينة يجب دراستها ومحاولة تغييرها. منذ هذه اللحظة حاول فروم المزج بين الفرويدية والماركسية، وقد أدرك مدى عمق كل منهما، وقصورهما في الوقت نفسه على تجاوز بعض المشكلات”.
وواصل “يشكل فروم أقصى امتداد ممكن للنزعة الإنسانية بالغرب. استندت محاولة فروم المعيارية في وضع الطبيعة الإنسانية كمطلق يمكن الاستناد إليه في المعرفة والأخلاق. لقد اعتقد في إمكانية تمييز ملامح معينة في الطبيعة الإنسانية موجودة في الإنسان في أي زمان ومكان، وأي تغييرات فيها هي بمثابة انحرافات يحاول الإنسان تجاوزها كلما أمكن. أكد فروم على أن بنية المجتمع هي ما يجب أن يُطلق عليها صحيحة أو مريضة، من حيث أن طبيعة كل مجتمع تشجع نموذجًا اجتماعيًا معينًا من الأفراد الذين يُلبّون حاجاته، وقد تكون هذه البنية موافقة للطبيعة الإنسانية، أو معارضة لها مما يجلب مشكلات للفرد الذي يحاول التمرد عليها وتغييرها، أو الخضوع لها مع انحراف حاد في طبيعته”.
وأضاف “أغلب كتابات فروم سهلة القراءة؛ الأمر الذي ساعد على ازدياد رقعة مقروئيته في الغرب، لكنها بساطة لا تعني السطحية، بل هي في بعض المواضع شديدة العمق وجذرية للغاية”.
مقتطف من كتاب: "الوضع البشري المعاصر":
"ثمة طريقة أخرى للولوج إلى سر الإنسان.. ليس عبر الفكر؛ بل بالحب، فالحب يمثل ولوجًا إيجابيًا إلى جوهر الآخر لا تهدأ فيه رغبة المعرفة إلا بالاتحاد. وبفعل الاتحاد أعرفك وأعرف ذاتي وأعرف الجميع، ولا أعرف شيئًا. أعرف بالطريقة الوحيدة التي تكون فيها المعرفة النشطة ممكنة للإنسان بخبرة الاتحاد وليس عن طريق المعرفة التي يمنحها لنا الفكر. يكمن السبيل الوحيد للمعرفة الكاملة في فعل الحب الذي يتخطى الفكر والكلمات... إنه اختراق جسور إلى جوهر الآخر .. اختراق جوهري.
ربما تكون المعرفة النفسية شرطًا للمعرفة الكاملة بفعل الحب. عليَّ أن أعرف الآخر وأعرف نفسي بطريقة موضوعية كي أكون قادرًا على رؤية أو فهم حقيقته أو بالأحرى كي أتغلب على الأوهام والصورة المشوهة غير المعقولة التي أعرفها عنه. إن عرفت كائن إنساني كما هو أو بالأحرى إن عرفت ما هو ليس عليه، فربما إذن أكون قد عرفت جوهره الأساسي عبر فعل الحب.
الحب إنجاز ليس من السهل الوصول إليه. كيف يحاول الرجل الذي لا يمكنه أن يحب أن يخترق سر جاره؟ ثمة طريقة أخرى... طريقة بائسة للوصول إلى معرفه كنه السر. إنها السلطة الكاملة على شخص آخر، السلطة التي تجبره على فعل ما أريده وأن يشعر ويفكر فيما أريده. يتحول إلى شيء خاص بي؛ شيء أملكه. أقصى درجات هذه المحاولات من أجل المعرفة تكمن في السادية المتطرفة التي تستمتع بجعل الآخر يعاني، وفي تعذيبه وإجباره على خيانة سره في معاناته، أو بتدميره في النهاية. ثمة دافع أساسي للقسوة والتدمير الشديدين في الرغبة الشديدة للولوج إلى سر الإنسان".