ميسرة صلاح الدين: الشعر هو الملاذ الوهمي من إخفاقات الحياة الحقيقية
حول اليوم العالمي للشعر، قال الشاعر والمترجم ميسرة صلاح الدين، في تصريحات خاصة لــ "الدستور": لا أتذكر أنني فعلت شيئاً ذا قيمة في طفولتي ومراحل شبابي الأولى، ربما كنت أبحث عن نفسي، ربما كنت أشعر بالوحدة، ربما كنت أعاني من القسوة التي تصاحب الأطفال الذين لا ينخرطون في أنشطة الجماعة، لا أذكر كل ذلك ولا يوجد سبب حقيقي لأن أذكره.
كل ما هنالك أنني كنت أكتب الشعر، وأذكر أن لي محاولات أخرى في الرسم والتمثيل، ولكنها لم تكن بنفس الجدية.
أسأل نفسي دائماً لماذا اخترت الشعر ولماذا أستمر في كتابته؟ تتغير الإجابة من عام لآخر، ومن ديوان لآخر ومن قصيدة لأخرى، ربما أبدو حاسماً في بعض الأحيان، وأعرف ما الذي أريده وما الذي أفعله، ولماذا أنا مستمر عليه.
واستطرد "صلاح الدين": ولكن الأمر ليس كذلك، الحقيقة مختلفة كل الاختلاف، الشعر هو الملجأ الوحيد، الملاذ الهشّ والحصن الآمن من قسوة الحياة ومن الغربة التي تعتصر الأرواح، الشعر هو آخر شمعة تنير الليالي المظلمة في ظل تضاؤل قيمة الفرد، وتقزّم هويته أمام تيارات العنف والتشدد، وأمام موجات المد الرأسمالي، وأمام ضياع الهوية واختراق الخصوصية والاستبداد الصريح والمقنع في كل ما مناحي الحياة، الاستبداد الذي يجعلك تقف عاجزاً، ويقلم أشجار خيالك تقليماً جائراً لتجد روحك بلا مأوى وحياتك بلا هدف تدور حوله.
الشعر هو الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تقف به في وسط الصحراء الزرقاء، المليئة بالبشر الذين يبتسمون في زيف، ويحملون أسماء مستعارة، وحكايات لم تحدث، ويختبئون خلف أيقونات تحمل مشاعر مصطنعة، فتشعر وقتها ببعض الأمان.
الشعر هو أن تصرخ بصوت عالٍ، معلناً أنك نجحت في الاختيار، نجحت في أن "تختار" بدون فرض أو وصاية، بدون قيود، وبدون أن تطمع في عائد ولا مكسب مادي، وربما لا يكون هناك مكسب معنوي كذلك.
الشعر هو القشة الأخيرة؛ قبل أن ينكسر ظهر كل أشكال الفنون والإبداع، وتتحول لصناعات ثقافية وسلع تباع وتشترى، سلع تحني هامتها لآليات السوق، ولا تعبر إلا عن مزاج أصحاب المال ولا تشبه حتى صانعيها.
الشعر هو الكلمة التي سبقت البندقية، والفكرة التي سبقت أبحاث الفضاء، والأُمنية التي سبقت الذكاء الاصطناعي.
الشعر هو من جاء "من قبل"، ومن سيستمر لـ"ما بعد"، حيث "لا نهاية" وعند "لا حدود".
الشعر هو لغة السماء والبحر والجمادات، وهمس الريح، ومواء القطط، وعوادم السيارات، وصرخات الجرحى، وأقساط التامين، وجرعات اللقاح، وسلاسل الإمداد بالأمل والحياة.
واختتم ميسرة صلاح الدين مشددا علي: الشعر هو الرهان الوحيد لي، ولمن هم على شاكلتي، فكل عام والشعر بخير، وكلماتنا بخير تحت جناحيه المحترقين.