صانع السعادة.. الفنان والإعلامى الذي أحبه الجميع
نتابع باهتمام تفاصيل الحالة الصحية للفنان والإعلامي الكبير سمير صبري منذ وعكته الأخيرة والتي ندعو الله له أن يتعافى منها عاجلًا غير آجل، وسمير صبري ليس مجرد فنان خفيف الظل له نحو 138 فيلمًا من الأعمال التي تباينت في مستواها الفني بين ما يستحق المشاهدة لقيمته الفنية والاجتماعية الراقية، وما نتابعه من باب الترفيه. مسيرة سينمائية حافلة بدأت عام 59 بفيلم "حكاية حب" مع العندليب، واستمرت حتى عام 2019 بفيلم محمد حسني مع محمد سعد، ويمتد رصيد سمير صبري تليفزيونيًا ليبلغ 37 مسلسلًا، وفي الإذاعة قدم 11 مسلسلا إذاعيًا، علاوة على ثلاث مسرحيات، ومشاركتين في الفوازير التليفزيونية، فضلًا عن ستة مواسم لفوازير إذاعية رمضانية.
و رغم ضخامة المنتَج الفني للفنان سمير صبري إلا أن مُنتجه الإعلامي لا يقل جودة، وإن كان التقييم يتجاوز مرحلة الإحصاء العددي إلى القيمة المهنية، فقد قدم صبري عددًا من البرامج ليست بالكثيرة، غير أنها من نوعية البرامج طويلة العمر التي تمتد لمواسم عديدة، فضلًا عن كونها تمثل طفرة في صناعة المحتوى البرامجي لاسيما ذلك الذي أخذ القالب المنوعاتي الترفيهي مثل: النادي الدولي، هذا المساء، من غير كلام، بدون كلام، كان زمان، ليلة في شارع الفن، ويبقى المٌنجز الأخير لسمير صبري هو ذلك البرنامج الإذاعي "ذكرياتي" والذي يقدمه منذ نحو ست سنوات عبر إذاعة الأغاني دون أن يتقاضى جنيهًا واحدًا من قطاع الإذاعة. وهو البرنامج الذي يخرجه له المتميز محمد تركي، والذي اعتبره صبري ابناً له ونقل له الكثير من خبراته وعرّفه على عشرات النجوم في الوسط الفني. وبادله المحبة في سلوك محترم ووفاء نادر، وإن لم يكن مستغربا عن العاملين في الإذاعة المصرية التي امتاز نجومها بمعرفة أقدار الناس، والوفاء لهم .
حدّثني الإذاعي الكبير شريف عبدالوهاب عن تجربته في العمل مع سمير صبري كمُعد لبرنامجه التليفزيوني الأشهر "هذا المساء" مشاركًا لكوكبة من الصحفيين من بينهم الراحل محمد مصطفى.
وذكر لي عبدالوهاب إلى أي مدى بلغت موهبة سمير صبري حين كان يلتقط من فريق الإعداد خطوطاً عامة عن الموضوع المطروح وطبيعة الضيوف وشخصياتهم ثم ينطلق هو بكفاءة عالية وموهبة كبيرة وحضور طاغٍ في التنقل من ضيف إلى ضيف جديد بحرفية شديدة وذاكرة قوية مضيفا من عنده محاور جديدة للحديث يصنعها على الهواء وتكون وليدة اللحظة، ولكنها تعبِر عن تراكم الخبرات ودوام الاطلاع و موسوعية الثقافة لدى صبري المذيع الفنان.
وذكر لي عدد غير قليل ممن أعرفهم من الصحفيين وأصدقاء الوسط الفني كم كان صبري هو الأقرب للمريض منهم، والأكرم مع من طحنته ظروف الحياة القاسية، والمُواسي لمن فقد العائل أو الحبيب، والرفيق لمن انزوت عنهم أضواء النجومية، و هذا ما أقّر به النجم الراحل نور الشريف قبيل رحيله حين ذكر موقف مساندة صبري له إبان أزمة فيلمه "ناجي العلي".
وقد نالني –شخصيًا- بعضا من ملامح أبوة صبري وحسه الإنساني، فحين تمت ترقيتي في عملي الإعلامي إلى منصب أعلى شرفني بحضور حفل تكريم نظمته على شرف المناسبة المثقفة الكبيرة دكتورة لوتس عبدالكريم في حضور كوكبة من نجوم المجتمع، لنقضي معه سهرة إنسانية ومهنية راقية ولرقيه حرص صبري أن يوجهني في مهمتي الجديدة ويفيدني بعدد من النصائح – بصورة غير مباشرة – عبر سرد حكايات عن مسيرته ومواقف مر بها في حياته المهنية وذكريات مع عدد غير قليل من المصادر الذين تعامل معهم.
وكان كريما مع الحضور ومنهم صحفيون كبار حاولوا انتهاز الفرصة للاستفسار عن مواقف محددة مرت به في حياته المهنية مثل منعه من العمل في التليفزيون لعدة سنوات وسبب المنع وتبعاته، لكنه كان راقيا في ردوده إذ لم يوجه اتهامًا لأحد وصحّح الصورة تجاه عدد من الرموز المهنية والوطنية التي تٌكال لها الاتهامات بأنها كانت وراء منعه من دخول التليفزيون.
وتبقى مظاهرة الحب التي بدأت منذ أُعلن عن مرض سمير صبري نموذجاً يقول لكل إنسان: قدِم السبت فبعده يأتي الأحد، بل الآحاد. والدليل هو سمير صبري وتلك المحبة التي فاجأته منذ أزمته المرضية، وإن كنت أرى أنه لا مجال لأن يتفاجأ فهذه المحبة هي بعضٌ مما قدم، ليس أكثر، ويكلل هذا كله قرار السيد رئيس الجمهورية بعلاج صبري على نفقة الدولة، إقرارًا من الدولة المصرية بقيمة الرجل الفنية والإعلامية، ورسالة مفادها أن من يعطون الحب لا يحصدون غير الحب.