اختر معركتك بحكمة
كيف نختار معاركنا ياترى؟! إن عبارة "اختر معركتك بحكمة" تعني أن الحياة مليئة بالفرص، وأن نختار أن نضخم شيئا ما أو أن ندعه في حال سبيله مدركين أنه" لا يهم مهارة يجب أن نتعلمها؛ وهذا لأننا إذا انتقينا معاركنا بحكمة فسنوفر على أنفسنا الكثير من العناء والجهد.. وبالتأكيد فستكون هناك بعض الأوقات التي نرغب فيها لأن نجادل أو نواجه أو نقاتل من أجل شيء نؤمن به، ومع ذلك فإن هناك الكثيرين ممن يجادلون، يواجهون ويقاتلون على كل شيء دون تمييز وهم يحوّلون حياتهم إلى سلسلة من المعارك على أمور تعد نسبيا من صغائر الأمور، مما يملأ حياتهم بكثير من الإحباط واليأس والضغط العصبي والتوتر!!
والحقيقة أن الحياة نادرا ما تكون على الحال التي نريدها، كما أن الآخرين لا يتصرفون بالطريقة التي نرغبها، وسوف يكون هناك دائما من يختلف معك أو من ينجز الأمور بشكل مختلف عنك وكذلك أمور لا تنجح، واسأل نفسك هل من المهم حقا أن تثبت لزوجتك أنك على حق وهي على خطأ؟! أو أن تصطدم بسيارتك بشخص ما لأنه ارتكب خطأ طفيفا؟! واعلم أنك إذا ما ناضلت ضد مبادئ الحياة تلك فستقضي معظم حياتك وأنت تخوض المعارك، لذلك حاول أن تنتقي من الأمور المهم فقط ولا تصارع وتضخّم كل شيء تافه."
ماذا لو فُرضت عليك بعض المعارك الجانبية ــ التي قد تبدو في نظرك ونظر البعض تافهة ــ ولكنك مجبرٌ على خوضها بكل ماأوتيت من تبرير من وجهة نظرك؛ كاستطلاع رأيك في توجهات حزب سياسي (ما ) لاتميل طبيعتك إلى قناعاته؛ أو رأيك في مسألة عقائدية ثار حولها الكثير من الجدل بين مؤيدٍ أو متشكك ــ كالجدل الدائر في أيامنا هذه ــ ولكنك لا تملًك المجاهرة والمصارحة برأيك هل أنت مع أم ضد ؟! فتدخل مع نفسك وروحك في دوامات الحيرة والتردد بين اجتياز تلك المعركة من عدمُه؛ وبالتأكد ستكون ردودك مشوَّشة ومعلَّقة بين بين !!
وقد تتعرض الدول لاجتياز بعض المعارك الجانبية التي لاتريد خوضها؛ كالمعارك على بضع عشرات الأمتارعلى الحدود؛ وليس لها أية منافع تاريخية أو اقتصادية أو حربية؛ ولكن تلك الدول مضطرة إليها كنوعٍ من الدفاع عن "الشهامة" و"الكرامة" وموقعها وموقفها السياسي على الخريطة أمام بقية دول العالم؛ بل تقوم تلك الدول ــ أحيانًا ــ بالتصعيد داخل مجتمعاتها حتي تصبح قضية رأي عام، وتحويلها إلى قضية حياة أو موت؛ وقد كان من الممكن أن يتم التوصل إلى الحل الأمثل والناجع لتلك القضية .. بزيارة وديَّة لأحد الدبلوماسيين؛ ويتم تطبيق المثل الشعبي : " يادار .. مادخَلِكْ شر" وهنا تظهر جليًا قيمة المقولة العاقلة : "اختر معركتك بحكمة" !
ويتلاحظ للمتابع لتلك القضايا التي تثار بين الحين والحين؛ أن يتم التساؤل المنطقي : من الذي يُفجِّر تلك القضايا الهامشية سواء بين الأفراد أو الدول ؟
ولنا أن نأخذ هذا المثال الذي نعيشه ونعاصره اليوم على أرض الواقع؛ وهو عن معركة الحياة والموت التي تم فرضها على جنبات العالم - للأسف - بقوة العلم والتكنولوحيا الخبيثة.. لا الحميدة ؛ وهي معركة محاولة القضاء على انتشار مرض "كورونا" الشهير ب "كوفيد 19"؛ هذا المرض الذي حصد أرواح وأجساد الملايين من عباد الله الصالحين وغير الصالحين، ولكنها إرادة عصابات "المافيا" التي تتحكم في حجم ومقدار ومقادير البلاد والعباد.. ولك أن تتساءل ليقول لك السادة العالمين بخبايا وخفايا وبواطن الأمور : سل مراكز مخابرات الدول الكبرى عن سر انتشار هذا الوباء ولم ولماذا تم تفجير كبسولته القاتلة في هذا التوقيت؛ ولا متى سينتهي مفعولها لتتكشف أسرارها؟
ترى.. هل لسكان العالم -، شرقه وغربه/شماله وجنوبه - حيلة في محاولات اجتيازهم لحوئط النيران المستعرة لهذه المعركة؟ ؛ فإنه ساعتئذ.. سيكون اللجوء إلى "الحكمة" : إجبار.. لا اختيار! كأن تجد زميلا مزعجا او موظفا كسولا أو صديقا منافقا أو قريبا غير أمين فلا تجد مفرا من وجوب التصدي له لوضع حد لتصرفاته المسيئة التي تعكر صفو حياتك بكل ما تملكه من قوة؛ وقد تحاول إصلاح ذات البين ليعود كل إلى رشده ويصلح من نفسه ويضبط معاملته وسلوكياته لكن دون جدوى فطباع البشر تسكنهم هنا تحاول النجاة بنفسك حفاظا على سلامك النفسي وتضع حدا لمعركة خاسرة.
ومن ثم فلنهبط سويًا إلى أرض الواقع لحياتنا الآنية، والاضطرار إلى اختيار اللجوء إلى معركة كبيرة بكل "الحكمة " ؛ وهي معركة الجهاد مع النفس ، وهي الجهاد الأكبر ـ كما يحلو أن يصفها علماء الدين وحراس العقيدة . وهُنا .. تكون "الحكمة" واجبة واختيارًا رائعًا بعيدًا عن مهاترات السياسة وأطماع السياسيين مُفجري قنابل " الفتن " بين فصائل الشعوب داخل مجتمعاتهم ؛ يستوي في هذا الفتن العقائدية أو السياسية أو الاقتصادية؛ ومواصلة التحريض على التمرد وشق عصا الطاعة على الحُكم والحاكم والقوانين والأعراف السائدة في بعض المجتمعات؛ بغية الوقوف ضد تيار نهر الحياة وزعزعة الاستقرار وهدم الوئام بين الأفراد والمجتمعات؛ وفي تلك الأحوال يستوجب " اختيار الحكمة " والتنسيق مع الروح والنفس للدخول في معركة الجهاد الأكبر ؛ وهي معركة مساحتها طول عمر الإنسان منذ ان يدرك ـ او يدركه ــ الوعي حتى آخر أنفاسه على ظهر البسيطة، فالإنسان السوي يظل في صراعٍ مع النفس والأهواء التي تتأرجح به بين متطلبات الدنيا .. وتحذيرات الدين والعقيدة !
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر