«لا نعرف شيئا اسمه القطر المصري».. كيف بدأ سؤال الهوية؟
في مقدمة سلسلة الهوية التي طرحت منها الهيئة العامة لقصور الثقافة 40 عملا، وتدور أجوائها حول الهوية المصرية والتعريف بها كتب الشاعر جرجس شكري أمين عام النشر بالهيئة، كيف بدأ سؤال الهوية المصرية، وكيف حمل المفكرين على عاتقهم إبراز تلك الهوية، وكانت بالنسبة لهم حربًا معلنة للتصدي لمحاولات التشويه وغيرها.
في البداية يجب أن نذكر أن سلسلة الهوية لاقت نجاحا غير مسبوق وبيع منها العديد من الطبعات وتصدرت مبيعات الهيئة العامة لقصور الثقافة لمدة ثلاث سنوات متتالية، ما يؤكد حالة من النهم كانت لدى المصريين لمحاولة معرفة هويتهم والقراءة عنها، بل إن نجاح الأمر دعا لإطلاق شعار جرجس شكري الذي صدح به عبر الكتب ليكون شعارًا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ53، والتي انتهت فعالياتها أمس الأول، وما طرحته قصور الثقافة من كتب في هذا الصدد كان يكلل تواجد الشعار بالنجاح وكان سببا لان تكون السلسلة في مقدمة المبيعات.
وعن الهوية وكيف بدأ سؤالها، يقول جرجس شكري أمين عام النشر في المقدمة التي كتبها للسلسلة: "كانت مصر رغم مظاهر التقدم التي جاءت كنتائج لمشروع النهضة الذي بدأ مع حكم محمد علي باشا، لكنها لم تكن على المستوى الدولي سى ولاية عثمانية تحتلها بريطانيا العظمى، وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وهزيمة الدولة العثمانية أو الرجل المريض ذهب زعماء مصر يسألون الإنجليز عن وضعهم ويصف توفيق الحكيم هذه اللحظة كمشهد درامي في "مصر بين عهدين" فيقول"، فسألهم الإنجليز عما يقصدون، فقالوا: "زوال الاحتلال البريطاني، فسألهم الإنجليز وماذا بعد الاحتلال، هل تعودون إلى الدولة العثمانية المنهزمة؟، فقال الزعماء: "بل نعود إلى مصر، فدهش الإنجليز وسألوا ما هي مصر؟، فإننا لا نعرف شيئا اسمه القطر المصري، وكما هو موجود على الخرائط الرسمية يتبع سياسيا الدولة العثمانية وحضارة العربية حسب الدين واللغة، أما مصر فأين هي؟، وما هي مقوماتها؟، وما هي شخصيتها؟".
يصف «شكري»، أن هذا الموقف كان القداحة التي أشعلت فتيل البحث، فوهب الجميع أعمارهم وصرفوها في البحث عن هويتهم، عن وجودهم، عن اسمائهم وكيف حاول البعض طمسها إلى لا رجعة، متابعا: «راح الجميع يبحثون عن شخصية مصر عن هويتها في الأدب والمسرح والموسيقى، فكتب توفيق الحكيم رواية "عودة الروح»، بعد سبع سنوات على قيام الثورة، وقال بعد ذلك "لم يكن قصدي تأليف رواية بل إقناع نفسي بأنني أنتمي إلى بلد له كيان محدد ومستقل، وتاريخ طويل نمنا فيه وآن لنا أن نستيقظ وتعود الروح، ثم كتب الحكي مسرحية أهل الكهف، التي جسد من خلالها المراحل التاريخية التي مرت بها الشخصية المصرية ممثلة في الوثنية التي ماتت والمسيحية المنتصرة بعد اضطهاد دقلديانوس للإسلام.
وواصل: «بالإضافة إلى مشروع طه حسين وسلامة موسى فقد كتب الأول مستقبل الثقافة في مصر بعد توقيع معاهدة 1936، وكتب الثاني مصر أصل الحضارة عام 1940، وجاء من بعدهم نجيب محفوظ برباعيته التاريخية الشهيرة "رادوبيس، كفاح طيبة، مصر القديمة، عبث الأقدار".
وتوالت الكتابات مثل مطر تشققت له الأرض فراحت تبرز الكلمة بحروف من نور، الهوية، فكتب شفيق غربال "تكوي مصر"، وصيحي وحيدة" في أصول المسألة المصرية"، وصبري السوربوني "نشأة الروح القومية المصرية"، بالإضافة للكتاب الاهم "شخصية مصر" لجمال حمدان، ومن هنا وبعد تعلق السؤال عن الهوية كبندول يتأرجح، كان لا بد من إيقاف هذا البندول على الإجابة المحددة، على الهوية.
وفي تلك الفترة كان لابد من إصدار تلك السلسلة مرة أخرى مجمعة عبر منفذ واحد تتاح فيه الكتب،وهو ما فعله شكري بمشروعه "الهوية"، ولان الكثيرين بعد فترات عصية مر بها الوطن راح فيها سؤال البندول يتأرجح مرة أخرى فكانت السلسلة التي أعادت نفس الروح القديمة، وكان جرجس شكري الذي وضع تلك الكتب بين يدي القارئ كأنه يقول، لا سؤال وإنما تكمن الإجابة هنا.