ما الفرق بين الفقه والإفتاء والقضاء؟.. علي جمعة يجيب
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية: «لقد تكلم العلماء عن الفرق بين الفقه والإفتاء والقضاء، فعرّفوا الفقه بأنه العلم بالأحكام الشريعة العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، وهو تعريف البيضاوي في كتابه منهاج الوصول، وفي دستور العلماء أن الإفتاء هو تبين مبهم حاصل في مسألة يُراد بيان حكم الشرع فيها».
وتابع «جمعة» عبر صفحته الرسمية: «أما القضاء فيقول صديق خان في كتابه (ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي)، إلزام ذي الولاية بحكم شرعي بعد الترافع إليه، ومن هذه التعريفات تبين للعلماء أن الفقه له طرف واحد وهو معرفة الحكم الشرعي وأن الإفتاء يضم إلي ذلك معرفة الواقع، يقول ابن تيمية عند إجابته على فتوى: «على أصلين: أحدهما: المعرفة بحالهم، والثاني: معرفة حكم الله في مثلهم» «مجموع الفتاوى».
وحذّر العلماء كثيرا من الذهاب إلي كتب الفقه وإيقاع ما فيها كفتوى دون دراسة لواقع الناس حتى لا تضيع مقاصد الشرع ولا مصالح الخلق ولا تؤدي الفتوى إلي مآل خطير يكر علي النص الشرعي أو على المبادئ السامية للشريعة بالبطلان.
وأضاف: يقول الإمام القرافي في كتابه «الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام»: «السؤال التاسع والثلاثون، ما الصحيح في هذه الأحكام الواقعة في مذهب الشافعي ومالك وغيرهما المرتبة على العوائد، وعرفا كان حاصلا حالة جزم العلماء بهذه الأحكام، فهل إذا تغيرت تلك العوائد وصارت لا تدل على ما كانت عليه أولا، فهل تبطل هذه الفتاوى المسطورة في كتب الفقهاء.
واستطرد «جمعة»: أن أمر الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد، يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس تجديدا للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد. بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد».
وأشار: فعلى المفتي أن يطلب الأحكام من مصادرها ولذلك يجب عليه أن يتعامل مع النصوص الشرعية بالطريقة العلمية بالذهاب إلي الكتاب والسنة واستعمال أصول الفقه والإطلاع على المجتهدين العظام، وكلامهم في المسألة المسطور في كتبهم وهذا يمثل ركنا واحدا من ثلاثة أركان؛ حيث الركن الثاني هو الإطلاع علي الواقع بعناصره المختلفة من علم الأشياء والأشخاص والأحداث والأفكار.
وهذا الركن الثاني يحتاج من المفتي خاصة في عصرنا سؤال الخبراء والعلماء في الفنون المختلفة والمجالات المتعددة العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية حتى يدرك الواقع ونفس الأمر والحقائق التي تساعده علي اختياره الفقهي، ومع كون هذا من المهمات العظام، فإن الفتوى على وجهها الشرعي لا تتم إلا به.
وبعد ما يدرك الواقع ويدرك حكم الله في مثله، تأتي الفتوى للوصل بين الحكم والواقع بشرط مراعاة مقاصد الشرع ومبادئ الشريعة ومصالح الناس ومآلات الأفعال والإجماع واللغة، فهذا كله يمثل السقف الذي يراجع المفتي نفسه فيه، حتى لا يتعداه.