عقبال الكاميرون.. كيف روّض نجوم المنتخب «أسود الأطلس»؟
«جربنا أكثر من استراتيجية لعب من أجل إيقاف محمد صلاح».. بهذه الكلمات عبّر وحيد خليلوزيتش، المدير الفنى لمنتخب المغرب، عما يدور فى باله ولاعبيه قبل مباراة القمة التى جمعته بمنتخبنا الوطنى وانتهت بفوزنا ٢- ١.
فى هذه التصريحات كشف «خليلوزيتش» عن رعبه الشديد من «صلاح»، وفضح، دون قصد، ما يشغل عقله وينويه.
هذا كان أول المداخل الذى منح مصر هذا الانتصار التاريخى، وأسهم بشكل كبير فى فرض سيطرتنا بشكل كامل، جعلنا نشك فى أن المغرب اختفى ولم يأتِ فى جزئيات كبيرة من المباراة.
صحيح لم يلتق المنتخب المغربى «ندًا» كبيرًا طوال مشوار البطولة، باستثناء الجابون الفريق الذى لديه قوام جيد وتكتيك يجعله مصنفًا كخصم صعب، لكن أن يحدث هذا التحوّل المبالغ فيه فى شكل المغرب الذى تراجع كليًا، فهذا يعكس حجم وقوة شخصية منتخب مصر. أظهرت هذه المباراة واحدًا من أهم المحددات التى نتغافلها هنا فى مصر ونحن نتعاطى مع أداء منتخبنا، ونبادر فى إطلاق حملات جلد النفس، ألا وهى نظرة الآخرين لنا.
دون أن ندرى نتجاهل بأن الجميع فى إفريقيا، حتى ونحن فى أضعف حالاتنا، ينظر إلينا نظرة «البطل الخارق»، صاحب الشخصية العنيدة، والاسم الذى يصعب هزيمته، والبلد القادر على ولادة زعماء للقارة فى كل وقت.
تلك النظرة هى التى دفعت المدير الفنى لمنتخب المغرب لاستبدال حساباته وتغيير استراتيجيته، وبعدما كنا نحن نتحسب ونرسم سيناريوهات لكيفية توقيف أشرف حكيمى، بدا لنا جميعًا أنهم هم من كانوا مهمومين ومشغولين بإيقاف محمد صلاح، وعجزوا عن ذلك.
من الظلم أن تختصر ما قدمه «صلاح» أمام المغرب فى لقطتى الهدف و«الأسيست»، بل إن «مو» فعل كل شىء، وكان سببًا فى غياب المغرب.
دون أن يلمس الكرة، أجبر نجم ليفربول مدرب المغرب على أن يحتاط بشكل كبير، ودفعه لتثبيت الظهير الأيسر آدم ماسينا، وبالتالى حرمه تمامًا من التقدم أو أداء أى أدوار هجومية، من أجل تضييق المساحات أمام «صلاح»، وكذلك تسخير كل الجهد البدنى فى مجابهته ومحاولة إيقافه.
نتيجة لذلك، اضطر الجناح الأيسر سفيان بوفال للبقاء على الخط طوال الوقت، بعدما كان يهاجم فى العمق ويلعب بحرية أكبر طوال الفترة الماضية، أى أن «صلاح» حرم المغرب من مهاجمين كانا يستفيد منهما فى المباريات السابقة.
كذلك حيطة «خليلوزيتش» وتخوفه دفعاه لاستبدال الطريقة، وتخلى عن اللعب بمهاجمين صريحين، ليزيد لاعبى الوسط، وهنا كان سر تحوّل المغرب إلى الأسوأ، بفضل الرعب الذى سببه له محمد صلاح.
مع كل هذه «الإجراءات الاحترازية»، والتخلى عن الهوية الهجومية المعتادة، لم يفلح «أسود الأطلس» ومدافعوه فى إيقاف محمد صلاح.
ذكاء ووعى ومهارة كبيرة استخدمها نجمنا الدولى فى تجميع اللعب عنده فى الجهة اليمنى بعد طلب الكرة فى المساحة، ثم جمع ٣ مدافعين أو ٤ فى بعض الحالات، ما يخلف وراءهم مساحات كبيرة، يحدث بعدها التحول إلى الجهة الأخرى، مثلما حدث فى حالة الهدف الثانى، وقبلها تكرر الأمر أكثر من مرة.
وتجلّت القيمة الفنية لمحمد صلاح، اللاعب الذى يتنافس الآن على أفضل لاعب فى العالم، بشكل واضح للعلن أمام المغرب، وهكذا يمكنك الوقوف على قيمة نجم مثله. إلى جانب «صلاح»، اختار «كيروش» فلسفة الضغط العالى، نعم كان حظنا سيئًا فى الانطلاقة بتجاوز «حكيمى» لهذا الضغط عبر مهارة استثنائية، لكن تركيزنا عاد، ونجحنا بفضل هذا الضغط فى خنق المغرب، وإجباره على البقاء فى مناطقه.
التزام مصطفى محمد برقابة سفيان إمرابط، لاعب ارتكاز المغرب، حرم الخصم من البناء السليم للهجوم، وشل حركته فى التحولات، وهذا يجعلنا لا نتغافل عن هذا الدور المهم للاعب، رغم وجود بعض القصور لديه هجوميًا، ويمكن تصويبه إذا اهتم «البلدوزر» ببعض التفاصيل البسيطة الخاصة بالتمرير وتقليل الـ«ميس باص».
كان أيضًا أحمد فتوح نجمًا فوق العادة، صحيح أن «التكتك» والجماعية والكثافة فى مكان الكرة ساعده كثيرًا فى توقيف «حكيمى»، لكنه ظهر بشخصية قوية للغاية، ولم يهب العديد من المواقف الصعبة للغاية، تمامًا مثل عمر كمال فى الجهة المقابلة، الذى ساعد «صلاح» كثيرًا على تقديم أفضل ما لديه.
أما محمد الننى فكان رائعًا فى منحنا عملية التحكم، وأداء أدوار التدوير ونقل الكرة من جهة إلى أخرى، ولم يشعرنا بغياب حمدى فتحى، وقدم أدوارًا كبيرة يستحق عليها التقدير.
المنتخب على مستوى الأفراد يرتفع، الجانب الخططى يتطور، العوامل المعنوية تتحسن، كل شىء يقول إن المنتخب المصرى فى الطريق السليم، مهما كانت نتيجة المباراة المقبلة.
لكن علينا تأكيد أن الضغط والنقد يولدان التطور والتحسن مثلما جرى مع «كيروش»، بينما التأييد الكلى لـ«خليلوزيتش» فى المغرب ما جنى عليهم غير النتائج السلبية.
فالسكوت عن غياب حكيم زياش هناك، وكذلك أشرف بن شرقى، ونظرته العجيبة لـ«بدر بانون» بعيدًا عن الإصابة، وإصراره على أيوب الكعبى، وغيرها، ما هى إلا أخطاء ارتكبها المدرب البوسنى.