كيف نستفيد من درس «نسور قرطاج» أمام «الأفيال»؟
بعد ٩٠ دقيقة كان فيها منتخبنا الوطنى تحت حصار نيجيريا، فى انطلاقة غير طيبة ببطولة كأس أمم إفريقيا، توقع الجميع أن يذهب «النسور» هذه المرة بعيدًا، وربما يعيدون أمجادهم مع الذهب الإفريقى، عبر التتويج بالنسخة الحالية من «CAN».
ما جرى فى تلك المباراة من ضغط متواصل، وهجوم أخضر كاسح، جعلنا نشعر بأننا مجرد هواة أمام مجموعة من أعتى محترفى كرة القدم، فلا كرة امتلكنا، ولا فرص خلقنا، ولا دفاع آمن ظهرنا به.
وحده صعد المنتخب النيجيرى بالعلامة الكاملة، بعد ٣ انتصارات متتالية، و٦ أهداف سجلها كثانى أقوى هجوم، وهدف وحيد فى مرماه من ركلة جزاء عجيبة، جعلته ثانى أقوى دفاع أيضًا.
فى الجهة المقابلة انتظره منتخب تونس، فى دور الـ١٦، بعد أداء باهت لـ«نسور قرطاج» وصعودهم ضمن أفضل ٤ أصحاب المركز الثالث، عقب خسارتين، إحداهما كانت فضيحة أمام جامبيا. الجميع اتفق على أن تونس سيودع البطولة أمام نيجيريا، فليس بمقدور المنتخب الذى خسر من جامبيا ومالى أن يعبر تلك «النسور» الجارحة.
فبالنظر إلى مشوار المنتخبين، وحجم النجوم هنا وهناك، والقيمة التسويقية لكل منهما، ستجد فوارق شاسعة، تجعلك أمام عبور شبه مضمون لنيجيريا.
لكن المتابع الجيد لمنتخب تونس، يعرف أنه واحد من أصعب المنتخبات التى يمكن أن تصطدم بها فى الأدوار الإقصائية.
صحيح أنه لا يمتلك نجومًا بحجم ساديو مانى ومحمد صلاح ورياض محرز، ولا حتى لاعبين مثل نجوم نيجيريا الناشطين فى «الليجا» و«البريميرليج»، وربما أفضلهم وأكثرهم نجومية لاعب كولون الألمانى إلياس السخيرى، وعدا ذلك ستجد نفسك أمام مجموعة لاعبين فى دوريات أو أندية ضعيفة للغاية، بينها المجرى والدنماركى والخليجى.
لكن تونس امتلك الأهم من النجوم الكبار والأسماء اللامعة ومحترفى الدوريات الكبرى، وهو الإيمان بالفرصة، والعمل كجماعة واحدة تدرك بأن جماعيتها تلك قادرة على كسر التفوق الفردى، وتحطيم الفوارق فى جودة العناصر.
قبل البطولة قال كبيرهم وهبى الخزرى: «نحن لسنا نجومًا كبارًا، ولا نمتلك لاعبين فى أندية كبيرة، لكن نمتلك المجموعة التى تعمل معًا، لا تعول على فرد، ولا تراهن على عمل استثنائى لشخص بعينه».
من هنا برزت قيمة المنتخب التونسى، فلن تجد لاعبًا بالمهارة التى تجبرك على عشقه أو البحث عن الكرة بين أقدامه، ولن تحب حيازتهم وتقدمهم بالكرة، ولن تستمتع بمباراة هم أحد طرفيها.
فريق يعمل بمنظومة خططية تعتمد على التقارب وتضييق المسافات، والدفاع بمنظومة ١٠ لاعبين تحت الكرة، ما يجعل مهمة خلق الفرص أمامهم صعبة، وربما مستحيلة فى بعض الأحيان، وفى الوقت نفسه يدفعهم إيمان كامل بأن الصبر والقتال سيمنحهما فرصة ما وضربة ستأتى لا محالة، مثلما جاءت قاضية يوسف المساكنى أمام نيجيريا.
من هنا علينا أن نتناسى نغمة أننا لسنا مرشحين، وأننا لم نفز بالبطولة منذ ١٠ سنوات، وأننا لا نمتلك محترفين مثل الدول الإفريقية التى تتقدم فى هذا المسار.
يجب علينا أولًا أن نؤمن بفرصنا وبقدرتنا على تخطى أى خصم، حتى لو كان كوت ديفوار، فهو لم يدخل البطولة مرشحًا مثلما دخلت نيجيريا.
على كارلوس كيروش البحث عن العمل كمنظومة متلاحمة، لا بالترقيع الخططى من أجل أفكار فلسفية لا يمكن تطبيقها الآن، أو لا يمكن تطبيقها من الأساس مع هذه المجموعة من اللاعبين.
نحتاج أمام كوت ديفوار إلى الإيمان بفرصنا، وامتلاك الإرادة والروح، نحتاج أن «نخنق الجيم» باللغة العامية، أن ندافع بـ١٠ لاعبين تحت الكرة، حينما لا تكون بحيازتنا، تمامًا مثلما فعل منتخب تونس.
نحتاج ألا نستثنى محمد صلاح وألا نعفيه من الأدوار الدفاعية، فهو ليس ضعيفًا بدنيًا، ولا هو سيكمل مشواره طوال حياته هكذا، نحن بحاجة إليه ٩٠ دقيقة يقاتل فيها مثل أى فرد.
نحتاج ألا نترك مساحات، وهذا يدفعنا لاختيار العناصر الأكثر التزامًا بالأدوار الدفاعية، دون سرحان، وهنا تبرز قيمة أحمد سيد «زيزو» الذى لا بد منه فى هذه المباراة.
لو كنت مكان «كيروش» للعبت بـ«زيزو» فى الجهة اليمنى لوقف تقدم الظهير جيسلان كونان، وعدم ترك عمر كمال عبدالواحد وحيدًا فى هذه الجهة الصعبة، ولاعتمدت على محمد صلاح كمهاجم وهمى يعود إلى الوسط لتحقيق الكثافة العددية وحرمان كوت ديفوار من «التدوير» بأريحية.
كذلك نحن بحاجة إلى انضباط كامل من عمر مرموش فى الجهة اليسرى، وعدم التخلى عن دعم أيمن أشرف، لأن وجود الأخير وحيدًا أمام نيكولاس بيبى سيكلفنا الكثير.
تحقيق الانتصار فى هذه المواجهة يحتاج إلى تحدٍّ وإرادة وإيمان، وقبله عمل تكتيكى منظم يعتمد على التقارب والالتزام، لا ترقيع وتضارب أدوار وعشوائية.