قضية موسيمانى.. لماذا يتردد الأهلى فى حسم مستقبل المدير الفنى؟
«لماذا تأخر تجديد تعاقدك مع الأهلى؟».. بمجرد سماعه هذا السؤال فى المؤتمر الصحفى الذى تلى مباراة الأهلى والمقاولون العرب فى كأس الرابطة، ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه بيتسو موسيمانى، المدير الفنى لـ«المارد الأحمر»، وبتعبيرات هادئة جدًا وعيون متحمسة وقلب جرىء، تحدث عما يدور فى الغرف المغلقة باستفاضة تامة. تحدث «موسيمانى» عن أسرار التجديد وكأنه لم يتحدث من قبل، وفاض بكل التفاصيل، وكأنما أراد وانتظر هذا السؤال، لتفريغ طاقة ما بداخله، وللتعبير عن حالة عدم رضا عما يجرى، وكذلك لتمرير أهدافه الممثلة فى الضغط، للموافقة على شروطه وحسم أمره بشكل مبكر.
قال المدرب الجنوب إفريقى إنه يحترم تعاقده مع الأهلى ولا يزال مرتبطًا به إلى نهاية الموسم الجارى، قبل أن يناقض نفسه ويهدد بالعروض التى تلقاها، حين اشتكى من عدم قدرته على التركيز فى كأس العالم للأندية بسبب هذه العروض، مشددًا على أنه يريد حسم أمره كى يتفرغ تمامًا للتركيز فى هذه البطولة.
ما ذكره «موسيمانى» بدءًا من حديثه عن أمنياته بالبقاء، وإشادته بالأهلى وجماهيره، مرورًا بتلقيه عروضًا كثيرة، ثم تأكيده أنه إذا رحل لن يكون الأمر بسببه- لا يمكن تفسيره إلا بسببين واضحين.
الأول أنه يضغط لكى تتم الاستجابة لطلباته، التى تتضمن الحصول على راتب قيمته ٢٠٠ ألف دولار شهريًا، وهو رقم كبير جدًا، رغم تأكيده أنه ليس محل خلاف، وكذلك العمولة الكبيرة التى تريدها زوجته لإتمام الاتفاق، على شاكلة ما يحدث مع الوكلاء فى أوروبا، إلى جانب تفاصيل أخرى ربما ترتبط بمدة العقد.
هذا الطرح يزيد من منطقية أنه يرغب فى حسم أمره قبل كأس العالم للأندية، حتى لا يتم رهن مستقبله ومدى الاستجابة لطلباته بما سيقدمه فى أبوظبى بعد أسابيع من الآن، ففى حال قَدّم نتائج سيئة سيجعله ذلك يتفاوض من أرضية أضعف تُعيده للوراء، أو على أقل تقدير تبقى الأهلى فى نفس منطقته الرافضة بعض التفاصيل التى طلبها المدرب الجنوب إفريقى.
أما السبب الثانى، الذى ربما دفع «موسيمانى» للحديث بهذه الجرأة، هو رغبته فى قبول أحد العروض التى تلقاها فى الآونة الأخيرة، ولذلك يحاول التعجيل بالأمر وتبرير موقفه أمام الرأى العام هنا، خاصة أنه لم يخف حلمه بتدريب منتخب مصر فى وقت لاحق، ولا يريد خسارة دعم جماهير الأهلى لو رحل عن النادى.
ويرى مدرب الأهلى أن الأمر طال، وكلما طال التفاوض فهذا ليس فى صالح أحد، ولأن جلسة واثنتين وثلاثًا لم تؤتَ ثمارها، أراد إيصال رسالة مباشرة لمحمود الخطيب الذى وكّل ياسين منصور بالتفاوض معه فى آخر جلسة، بعدما كان أمير توفيق هو الحاضر فى أول جلستين. رسالة يقول فيها: «أنتظرك.. تدخل وانهِ الأمر، فأنا الكبير الذى أعاد الأهلى الغائب منذ سنوات، ويستحق تدخل الكبير بنفسه».
فى الجهة المقابلة، لا يبدو الأهلى حاسمًا لعدة أسباب، أولها أنه يرفض وصاية زوجة أو وكيلة «موسيمانى»، فهذا عُرف غريب على الكرة المصرية وعلى الأهلى، أن يشترط الوكيل عمولة خارج نطاق التعاقد، لإقناع موكله بالتجديد، أو لإتمام عملية التجديد.
فى باريس سان جيرمان، حينما أراد القطرى ناصر الخليفى ضم نيمار دا سيلفا من برشلونة، منح والده الذى يعمل وكيله عمولة قدرتها التقارير الفرنسية بـ١٠٠ مليون يورو.
ومَن يرد الظفر بخدمات إيرلينج هالاند، لاعب بروسيا دورتموند، عليه أن يدفع عمولة لوكيله مينو رايولا قد تفوق سعر اللاعب نفسه المقدر بـ٧٥ مليون يورو، فى الصيف المقبل، وفيما يبدو فإننا أمام حالة مشابهة ربما تفرض نفسها للمرة الأولى على الكرة المصرية، بطلتها زوجة «موسيمانى».
اعتاد الأهلى أن يكون التجديد مع اللاعب أو المدرب دون أعباء إضافية خارجة عن السياق التعاقدى، لكن «موسيمانى» يريد تحميل خزينة الأهلى رقمًا ليس بقليل، إلى جانب راتب ربما يراه النادى كبيرًا.
كذلك الأهلى غير حاسم لعدم ثقته الكاملة فى «بيتسو»، صحيح أنه يريد التجديد له، لكن هذا لا ينفى وجود انقسام حوله، على الأقل جماهيريًا، فالمدرب حقق بطولتى دورى أبطال إفريقيا دون إقناع الجزء الأكبر من الجمهور، وكذلك لا يخفى على مجلس إدارة النادى وجود «تحفظات» عليه من قِبل لجنة التخطيط، التى أوصت فى وقت سابق بعدم التجديد له، ولم ترض عما يقدمه، وترى أن الأهلى أقدر على تقديم أفضل من ذلك بدونه.
كانت إدارة ريال مدريد أكثر حسمًا حينما تعرضت لحالة مماثلة مع زين الدين زيدان، فبعد ثلاثية الأبطال كانت على موعد مع تحدى بناء جيل جديد، ولأن «زيدان» ليس هذا الرجل الذى يتحمل تبعات البناء، وتقتصر قوته على استغلال أفضل الأدوات، وتوظيفها أفضل توظيف، لخطف الألقاب دون الحديث عن استراتيجية أو أداء جمالى يلقى القبول والرضا، كان الرحيل أفضل اختيار له ولقلعة مدريد.
«موسيمانى» حقق الألقاب ولم يُقنع بعد، لكن إدارة الأهلى تخشى أن يرحل ويخسر الأهلى بعدها، فيتم تصوير الإنجاز الذى تحقق كونه عملًا فرديًا للجنوب إفريقى، وهو ما يزيد الضغوط على الإدارة مستقبلًا.
إدارة الأهلى مطالبة بدراسة مستقبل الفريق، وفقًا لقواعد النادى التى ترفض أفعال «موسيمانى» ثم تقرر بقاؤه مع تقويمه إداريًا قبل فنيًا، أو يرحل بنهاية الموسم الجارى، مع تحمل ردة الفعل الجماهيرية حال حدثت أى «مطبات».
على إدارة الأهلى إدراك أن خسارة البطولات قادمة معه أو دونه، فلا يبقى أحد على القمة طوال الوقت، والأهم من ذلك أن تصوّب الشكل والأخطاء فى وجوده أو مع بديله، لأن الأهلى بما يمتلكه من عناصر، وما قدمته الإدارة من تعاقدات فى السنوات الأخيرة، يستحق أفضل كثيرًا مما يجنيه الآن.