حكم قضائي أبطال الشرطة الذين يضحون بأرواحهم «شهداء» في كافة القطاعات
في حكم قضائي يؤكد دور رجال الشرطة الذين يضحون بأرواحهم الأوفياء للوطن فى عيدهم، ويبين دور الشهداء فى رسم ملامح العزة والكرامة لهذا الوطن، بأن أبطال الشرطة الذين يضحون بأرواحهم شهداء فى كافة القطاعات وليس بعضها وإحالة نص قانون هيئة الشرطة للدستورية.
وكانت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية قد قضت عقب ثورة 25 يناير 2011 بعامين وتحديدًا بجلستها 27 نوفمبر 2012 برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بوقف الدعوى رقم 3021 لسنة 62 قضائية التى أقامتها “غ. ي. ن” أرملة المرحوم المقدم شرطة “م. ھ .ح” الذي تمزق جسده إلى أشلاء وبإحالة أوراقها بدون رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (110 فقرة أولى وثانية) من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة المستبدلة بالقانون رقم 49 لسنة 1978.
وقد اُحيلت الدعوى بالفعل إلى المحكمة الدستورية العليا وقيدت الدعوى الدستورية برقم 41 لسنة 35 دستورية ومازالت حتى اليوم 2022 بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية عقب إحالتها بحكم القضاء الإداري منذ عشر سنوات، ومازالت الأرملة الحزينة تنتظر.
وأكدت المحكمة برئاسة الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى حكمها بانصاف أبطال ضباط الشرطة الذين يضحون بأرواحهم بجميع قطاعاته على:
1- اتحاد العلة فى الاستشهاد وهي تقديم ضابط الشرطة حياته فداء لاستقرار الوطن وأمنه والمحافظة على حياة المواطنين غير عابئ أوآبه بما قد يفقده فى سبيل ذلك من عزيز ولو كانت حياته نفسه.
2- أنه فى ثورة 25 يناير 2011 قدم رجال الشرطة من دم أبنائه البررة شهداء كُثر من جميع القطاعات من أجل أن تستقر مصر وينعم المواطنون بالأمن والأمان
3- أن أرملة المرحوم مقدم شرطة وأطفالها يبكون فى قصة تمزيق جسده إلى أشلاء قالت: "سيدي القاضي إذا كان القانون ظالماً فأنت القاضي العدل وانتظر منك الإنصاف".
4- والقاضي: لا يسوغ للمشرع أن يفرق بين من يضحى بنفسه ويفقد حياته من أبطال الشرطة فى بعض القطاعات فيمنح لقب شهيد بما يرتبه لأسرته من آثار معنوية ومادية وبين غيرهم من النظراء في كافة قطاعات الشرطة.
5- أن مبدأ المساواة للحماية القانونية المتكافئة لا يقتصر على الحقوق والحريات للأحياء بل يمتد للمساواة الكاملة بين شهداء الوطن المؤهلين للانتفاع بها لحظة الاستشهاد من أجل الوطن.
قصة الأرملة الحزينة لمقدم الشرطة البطل الذى تحول جسده لأشلاء وأطفالها يبكون أمام القاضى
وكانت السيدة “غ.ي.ن” أرملة المرحوم المقدم شرطة “م. ھ .ح” قد وقفت أمام المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة عقب ثورة 25 يناير بعامين فى دعواها عن نفسها وبصفتها وصية على أبنائها القصر (غ) و(ب) و(م) ضد وزارة التضامن الاجتماعى ووزارة الداخلية وكانت المحكمة مكتظة بالمتقاضين وقالت سيدي القاضي: "زوجي المرحوم (م. ھ .ح) مقدم شرطة بإدارة مرور إسكندرية وكان ذات يوم فى خدمته المعتادة بنقطة مرور الكيلو 48 صحراوي.
وصدرت إليه أوامر من قيادة النقطة التى يتبعها بالتوجه إلى الكيلو 65 صحراوي لإخلاء وفتح الطريق فى هذه المنطقة بعد وقوع حادث تصادم بين خمس سيارات كان من نتيجته إغلاق طريق القاهرة إسكندرية تماماً وطُلب من زوجى المرحوم إخلاء الجرحى والمصابين ، وبعد وصوله إلى منطقة البلاغ وأثناء سحب السيارات بمساعدة سائقي النقل اخترق السيارات الأتوبيسان 312 ، 313 سياحة قليوبية ليمزقا جسد الفقيد إلى أشلاء وتاركين قتيل آخر وبعض المصابين " ثم بكت فهدأ القاضى من روعها وقال لها " أسمعك جيداً أكملي من فضلك ".
وأضافت المدعية: “أن ذلك الحادث وقع لزوجى الفقيد أثناء تأدية وظيفته وبسببه كضابط مرور، وكما هو ثابت بمحضر معاينة الحادث، وأخبروني أن القانون يمنح فقط لقب شهيد لضباط مكافحة الإرهاب وضباط المباحث وضباط مكافحة الحرائق بالدفاع المدني الذين استشهدوا أثناء تأدية وظيفتهم وبسببها، دون أن يشمل ذلك حالة زوجى الذى استشهد أثناء أداء واجبه الوظيفي، والمفروض القانون ميفرقش بين أبناء الشرطة الضباط الذين يضحون بأرواحهم فى سبيل الوطن رغم أن زملاء زوجي أخرين مُنحوا لقب شهيد تتشابه ظروفهم مع حالة زوجى الفقيد لكنهم فى قطاعات أخرى وهم المرحومين الشهداء الضباط بالإسكندرية (أ.ع.خ) و(م.م.ع) و(م.ع.ا) وغيرهم من الأبطال”.
حيثيات الحكم لصالح أبطال الشرطة الذين يضحون بأرواحهم بجميع قطاعاته
قالت المحكمة برئاسة الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أن مبدأ المساواة أمام القانون أضحى وسيلة لتقرير وبسط الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر مجال تطبيقها على الحقوق والحريات بل يمتد نطاق إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين على ضوء ما يكون قد أرتآه كافلاً للصالح العام، وأنه ولئن كان يُحظر التمييز بين المواطنين فى أحوال بعينها هي التى يقوم التمييز فيها على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
إلا أن تناول النص الدستوري لصور بذاتها يكون التمييز فيها محظوراً فذلك مرده إلى أنها الأكثر شيوعاً فى مسرح الحياة العملية، وليس دالاً بذاته على انحصاره فيها، ذلك أن صور التمييز التى تناقض مبدأ المساواة أمام القانون وإن تعذر حصرها تعداداً وتبياناً، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها النص الدستوري، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو من خلال تقييد آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها.
وأضافت المحكمة أن المادة 110 من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1971 وتعديلاته تنص على أنه "تسري على المستشهدين والمفقودين والأسرى والمصابين من أعضاء هيئة الشرطة أثناء العمليات الحربية أو بسببها أحكام القانون رقم 70 لسنة 1968، وتسري على المستشهدين من أعضاء هيئة الشرطة أثناء مقاومة العصابات أو المجرمين الخطرين أو أثناء إزالة القنابل والمتفجرات أو إطفاء الحرائق أو التدريب على هذه الأعمال بالذخيرة الحية أو الحالات التى يحددها وزير الداخلية بعد موافقة المجلس الأعلى للشرطة.
وأشارت المحكمة أنه يبين من استقراء نص المادة 110 من قانون هيئة الشرطة المشار إليها أنها تسري على بعض أعضاء هيئة الشرطة وهم الذين يتم استشهادهم أو فقدهم أو أسرهم أو إصابتهم أثناء العمليات الحربية أو بسببها، كما تسري كذلك على أعضاء هيئة الشرطة الذين يتم استشهادهم أثناء مقاومة العصابات أو المجرمين الخطرين أو أثناء إزالة القنابل والمتفجرات أو إطفاء الحرائق أو التدريب على هذه الأعمال بالذخيرة الحية ويسري كذلك حتى على الحالات التى يحددها وزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة.
وأوضحت المحكمة أنه قد بات مسلمًا في مجال تنظيم الحقوق أنه لا يجوز لغير ذي مصلحة واضحة يقوم الدليل على اعتبارها أن يتفاوت الأقران ذوي المراكز القانونية المتماثلة، فمن ثم فإن نص المادة 110 من قانون هيئة الشرطة يكون قد فرق بين أعضاء هيئة الشرطة ممن يستشهد منهم أثناء تأدية الواجب الوطني والوظيفي وبسبب العمل فقصر سريانه على المستشهدين من أعضاء هيئة الشرطة والمفقودين والأسرى والمصابين منهم أثناء العمليات الحربية أو بسببها وكذا يسري على المستشهدين من أعضاء هيئة الشرطة أثناء مقاومة العصابات أو المجرمين الخطرين أو أثناء إزالة القنابل والتفجرات أو إطفاء الحرائق أو التدريب على هذه الأعمال بالذخيرة الحية ويسري كذلك حتى على الحالات التي يحددها وزير الداخلية بعد موافقة المجلس الأعلى للشرطة.
وذلك دونما تقرر لنظرائهم ممن يستشهدون من أعضاء هيئة الشرطة من غير تلك القطاعات التي عناها النص السالف، أثناء العمل الوطني والوظيفي وبسببه وهم قد وهبوا حياتهم للخطر فى سبيل إنقاذ المصابين من الموت فاستشهدوا ودون توافر مصلحة واضحة من وراء ذلك التمايز يقوم الدليل على اعتبارها، ويكون محض إغبان وحرمان لغير تلك الفئات من أعضاء هيئة الشرطة ممن يستشهدوا أثناء العمل وبسببه وهم نظراء، مما يشكك فى دستورية هذا النص فيما تضمنه من تلك القاعدة.
ويرجح فى نظر المحكمة أنه غير دستوري لما يشوبه من مخالفة لمبدأ المساواة فى الحقوق أمام القانون بالتفرقة بين من يستشهد من أعضاء هيئة الشرطة أثناء تأدية واجب الوطني والوظيفي وبسببه وقصره على بعض الفئات دون نظرائهم من فئات أخرى ، وتقيدهم بقيد لم يقيد به أولئك، وتفضيل تلك الفئات على غيرهم من الأقران، وهو ما ينال بصورة تحكمية من حقوقهم التى كفلها الدستور.
وانتهت المحكمة أنه أخذاً فى الاعتبار اتحاد العلة فى الاستشهاد، وهي تقديم ضابط الشرطة حياته فداء لاستقرار الوطن وأمنه والمحافظة على حياة المواطنين غير عابئ أو آبه بما قد يفقده فى سبيل ذلك من عزيز ولو كانت حياته نفسه، خاصة وأنه بعد ثورة 25 يناير 2011 يقدم رجال الشرطة من دم أبنائه البررة شهداء كُثر من غير تلك الحالات المنصوص عليها من أجل أن تستقر مصر وينعم المواطنون بالاستقرار والأمن والأمان.
ومن ثم فلا يسوغ بهذه المثابة أن يفرق المشرع بين من يضحى بنفسه ويفقد حياته من أعضاء هيئة الشرطة فى بعض القطاعات والحالات فيمنح لقب شهيد بما يرتبه ذلك لأسرته من آثار معنوية ومادية وبين غيرهم من النظراء من أعضاء هيئة الشرطة ممن يستشهدون أثناء تأدية عملهم وبسببه من غير تلك الحالات المنصوص عليها، مثل حالة مورث المدعين الذى منحه الأزهر الشريف لقب شهيد بقطع النظر عن النص الماثل، ومن ثم يكون هذا النص حاملاً لمثالب قوية نحو شبهة مخالفته للمبدأ الدستوري الخاص بالمساواة لذا أحالت المحكمة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية بالحيثيات المتقدمة.
وقد اُحيلت الدعوى بالفعل إلى المحكمة الدستورية العليا وقيدت الدعوى الدستورية برقم 41 لسنة 35 دستورية ومازالت حتى اليوم 2022 بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية عقب إحالتها بحكم القضاء الإدارى منذ عشر سنوات بصدور حكمها فى 27 نوفمبر 2012.