معارك محمود أمين العالم: فُصل من الجامعة بسبب طه حسين.. وحارب نجيب محفوظ
كانت للمفكر الكبير محمود أمين العالم سجالات متعددة مع كبار المثقفين والمفكرين فى زمنه، وأثمرت تلك الاشتباكات المعرفية عن أروع المقالات والبحوث التى حفلت بها صفحات الكتب والجرائد، كما كانت له معارك فكرية مع الجماعات الإسلامية التى فضح تطرفها فى مؤلفاته.
أشهر سجالات «العالم» كانت مع الأديب الدكتور طه حسين والأديب الكبير عباس محمود العقاد، حيث عارضهما فى عدة قضايا، وكتب مقالات اختلف معهما فيها فى وجهتى نظرهما، وفى رؤيتهما حول الأدب.
الاشتباك المعرفى بين هؤلاء الكبار، بدأ حينما كتب طه حسين مقالًا بجريدة الجمهورية عام ١٩٥٤، ناقش فيه قضية منهج الدراسة النقدية، واختلف معه عباس العقاد، وتحول الأمر إلى نقاش حاد بينهما.
حينها تدخل الكاتبان أمين العالم وعبدالعظيم أنيس فى النقاش، وطرحا وجهتى نظرهما المختلفة، إلا أن «العقاد» واجه حماسهما فى المناقشة والاختلاف معه بالرفض، قائلًا: «لن أناقش الشيوعيين».
وتذكر «العالم» تلك المعركة فى حواره مع جريدة الوفد فى يوليو ١٩٩٩، حيث قال: «المناقشة دارت وقتها حول منهج الدراسة النقدية، وكتب طه حسين مقالًا بعنوان (الأدب بين الألفاظ والمعانى)، فرددت عليه رفقة عبدالعظيم أنيس بمقال نشر بجريدة المصرى يخالف رؤيته».
وتابع: «كتبنا المقالين لنوضح أن الأدب ليس ألفاظًا ومعانى إنما صياغة ومضمون أو شكل، ثم تدخل (العقاد) وتضخمت الأزمة واتسعت إلى سجالات فى دول الوطن العربى حول منهج النقد الأدبى».
واتهم عباس العقاد «العالم» وصديقه «أنيس» بأنهما دعيّان وشيوعيان، لذا لن يناقشهما.
ولفت «العالم» فى حواره لجريدة «الأحرار» عام ١٩٩٩، إلى أن كتاباته كان يغلب عليها الطابع الأدبى والأيديولوجى، أما «أنيس» فكتب سلسلة من المقالات يرد فيها على طه حسين، الذى كان يكتب لجريدة «الجمهورية» الناطقة بلسان ثورة ٢٣ يوليو، حيث اعتبر مقالاته حربًا مستترة ضد الثورة، وعندما تطرقا لـ«العقاد» رد الأخير عليهما بتعالٍ.
وواصل: «بعد الهجوم على طه حسين، صدر قرار من الجامعة بفصلنا مع أكثر من سبعة وثلاثين أستاذًا آخرين، كنت أنا ولويس عوض من قسم الإنجليزى، وعبدالعظيم أنيس من كلية العلوم من بين المفصولين».
وكتب أمين العالم بالتشارك مع عبدالعظيم أنيس مقالات انتقدا فيها بعض روايات نجيب محفوظ وجمعت فى كتاب «فى الثقافة المصرية» عام ١٩٥٥، وكان نقدهما له يدور حول مأساة البرجوازية الصغيرة المصرية.
كما عارض «العالم» اتفاقية كامب ديفيد وتمت مقاضاته، وفق قانون العيب، الذى أقره الرئيس السادات، ولم يكن أمامه سوى أن يهاجر إلى فرنسا ليدرس فى جامعة باريس، وأصدر مجلة اليسار العربى.
وعن هذه الفترة، قال: «كنت أدافع عن مصر والحقيقة، ووضعنى السادات تحت الحراسة، أنا وزوجتى وابنتى وسيارة قديمة ماركة مرسيدس كنت أملكها».
كما ترأس مؤتمر أدباء الأقاليم الذى نُظم فى المنصورة عام ١٩٩٨، لكن قبل تنظيم المؤتمر تلقى تهديدات من مجهولين بالقتل بسبب ميوله ومعتقداته الفكرية والسياسية.
وقال وقتها لجريدة «الأهالى»، إن زوجته حاولت إثناءه عن الذهاب للمنصورة، لكنه اتخذ قراره بالذهاب رغم التهديدات، مضيفًا: «كنت أتوقع قتلى». مشيرًا إلى أنه انتظر طيلة الثلاثة أيام الأولى من المؤتمر لكى يظهر أى من الأشخاص الذين هددوه ليجرى حوارًا معه، لكن لم يظهر منهم أحد.
وعبر جريدة «الجيل» ١٩٩٩، طالب «العالم» جماعة الإخوان، بأن يكفوا عن تكفير خصومهم، مؤكدًا رفضه أفكارهم ومواقفهم من الخصخصة والرأسمالية، قائلًا: «أشك أنهم يؤمنون بالديمقراطية، ويجب عليهم عدم تكفير خصومهم واحترام آراء الآخرين».
وأكد أنه ضد السلطة الدينية، لافتًا إلى خطورة السلطة التى تتحدث باسم الدين، قائلًا: «الحركة الإسلامية تعمل ضد التاريخ، ولا تحمل برنامجًا تحكم به، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا، بل يقع كل اهتمامهم بالحجاب وإقامة الحدود، دون أن يطرحوا حلولًا لقضايا مهمة مثل التعليم والتضخم الاقتصادى، كما يعملون على إبعاد الناس عن قضاياهم الأساسية ويحاولون إقناع الناس بتكوين مجموعات إرهابية».