خلطة النجاح.. لماذا يجب الابتعاد عن خطة «باصى لصلاح» فى أمم إفريقيا؟
«مصر لديها محمد صلاح، والجزائر لديها رياض محرز، أما نحن فنمتلك مجموعة سر قوتها العمل الجماعى».. بهذه الكلمات تحدث النجم التونسى وهبى الخزرى عن الفوارق بين كبرى المنتخبات العربية المشاركة فى بطولة أمم إفريقيا، المقرر انطلاقها فى الكاميرون بدءًا من ٩ يناير الجارى.
فى ولاية الأرجنتينى هيكتور كوبر، لم يكن هناك شخصان فى بلادنا مختلفان حول هذه الفكرة، حتى «كوبر» نفسه عندما اجتمع به هانى أبوريدة، رئيس اتحاد الكرة آنذاك، لسؤاله عن سر اعتماده الطريقة الدفاعية والرهان فقط على سرعات محمد صلاح، أجاب قائلًا: «هذه بضاعتكم.. ليس لديكم لاعبون جيدون لكى ألعب الكرة التى تتحدثون عنها».
ربما كان «كوبر» محقًا فى جزئية ومخطئًا فى جزئيات كثيرة، لكن المحصلة النهائية أن اعتمادنا الدائم على طريقة «باصى لصلاح» لم تدفعنا إلى الأمام أبدًا، ولم تخلق منتخبًا نثق فيه، ونترقب مبارياته بشغف، كما كان الحال مع كل الأجيال السابقة، التى سواء حققت نتائج أم لم تحقق، لكنها لم تتخل أبدًا عن السعى لتقديم كرة القدم التى بدأ عشقها لدى المصريين فى الحوارى والشوارع ومراكز الشباب، قبل وصولها إلى العالمية عبر محمد صلاح.
أثبتت تجربة «باصى لصلاح» فى نهاية الأمر فشلها، وأفقدتنا القدرة على بناء منتخب جديد له شكل مستقل، حتى استفاق المصريون على كارثة الخروج المبكر من بطولة أمم إفريقيا ٢٠١٩، حين خرج «الفراعنة» أمام جنوب إفريقيا فى دور الـ١٦، على ملعب استاد القاهرة.
مع حسام البدرى لم يحضر محمد صلاح كثيرًا، وحينما جاء فى مباراة الجابون اضطر «البدرى» لاستبدال طريقة لعبه الاعتيادية من «٤-٢-٣-١» إلى «٤-٣-٣».
ومع البرتغالى كارلوس كيروش لم يشارك «صلاح» كثيرًا، وخلال مباراة أنجولا جرب الرجل أكثر من شكل وطريقة عددية، فبدأ بطريقة «٤-٣-٣» وأنهاها «٤-٤-٢»، وبينهما جرب تفاصيل أخرى وأرقامًا مغايرة، بشكل لا يجعلنا نفهم ماذا كان يريد غير التجريب.
لكن جاءت البطولة العربية لتكشف إلى حد كبير عن أن «كيروش» يبحث عن تطبيق أو استنساخ نسخة من الشكل الذى يلعب به ليفربول من أجل «صلاح»، ووسط هذا البحث، أصر المدرب البرتغالى بشكل كامل على عدم الاستعانة بأى طريقة أخرى، حتى لو كانت أقدر على منحنا لقب البطولة، إذا قرر توظيف محمد مجدى «أفشة» كصانع ألعاب بين جناحين صريحين، وسط إجادة الكرة المصرية تمامًا فى هذا الشكل، ومناسبتها الأدوات التى كانت متاحة لنا هناك فى الدوحة.
وبعدما أعلن «كيروش» عن القائمة وخلت من «قفشة»، فإن يقيننا يزداد بأنه لا يفكر فى غير «صلاح»، سواء باستخدام الطريقة التى يرتاح لها، أو حتى الاستعانة بالرفاق المفضلين.
نعرف جميعًا أن «صلاح» يحب عبدالله السعيد، لاعب نادى بيراميدز، ونتابع أيضًا حرصه الدائم فى كل معسكرات المنتخب على نشر صورهما معًا بشكل متكرر، خاصة فى المعسكر الأخير، دون إدراك المغزى، وإن كان بعضنا يعرف.
ونعرف أن لـ«أفشة» لقطة غير ذكية وغير طيبة، حينما قلل من «صلاح» فى أحد أحاديثه الإعلامية، قائلًًا: «صلاح مش مهارى، كل قوته فى السرعة، لكنه غير ممتع مثل تونى كروس أو إيسكو».
وتابعنا ما فعله بعض لاعبى الأهلى بعد استبعاد «أفشة» من قائمة المنتخب، وعلى رأسهم صلاح محسن، الذى نشر صورته مع صانع ألعاب الأهلى وكتب عليها «إيسكو»، فى إشارة قد لا تحتاج تأويلًا حول سر استبعاد زميله، ثم أخيرًا اختص «صلاح» زميله «أفشة» دون غيره من كل لاعبى المنتخب برسالة دعم: «خروجك لا يقلل منك».
كل هذه الوقائع والحقائق تضعنا أمام صورة واضحة نخشى أن تكلفنا نفس النهايات والنتائج.
ما نرجوه ونتمناه من «كيروش» هو التأكد من أن الاستفادة القصوى من «صلاح» تكون عبر بناء شخصية قوية للفريق، يكون «مو» هو العمود الأبرز فيها، وليس كل شىء. نموذج مقارب لـ«أرجنتين ميسى» فى «كوبا أمريكا»، عبر فريق صاحب شخصية جماعية قوية، ما مكنه من هزيمة «برازيل نيمار» فى «الماركانا».. وما أدراك ما الماركانا!
العمل الجماعى كما قال «الخزرى» هو سر التفوق، ليس لتونس فحسب، بل لأى فريق منظومة عمل فى كرة القدم أو غيرها من المجالات القائمة على الجماعة وليس الفرد.
المنتخب الجزائرى الذى فاز ببطولة العرب لم يكن يضم نجومًا خارقين أو من كوكب آخر، بل إنه يضم فى طرفى الملعب إلياس شتى، لاعب الترجى، وحسين بن عيادة، لاعب النجم الساحلى التونسى، وكلاهما متواضع بدرجة تجعلهما نقاط ضعف دائمة يستغلها الأهلى فى دورى أبطال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وللعلم فإن «بن عيادة» عُرض على الأهلى والزمالك وكلاهما رفضه.
الجزائر التى فازت بالبطولة العربية لم تضم عناصر فردية قوية، باستثناء ياسين براهيمى الذى يلعب السنوات الأخيرة فى مشواره الكروى، وبرز بسبب ضعف المنافسين، وكذلك يوسف البلايلى وبغداد بونجاح، أما البقية فكلها أسماء عادية، ولا تجد بينهما من هو صالح لارتداء قميص الأهلى والزمالك.
لا نقول ذلك تقليلًا منهم، لكن نود تأكيد أن سر تفوق هذه المنظومة كان العمل الجماعى، والكتلة التى يلعب من خلالها الفريق هجومًا ودفاعًا.
تفوقت الجزائر بفضل شخصيتها وإرادتها ومنظومتها، لا بفعل العناصر الفردية، التى لا تفرق كثيرًا عن مصر أو تونس فى تلك البطولة.
هكذا يجب أن يعمل ويؤمن «كيروش» فى بطولة أمم إفريقيا المقبلة، ويدرك أن لدينا قائمة تضم ٢٨ لاعبًا، ويمكنه الاعتماد على أكثر من طريقة لعب، دون التقيد بأسماء بعينها.
إذا أردت مساعدة «صلاح» فقدم له منظومة قوية تحقق الانتصارات، وترفع شأنه بعد ذلك فى الصراع على الألقاب الفردية، أما محاولات «الترقيع الخططى» تفقدنا «صلاح»، وتفقدنا منتخبنا، وتفقدنا كرة القدم التى عرفناها ونحبها.