الكنيسة الأرثوذكسية تحتفل بذكرى نياحة البابا مرقس الثامن
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، اليوم، بذكرى نياحة البابا مرقس الثامن.
وقال كتاب التاريخ الكنسي، المعروف بـ"السنكسار"، إنه من مواليد طما بمديرية جرجا وكان يسمى يوحنا، وكان من أسرة متدينة، وَتَرَهَّب في دير الأنبا انطونيوس، ثم عاش في الدار البطريركية مع البابا يوحنا الثامن عشر، وحضر ما حل بها من ويلات، وبعد وفاة البابا يوحنا وافق الأساقفة على أن يكون بطريركًا على الكنيسة ووقعت عليه القرعة الهيكلية، ورسم بحارة الروم في عهد السلطان سليم الثالث، وفي عهده وصلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، كما حضر هذا البابا السنوات الأولى لحكم محمد علي باشا.
ولم يكن وصول الحملة الفرنسية إلى مصر مكسبًا للأقباط كما قد يُظَن، وإنما جرت عليهم الكثير من الويلات، فبسببها نقل مقر البطريركية من حارة الروم إلى الأزبكية بالدرب الواسع؛ إذ حرقت في تلك الفترة الكنيستان العليا والسفلى بحارة الروم، وكان الميرون الذي عمله سلفه موضوعًا في أعلى دهليز الكنيسة السفلى بحارة الروم فحُرِق، وكان باقيًا من هذا الدهن المقدس في بعض الكنائس بمصر القديمة الذي عُمِلَ منذ عهد البابا متاؤس الثاني ومن أيام البابا يوحنا 16.
وقبل حرق الكنيسة بثماني سنوات في رياسة البابا مرقس انتقلت القلاية البطريركية من حارة الروم إلى حارة الأزبكية. والسبب في نقلها أنه عندما دخل الفرنسيون أهان المسلمون الأقباط بهم، فانتقلت البطريركية إلى الأزبكية في مواضع كان قد بناها المعلم إبراهيم الجوهري قبل وفاته وترجع ملابسات بناء هذه الدار التي أقام فيها البطريرك أن المعلم إبراهيم الجوهري استطاع أن يحصل على فرمان ببناء الكنيسة، وأودعه في القلاية في يدي حبرية البابا يوحنا 18، وبعد ذلك اشترى عدة محلات وهدمها، وبدأ بوضع أساسات الكنيسة وبجوارها أماكن أقام فيها الأنبا مرقس، ولم يكن الحصول على فرمان بناء الكنيسة أمرًا سهلًا، إلا أن المعلم إبراهيم الجوهري استغل مركزه وتقدير السلطة له، وانتهز فرصة قدوم إحدى قريبات السلطان العثماني في زيارة لمصر من القسطنطينية في طريقها إلى الحج، فكان في استقبالها بحكم منصبه الرفيع في ذلك الوقت، وأشرف بنفسه على ما قَدَّم لها من خدمات، وعندما استحسنت الأميرة ما فعل، سألته مقابلًا لما قدمه لها، وهنا التمس منها المساعدة في استعداد فرمان سلطاني بالترخيص بإنشاء كنيسة كبرى في الأزبكية حيث كان يقيم هو أيضًا، كما التمس منها التوسط لدى السلطان أن يرفع الجزية عن الرهبان وغير القادرين، وقبلت رجاءه، وفعلًا صدرت هذه الفرمانات. إلا أن الأجل لم يمهله وكما سنرى في حياته ومات إبراهيم الجوهري ولم يستكمل البناء فأكمله أخوه المعلم جرجس.
وعندما دخل الفرنسيون بحملتهم إلى مصر قامت حرب بينهم وبين العثمانيين في القاهرة بعد ثمانية عشرة شهرًا من وصولهم، واستمرت هذه الحرب أربعة وثلاثين يومًا وكان الصوم الأربعون المقدس، فعمل البابا مرقس جمعة البصخة المقدسة وعيد القيامة في فناء الكنيسة القديمة بحارة الروم لأنها كانت قد احترقت هي وما حولها من محلات وكانت كارثة؛ إذ امتدت يد الحرافيش إلى نهب الكنائس بسبب هجوم الفرنسيين على الممتلكات الإسلامية وإيذاء المسلمين والأزهر، حتى امتد النهب إلى الإسكندرية، فنهبت كنيسة مارمرقس ولم يتبيَّن إلا بعد خروجهم بمساعدة المعلم إبراهيم الجوهري أيضًا وكرسها البابا مرقس على اسم مارمرقص عوضًا عما هدمه الفرنسيين.
وقد روى عن هذا البابا أنه كان شديد الاهتمام بأمر الكنائس والأديرة وإصلاح ما تخرب منها، وكان مقدرًا لمنفعة الوعظ، فثابر على إلقاء العظات بنفسه ولم ينقطع عن التعليم في أي وقت، وقد رسم جملة أساقفة ومطرانًا للحبشة.
اشتهر كذلك بعمل الخير وتقديم الخدمات والإحسان، وكان قصير القامة شديد التقشف، مصفرًا بسيطًا في أكله وملبسة، تنيَّح في 13 كيهك 1529 / 1810 وكان أول من دفن في كنيسة الأزبكية من الآباء البطاركة بجوار المذبح في الكنيسة الصغرى.