متبرعون بالأعضاء لـ«الدستور»: منظومة راقية تخدم آلاف المرضى
تقدم كبير تحرزه المنظومة الصحية فى ملف زراعة الأعضاء البشرية، وهى المهمة التى تبنتها الدولة بهدف إنقاذ أرواح آلاف المرضى المحتاجين إلى أعضاء بديلة ليعيشوا حياة طبيعية بعدما طحنهم المرض. وسبق وشكّلت الحكومة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء البشرية لتولى إدارة الملف وتحقيق تقدم ملموس فيه، عبر تنظيم عمليات التبرع وتأمينها بالشكل الذى يعود بالنفع على المرضى ويحفظ صحة المتبرعين. وعبّر المرضى المستفيدون من تلك الجهود عن سعادتهم بما وصلت إليه المنظومة الصحية فى ملف زراعة الأعضاء، لما له من تأثير مصيرى على حياة الآلاف، مشيدين بحسن تنظيم وإدارة ذلك الملف.
فى السطور التالية، يتحدث عدد من المرضى المستفيدين من جهود الدولة فى ملف زراعة الأعضاء، لـ«الدستور»، حول تجاربهم فى العلاج وكيف أنقذت العمليات حياتهم وجعلتهم يعيشون بشكل طبيعى.
عطيات محمد:نقلت فص كبدى إلى نجلى بعد إصابته بتليف
قالت عطيات محمد، ٤٥ عامًا، إنها لم تتردد فى التبرع بفص من كبدها لإنقاذ حياة نجلها، الذى كان فى حالة مرضية صعبة، وكان يحتاج إلى ذلك التبرع لإنقاذ حياته، موضحة أن ابنها أصيب بمرض الكبد الكحولى، وهو عبارة عن التهاب يسبِّب تليفًا فى العضو نتيجة الإفراط فى تناول الكحوليات على مدار سنوات.
وأضافت أن عمليات التبرع بالأعضاء لمساعدة الآخرين عمل خيرى استثنائى يمنح المريض حياة جديدة لكى يعيش دون آلام ومعاناة، مشيرة إلى أن ابنها الأوسط، البالغ من العمر ٢٨ عامًا، كان يحتاج لزراعة كبد نتيجة توقف عضوه عن عمله الطبيعى.
ولفتت «عطيات»، التى تعيش فى مدينة المنصورة، إلى أنها تبرعت لنجلها بفص كبد ليعيش، كاشفة عن أن حالة نجلها كانت حرجة وكان فى حاجة لزراعة الكبد فى أسرع وقت، وأراد أخواه الاثنان أن يتبرعا، ولكنها رفضت بشدة وأصرت على أن تتم عملية النقل من كبدها. وتابعت: «بعد الذهاب إلى أحد مراكز زراعة الكبد بالمنصورة، خضعت لتقييم صحى ونفسى شامل بالمركز، وبعد عمل الفحوصات اللازمة والتأكد من مطابقة كبدى من حيث فصيلة الدم وحجمها وعوامل أخرى مع حالة نجلى، كتبت التعهد والأوراق اللازمة حتى تتم عملية النقل».
وقالت: «تمت إزالة الكبد المريضة من نجلى، ووضع الجزء السليم منى فى بطنه، وربط الأوعية الدموية والأقنية المرارية بالكبد الجديدة، ونما العضو الجديد بسرعة حتى وصل إلى حجم الكبد الطبيعى وأصبح يؤدى وظائفه بالشكل المعروف»، مضيفة: «حياتى رجعت برجوع صحة ابنى». وشددت على أن عملية التبرع خطوة مهمة فى حياة المرضى لتخفيف معاناتهم وآلامهم الجسيمة، والمبادرات التى تقام حاليًا بالتوعية بالتبرع بالأعضاء محاولة جيدة لتفعيل منظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، لسد العجز فى إيجاد أعضاء من أجل إنقاذ حياة المرضى.
منى جمال: تقدمت بكليتى لأخى الأصغر فنجا من الموت
لحظات قاسية عاشتها منى جمال، التى كان يعانى أخوها من فشل كلوى متأخر، وذلك قبل أن يطرح الطبيب على أسرتها فكرة التبرع بكلية سليمة من أحد الأقارب لإنقاذ حياته.
وقالت: «أخى الأصغر كان على مشارف الموت، وكنا جميعًا فى حالة من اليأس لا توصف، فأنا أعتبره ابنى وليس أخى فقط، لأننى شاركت فى تربيته».
وأضافت: «مع اقتراح الطبيب إمكانية زراعة الكلى لأخى عن طريق متبرع من أسرته، كنت أول المتطوعين لإجراء الفحوصات الطبية للكشف عن مدى تطابق الأنسجة والأوردة لقياس مدى نجاح العملية».
وتابعت: «بعدما تطابقت جميع الفحوصات بينى وبينه خضعنا لجراحة تكللت بالنجاح، وأنا سعيدة جدًا أن أعطانى الله الفرصة لإنقاذ شقيقى»، مختتمة: «فكرة إن ربنا مدينى خيار إنى أقدر أنقذ روح بنى آدم خاصة لو الروح دى من دمك شىء عظيم، وحقيقى شعور يصعب وصفه، والحمد لله على نجاح العملية، وعلى عودة أخى وسط عائلته مرة أخرى».
طبيب: يمكن للشخص الواحد إنقاذ 70 مريضًا بعد وفاته
ذكر الدكتور منصور سيد، الطبيب بقسم الجراحة العامة فى مستشفى بنها العام، أن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم زراعة الأعضاء البشرية رقم «٥» لسنة ٢٠١٠ وضعت شروطًا لتنظيم قبول التبرع بالأعضاء، من بينها ألا تزيد سن المتبرع على ٥٠ عامًا، وأن يكون كامل الأهلية، وأن تتم العملية بإحدى المنشآت الطبية، وفى إطار قانونى.
وأضاف: «يشترط فى عملية التبرع توافق الأنسجة وفصيلة الدم وجميع الفحوصات اللازمة لإثبات سلامة المتبرع وقدرته على التبرع، وملاءمة العضو المتبرع به للمنقول إليه، لأن ذلك يزيد من فرص نجاح زراعة العضو».
وعن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، قال: «التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يسهم بشكل كبير فى علاج المرضى، إذا تم بمراعاة جميع الإجراءات القانونية اللازمة، لكن هناك بعض الأفكار والمعتقدات فى المجتمع التى تحول دون التوسع فى ذلك».
وتابع: «التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو صدقة جارية عن روح المتوفى، ويمكن للمتبرع الواحد أن يساعد نحو ٧٠ مريضًا، لأن التبرع يمكن أن يمثل ولادة جديدة لمريض ميئوس من حالته، بدلًا من ترك العضو ليتحلل فى التراب».
أزهرى: جائز شرعًا.. وأجره عظيم عند الله
أكد الشيخ أحمد ترك، أحد علماء الأزهر الشريف، تأييده مبادرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة من منطلق قوله تعالى: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا»، مشددًا على أن التبرع جائز شرعًا طالما يهدف لعمل الخير والنية الطيبة.
ولفت «ترك» إلى أهمية تطبيق هذه المبادرة ضمن لوائح وقوانين محددة وبعيدًا عن أى أعمال تجارية أخرى، مشيرًا إلى ضرورة الرقابة المشددة حتى تؤتى ثمارها المرجوة فى إنقاذ حياة الأشخاص دون الحصول على مقابل لذلك.
وأشار إلى أن هناك شروطًا لتطبيق المبادرة وتفعيل القانون بشأن التبرع بالأعضاء، يأتى على رأسها موافقة المتبرع وأهله، وأن يترك المتوفى وصية لأهله وأمانة يُسأل عنها بموافقته على التبرع من عدمها.
وأكد أن التبرع يعد صدقة جارية على روح المتوفى، وهو من أعظم الأفعال التى يؤجر عليها الشخص، مرجعًا ذلك إلى أن إحياء الآخرين وإنقاذ أرواحهم له ثواب عظيم عند الله.