قبل أن يأتى الرئيس
هل تكفى محبة المصريين للمشير عبد الفتاح السيسى، وإيمانهم به زعيماً لهذه البلاد، ورغبتهم الجارفة فى ترشحه رئيساً لمصر فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، رهاناً للنهوض بالمحروسة وتجاوز أزمتها الحالية، بل والدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة التى يهنأ فيها المواطن برغد العيش والحياة الكريمة، وكل مؤشرات قياس أداء العمل والإنتاجية تشير إلى أن الوقت الفعلى لعمل الفرد المصرى لا يتجاوز بضع وعشرين دقيقة، من معدل وقت عمل رسمى يتراوح بين سبع وثمانى ساعات فى اليوم؟.
سؤال حتمى، لابد من مناقشته، على خلفية عدد من الحقائق.. أولاها أن المشير السيسى لا يملك عصاً سحرية ستقلب الحال فى مصر إلى الأروع خلال أيام أو شهور، فى ظل معطيات متأزمة تحتاج صبراً وعملاً، وإنما هو قائد يقود البلاد نحو العمل الجاد المخلص، يحتاج التفانى فيه من الجميع، بإنكار ذات وتجرد عن الهوى والأنانية.. وثانياً، هل سنكون على قدر تحديات المرحلة المقبلة، ورهان السيسى على شعب سأله فى استفهام يستفز فيه حماسة التقدم بهذه البلاد إلى الأمام، حينما قال: هل ستبدأون يومكم فى الخامسة صباحاً، كما نفعل؟.. وهل سيشارك الغنى الفقير فى لقمة عيشه؟.. وكلها تساؤلات لا يمكن الإجابة عنها بدوافع عاطفية، ولكنها تحتاج الهمم والعمل الدءوب، من أجل أن يصل الجميع إلى بر الأمان، وتكشف مصر عن معدنها الحقيقى، كرمانة ميزان فى استقرار منطقة الشرق الأوسط، وقاطرة التقدم فيه.
المصريون هم من يرسمون مستقبلهم بأيديهم، وعليهم الاختيار بين العمل والإنتاج لتحقيق طفرة اقتصادية كبيرة فى بلادهم، وبين علو صوت المطالب الفئوية الذى ستكون له عواقب وخيمة، خاصة أن عجلة الإنتاج يمكنها العودة للدوران بقوة، فى ظل استقرار سياسى بعد استفتاء على الدستور، انحاز له المصريون بنسبة مذهلة، وانتخابات رئاسية على الأبواب، وأخرى برلمانية، ومعروف أن الاستقرار السياسى ضمانة للاستقرار على المستوى الاقتصادى.. وقد كانت ثورة 30 يونيو بداية التهيؤ للانطلاق على الطريق الصحيح، بالمساعدات الخليجية التى عززت من تماسك الاقتصاد أمام التحديات التى تواجهنا، لكن ليس بالمساعدات وحدها تحيا الشعوب، لكنا نستهدف، فى العام الجديد، معدلات نمو عالية، تعزز من قدراتنا الاقتصادية، بمزيد من العمل والإنتاج، واستهداف معدلات تشغيل لمواجهة البطالة، وتوفير فرص عمل للشباب، وذلك لن يتم إلا بأيدى المصريين، شريطة أن يهدأ الشارع وأن تُحل الخلافات بطريقة حضارية، بعيداً عن مظاهر العنف والإرهاب. لقد شهد الاقتصاد المصرى خلال النصف الأول من العام الماضى نزيفاً حاداً من الخسائر، غيرت ثورة 30 يونيو من دفته إلى الاتجاه الصحيح، بعد أن بدأ العالم ينظر إلينا كقوة اقتصادية صاعدة، تدفعنا إلى العمل على إعادة البناء، بقدرة على مواجهة التحديات، بعد زوال حكم الإخوان، الذى كان سيقود البلاد نحو الهاوية على جميع الأصعدة، وفى مقدمتها الاقتصاد، الذى شهد ارتفاعاً ملحوظاً فى معدلات الاقتراض الخارجى، وزيادة غير مسبوقة لحجم الدين الداخلى، مقارنة بالناتج المحلى الإجمالى.. ومع المبادرات التى تقودها دول كبرى لمساندة مصر اقتصادياً، فإن الانطلاقة الحقيقية لمصر على مستوى المنطقة ستكون، بإذن الله، خلال عام 2015. علينا أن ندرك أن ثورات الربيع العربى أثرت بالتراجع فى معدلات التشغيل وارتفاع معدلات البطالة إلى 16% على مستوى العالم العربى، من أصل مائتى مليون مواطن فى سن النشاط، مرشحون للالتحاق بسوق العمل، وهذا يعنى ضرورة استحداث قرابة خمسين مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات، وإلا اتسعت هوة البطالة، وذلك لن يتأتى إلا بفتح أسواق العمل العربى أمام راغبى العمل، ورفع معدل نمو الإنتاج إلى 10% خلال هذا العقد، وذلك هو التحدى الكبير، ليس أمام حكومة مصر ورئيسها القادم فحسب، بل أمام كل القادة العرب.
نعود إلى ما بدأناه، من أن العواطف وحدها لا تحقق إنجازاً، بل إن العمل المتفانى والإنتاج المثمر هما ما يدفع إلى الأمام، وتلك مسئولية الجميع، وهنا لابد من اتساق مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية مع متطلبات سوق العمل، والتى شهدت تغييراً ملحوظاً فى العقود الثلاثة الأخيرة، وثانياً، تأمين فرص عمل لائقة للشباب المتعطل وتحقيق آليات متوازنة توفر الحماية للعاملين، مع دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.. وثالثاً، وهو الأهم، فإن السعى للعمل والانكباب عليه، وإيمان الفرد بأنه شريك فى نجاح بلاده والنهوض بها، فى ظل تكافؤ الفرص الحقيقى، ضرورة حتمية، وإلا سنكون كمن يحرث فى البحر
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.