جماعة فرقت.. بين المرء وزوجه
جلس الرجل قبالتى يسألنى: ماذا أفعل، وقد أصبحت وحيداً فى بيتى، رغم وجود زوجتى وأولادى من حولى، الذين اجتمعوا على موالاة الإخوان والمشاركة فى مظاهراتهم، ووصل البعد بيننا حد الانفصال النفسى والاجتماعى، وبت أنا النغمة النشاز فى بيت أصبح من فيه يلقبوننى بـ «الانقلابى».. يحدث هذا- يواصل محدثى- رغم ما كان فى بيتنا من ألفة ومحبة، وتفانٍ منى فى القيام على راحتهم وتحقيق كل طلباتهم، حتى ولو كانت لبن العصفور.. كيف أتصرف؟.
سألته: وكيف ومتى بدأ هذا التحول؟.
قال: إن لزوجتى إخوة معروف عنهم الانتماء إلى جماعة الإخوان، لكن لم يكن لذلك تأثير على بيتنا إلى أن تم عزل مرسى وتفجر العنف فى الشوارع وتسترت العمليات الإرهابية كثيراً فى شكل مظاهرات.. وجدت زوجتى وقد انتقبت وأدمنت على مشاهدة قنوات «رابعة» و»اليرموك» و»الجزيرة»، وغيرها من الفضائيات العميلة التى تزور الحقائق، حتى بات محرماً على أى فرد فينا مشاهدة غير تلك الفضائيات، وازداد بيننا الشجار، بعدما دأبت على النزول إلى مظاهراتهم بالشوارع، دون إذن منى.. وبما أن الأم هى الأكثر تأثيراً فى بناتها، فقد جذبتهن إلى صفها وصرن مثلها، وسرعان ما قلبت حال ابنى، بعد مقتل زميل له فى كلية الهندسة، وذهبت إلى أكثر من هذا، عندما هجرتنى فى الفراش، باعتبارى كافراً وخارجاً عن الملة.. هل رأيت مصيبتى؟!.
والحقيقة، أن ما رواه لى الرجل لم يكن غريباً على مسامعى، بعد أن بات ذلك مشهداً متكرراً فى العديد من البيوت المصرية، التى فرق فيها الإخوان بين المرء وزوجه، وبين الرجل وولده، استغلالاً لقصور الفهم عند من لم يدرك حق الزوج على زوجته أو وجوب طاعة الولد لوالده، وغياب هؤلاء عن إدراك الحقيقة الغائبة عنهم فى فكر الجماعة التى لم تدع إلى دين بقدر ما تصبو إلى دنيا السياسة والمُلك، ووقوع هذه الأطراف فريسة لإلحاح إعلامى يشوه الحقائق، ومنابر فى زوايا خاضت فى السياسة أكثر من حديثها فى أمور الدين وعلاقتها بدنيا الفرد المسلم، وقف عليها خطباء تحزبوا وصار تحزبهم هذا أصلاً وقاعدة فى المساجد، أدى إلى التفريق والصراع بين أبناء المجتمع الواحد، بخطب سياسية على المنابر، يلفها الجهل بالدين والفقر العلمى، وبدافع من رغبة البعض فى الشهرة على طريقة «خالف تُعرف»، وبالتالى لم تحقق المنابر هدفها فى الدعوة، بقدر ما كانت وبالاً على المجتمع، فى وقت غاب فيه الأزهر والأوقاف عن متابعة ما يدور فى المساجد والزوايا، خاصة بين البسطاء من الناس الذين ينجرفون ناحية ما يقال عليها، بلا وعى وبدون تفكير.
من هنا، فقد بات تطوير الخطاب الدينى ضرورة مستمرة، خاصة مع ديننا الذى جاء ليناسب كل عصر، ومعه يتطور العالم كل لحظة، وتتطور مشكلاته وتتنوع بشكل يحتاج إلى حلول جديدة، هذه الحلول تحتاج إلى تطور فى الفهم والفكر.. لذلك فإنى أُثمن خطوة وزارة الأوقاف نحو توحيد الخطبة على المنابر فى كل جمعة، مراعية فى ذلك، التنوع بين البيئات والثقافات، بمعنى أن يتعلق التوحيد بالموضوع فقط، أى عنوان الخطبة، ثم يتناوله كل إمام بحسب ثقافة من أمامه من جموع المصلين، فإذا قام بضرب أمثلة على صواب كلامه، تناول أمثلة من البيئة والواقع الذى يقع المسجد فى محيطه، وبالتالى يحدث التواصل بين ما يُقال على المنبر وبين فهم الناس له.
لقد وصلت المساجد فى المرحلة الماضية إلى حالة من التشرذم السياسى، وصارت عاملاً أساسياً فى أسباب الانقسام الاجتماعى، وأدخلت البلاد فى معترك إرهابى خطير، وصل حد الحرب فى سيناء على يد من يسكنها من الجماعات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة، والتى يتشيع لها أولئك الذين لعبت المنابر المضللة دوراً فى عقولهم، فقدوا بعده التمييز بين الخطأ والصواب، ونسوا أن دم المسلم على المسلم حرام.. وأرى أن هذا هو العصر الذهبى للتنسيق بين الأزهر والأوقاف والإفتاء، فى مجال الدعوة وتكوين القوافل الدعوية للعمل بين الشباب وتجمعاتهم فى مراكز الشباب والمدارس والجامعات بالمحافظات، وبخاصة فى تلك التى أفرزت فترة غياب الدور التنويرى عنها، طوابير من الجهل الدينى، دفع إلى التطرف الأعمى.
وتبقى، مع ذلك، وسائل الإعلام، فرس الرهان فى هذه المرحلة، بما يمكن أن تقوم به من تعرض تلقائى لأفراد المجتمع، أينما كانوا، بخطاب إعلامى دينى وسطى، يعالج جهل العقول ويرد الضالين إلى حظيرة الوسطية، ويدعو إلى معانى الحق والخير والجمال، ومنها الولاء للوطن والانتماء لترابه، بعيداً عن الجماعات والمذهبيات التى لم تجن البلاد من ورائها إلا الخراب والدمار، وهددت وحدة المجتمع وتماسكه، وهذه مهمة لابد أن يضطلع بها كل الإعلام، على مختلف وسائله وملكياته، لأننا نعيش على أرض واحدة، والكوارث لا تفرق بين أحد وآخر.. لا قدر الله
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.