رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة المنطق.. ومواجهة قوة الذكاء الاصطناعي

بالاقتراب الحذر من فلسفة المنطق، تتوالد في العالم الكوني، غايات وبيانات ومؤشرات تدل على مواجهة؛ تحيلنا إلى مفاهيم   وقوة الذكاء الاصطناعي. 
كيف نتحسس ذلك، على الاقل في عالمنا المتاح اليوم؟ 
.. هل يتخيل صديقي الاعلامي(...) ، اي أعلامي وصحفي، يعيش في بلادنا، ان منظومة "الذكاء الاصطناعي"، تغتال شخصية وتكشف برنامج اليومي، حتى لو كان ضمن أشد الخصوصيات، العائلية او في العمل. 
.. هناك من يعيد طرح الاسئلة:
من ينتج هذه "التقنية" ويديرها؟ 
.. هل الذكاء الاصطناعي، تقنية ام برامج، ام مجرد قوة أمنية متشابكة، انفرط عقدها فدخلت دنيا الصناعات والإعلام والتربية والزراعة والتعليم العالي. 
.. فرجينيا دي جنوم، وعبر مجلة Nature, نبشت في أصول نظرية وعملية، بعنوان :كتابان يطرحان رؤى مكملة لبعضها حول الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي. 
وعللت القراءات بأنها تريد أن ترى أدوار الذكاء الاصطناعي "في رسم ملامح المجتمع".
التكتاب الأول "معضلة  الانحياز: تعلُّم الآلة والقيم الإنسانية" للباحث الأميركي "برايان كريستيان"


، وأما الكتاب الثاني، الاوصح في تخصصه، فهو بعنوان:"أطلس الذكاء الاصطناعي: القوة، والسياسة، والثمن الذي يدفعه العالَم لقاء الذكاء الاصطناعي"لمؤلفته" كايت كروفورد" من اقطاب مختبرات  جامعة ييل.

.. بدون الدهشة، تحسس الجمال، عناق الأنثى، الاستماع إلى الأصوات ورهافتها، انطلاق صواريخ عابرة القارات، تنظيم السفر الجوي، الزراعة الحيوية، الكتابة المجنونة،.. و صولا  إلى صناعة السينما، والموسيقى، التطبيقات المصارعة… الخ.. علينا أن نضع اصبعنا على حقيقة (تغلغل الذكاء الاصطناعي) في كل  جوانب حياة الإنسان في الكون، البلدان والقرارات والفضاء الكوني، كل ما نحس او نرى، أو حتى نحلم به..!. 
الكتب، لمجرد انها تحتمل الأبحاث، وتحاول التواصل بجدية عالية، وعلمية، تقف، مصدومة من قدرة "الذكاء الاصطناعي"، فهو يحدد لنا ما علينا أن نقرأه وما علينا أن نشتريه، ما يجب أن نأكل، وكيف نكتب، ومتى، ويرتبط معنا بحيوية وربما يتدخل  في حميمة بعض الأمور العائلية، أو الأساسية في العلاقات الاجتماعية. 
.."دي جنوم"، وجدت في ملخصات الكتب الحديثة، ما يحرك عشرات المفاهيم العلمية، أو السياسية، أو الأمنية، أو حتى طبيعة الأحداث ومثيرات عمليات التدريب والتأهيل:.. فال"قرين" في مصفوفات الذكائ الاصطناعي، هو ذاتك، مجمعة ومفرقة، تنال منك، تكشف ما إذا كنت  ستحصل على  الوظيفة التي تفكر بالتقدم إليها. ، أو ذاك  العمل القاهر سعيا وراء القرض، أو مخاطر  الرهن العقاري،  أو  احتمالات  إذا كنا سنتلقى الإعانات، أو نوعية المطاعيم، وتأثير جائحة كورونا علينا. 
.. في مختبرات الهندسة الصناعية، اقتربنا من الجيل الثالث من اتمتة ذكية، تحيلنا  إلى كيفية، ان نتمكن من الاعتماد على تطبيقات خلوية، دورها ان تكون على دراية بكل من  يُشخِّص  الأمراض، ويدعم العمليات الديمقراطية، في الانتخاب والترشك، ويقوم بدور أمني، يقوضها من جذورها.. للأسف! 
… نحن في مكاتبنا، أو في جزيرة نائية، أو داخل قاعة العاب وجمنازيوم،.. ووفقا لما تراه "دي جنوم".. عندما قالت بلغة رقمية صارمة:"والآن" ، يطرح كتابان جديدان رؤى مكملة لبعضها البعض حول الدور الذي يلعبه من يخلِّقون نُظُم الذكاء الاصطناعي، ويستخدمونه ويديرونه لإعادة تشكيل ملامح المجتمع.

.. وعن كتاب "معضلة الانحياز" The Alignment Problem، تقول:يقدم لنا الكاتب برايان كريستيان نظرة من كثب على واقع الأشخاص الذين يصنِّعون تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي؛ أي على أهدافهم، وتوقعاتهم، وآمالهم، وتحدياتهم، وحتى إخفاقاتهم التي يواجهونها. ويستهل كريستيان كتابه بالحديث عن جهود والتر بيتس في مجال التمثيل المنطقي لنشاط الخلايا العصبية في أوائل القرن العشرين. ويسرد أفكار باحثين ومهنيين في مجالات عدة، بداية من العلوم المعرفية، حتى الهندسة. كما يعرض أهدافهم، ونجاحاتهم، وإخفاقاتهم. أما كتاب "أطلس الذكاء الاصطناعي" Atlas of AI، من تأليف كايت كروفورد، الباحثة واسعة التأثير، فيتناول الطرق التي يتدخل بها الذكاء الاصطناعي فعليًّا في حياتنا، ويستعرض مظاهر ذلك التدخل.
.. وتضيف:ويُبيِّن الكتاب أن الذكاء الاصطناعي هو صناعة قائمة على استخلاص الموارد واستغلالها، بداية من المادة، ومرورًا بالعمالة، ووصولًا إلى المعلومات.

.. المهم، المثمر في هذا الأمر، ان الباحثة، تراجع كيف يحلل الكتابان الكيفية التي تؤثر بها قوة العالَم الرقمي، ونفوذ مَن يديرونه كذلك، في تغيير مسارات السياسة والعلاقات الاجتماعية.
 يشير الكتابان إلى نماذج بديلة تبَنّاها البعض لإدارة هذه الاضطرابات التي خلقها العالَم الرقمي، مثل فرض الرقابة من جانب الدولة في الصين، أو جهود الاتحاد الأوروبي التنظيمية في ذلك الصدد. بيد أن الكتابين يركزان في الأساس على التجربة الأمريكية. ولذلك، فهما يستدعيان تتمة لكل منهما، تدور هذه المرة حول سبُل المضي قدمًا.

.. لعنة الأمن والقوة والسلطة، جعلت البحث الرقمي، يتتبع" كريستيان" رحلة تطوُّر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، منذ أنْ كان مجرد حلم، إلى أن فَرَض وجوده، كجزء لا يتجزأ من الواقع في كل مكان. وهو يشرح  كيف يحاول الباحثون تدريب الذكاء الاصطناعي على فهْم القيم الإنسانية، مثل الإنصاف، والشفافية، والفضول، بل وعدم اليقين.

.. كتب الذكاء الاصطناعي، تحتفي بالتجارب الإنسانية، فمثلا"ريتش كاروانا،" الذي يشغل الآن منصب كبير الباحثين الرئيسيين لدى شركة "مايكروسوفت" Microsoft في مدينة ريدموند بولاية واشنطن الأمريكية، والذي طُلب منه - وقتما كان طالب دراسات عليا - أن يلقي نظرة على ابتكار سيصبح فيما بعد من صميم عمله لبقية حياته، يتمثل في تحسين سبُل تجميع البيانات وضغطها، لصنع نماذج بيانات مفهومة ودقيقة.
.. وفي كتاب كريستيان، جولة او نزهة ممتعة، سيرا على الشاطئ بصحبة "مارك بيلمير،" الذي قاد جهود ابتكار تقنية التعلُّم التعزيزي في أثناء عمله على تطوير الألعاب الخاصة بنظام "أتاري" Atari، قبل توليه منصبه الحالي لدى شركة "جوجل ريسيرش" Google Research، في مدينة مونتريال بكندا.

.. هل حقا تلعب التطورات التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناعي، ما يمكن أن نطلق عليه تأثر بالقيم المجتمعية، أو  تؤثر عليها؟. 
كتاب "معضلة الانحياز" The Alignment، يحدد Problem سؤاله الجوهري: ما الذي يمكن فعله، كي نضمن أن تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي معاييرنا وقِيَمنا، وأنْ تفهم ما نعني، وتفعل ما نريد؟ فلدينا جميعًا مفاهيم ومتطلبات مختلفة حول ما ينبغي أن تفعله تلك الأنظمة.
يرجع البحث إلى معضلة منطق او فلسفة ما يحدث، ويؤكد ما قاله عالِم الرياضيات" نوربرت وينر" في عام 1960: "من الأفضل لنا أن نكون موقنين تمامًا من أنّ المعطيات التي نملأ به الآلة تعبر عن الغرض الذي نرغب في تحقيقه فعلًا".

بحسب  دي جنوم، يكشف كتاب كروفورد الوجهَ القبيح لنجاح الذكاء الاصطناعي؛ وتعلل ذلك بقولها:" يأخذنا في رحلة حول العالَم، لاستكشاف العلاقات بين الأماكن، وتأثيرها على البِنْية التحتية للذكاء الاصطناعي. وننطلق في تلك الرحلة من ولاية نيفادا الأمريكية، وصولًا إلى إندونيسيا، وهي أماكن يجري فيها استخراج مادتَي الليثيوم، والقصدير، المهمّتين في صناعة أشباه الموصلات، وهي صناعة تتأتى بتكلفة بشرية وبيئية عالية. بعد ذلك، نصل إلى مستودع تابع لشركة "أمازون" Amazon في ولاية نيوجيرسي الأمريكية. وهناك يكدح العمال مذعنين لإرادة الروبوتات وخطوط الإنتاج، بدلاً من أن يتكيف التشغيل الآلي مع إيقاع العمل البشري"
.. حقا، هذا ما يجري، وهو مقصود، كتجارب لمختبرات سرية، اذا ما نظرنا إلى خطورة التحولات ونتائجها، ولكي يوضح يلتقط الكاتب الأصيل  إيماءة مثيرة للقلق لفيلم "العصر الحديث" Modern Times، الذي صدر في عام 1936، من إخراج شارلي شابلن، نشهد بأعيننا المصاعب التي تولِّدها أنظمة التشغيل الآلي الكاذبة، وهي أنظمة تشغيل يفترض أنها آلية، لكنها تعتمد بشكل كبير على الجهد البشري، كذلك الذي يبذله العمال الذين يتقاضون أجورًا أقل من الحد الأدنى، لقاء العمل في مَزارع تصنيف البيانات.

.. ما جاء في كتاب "كروفورد"، يعزز  رؤيتها عندما وضعت  (رسالة تذكيري)، تلفت الانتباه إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس موضوعيًّا، أو محايدًا، أو صالحًا لكل الأحوال، بل تنشأ جذوره من ثقافة صانعيه، وواقعهم الاقتصادي، وأغلب هؤلاء من الرجال البيض والأثرياء الذين يعملون في شركات وادي السيليكون في كاليفورنيا.

.. من منا فكر طويلا، في المخاطر التي تشوب استخدام الذكاء الاصطناعي وتطويره في الوقت الراهن، و الفروق الجوهرة  التي تفصل بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة "الكلاسيكية". وبالتالي، فإن قراءتهما جنبًا إلى جنب تسلط الضوء على ثلاث قضايا أساسية، هي: الإفراط في الاعتماد على التنبؤات العشوائية المدفوعة بالبيانات، والقرارات الآلية، وتمركز القوة. 
.. الإعلام والصحافة وصناعة الترفية والسينما والفصائيات، باتت اكثر اقتراب، من منظومة الذكاء الاصطناعي، السبب أن استخدام البيانات في صياغة القرارات، الأحداث، الاخبار، حركة النشر والتوزيع، بشكلها الرقي والاهلي واليدوي،  غالبًا ما يتجاهل السياقات والعواطف والعلاقات التي تنطلق منها الخيارات البشرية بصورة جوهرية، وأحيانا مؤلمة .


.. "دي جنوم"، لا تخاف عندما تقر :أن معظم أساليب الذكاء الاصطناعي يضع القوة في أيدي أولئك الذين يملكون البيانات والقدرة الحوسبية على معالجة تلك البيانات وإدارتها. وهي في الغالب شركات التكنولوجيا الكبرى، أي كيانات خاصة لا تخضع للعمليات الديمقراطية وتوزيع السلطة. وهنا تصبح الحكومات والأفراد مجرد مستخدمين غير متحكمين في كل هذه العمليات. وهو تحوُّل له عواقب هائلة، ويملك قدرة على تغيير وجه المجتمع.

.. تثير الكتب، أسئلة الخوف من استشراف المستقبل الرقمي، وفق مصفوفات الذكاء الاصطناعي، ونحن مع السؤال :
ما العمل إذَن؟. 
عمليا، في بلادنا، نحن مجرد اثنين:"متلقي". 
او "مشغل"، ولا نستطيع، ان نحدد ما نريد، فغالبا، ما نضع داتا من المعلومات، لكي مشتت الآخر، فنتستت إلى وقت أحداث التغيير، إلى جانب ما يمكن بذله من جهود لتنقية البيانات من التحيز، وعدم المصداقية، وتفسير القرارات، التقنية التي تتخذها الخوارزميات من خلال الحلول التكنولوجية، لا الفكر الإنساني، أو التراث البشري من العلوم، أو فعل الثقافة و التثقيف الذاتي او  خلق التغييرات الاجتماعية. 
.. قوة الآتي من تدخلات الذكاء الاصطناعي، تضعنا على نبض ضاغط لكي يفجر الكون، في أي ممارسة ذكية، اكثر مما ينبغي، وبالتالي، لماذا نطحن المنطق، ونغلف جواهر العقل.