في انتظار صناعة الحب داخل كعكة "عيد ميلادي"
هناك بعض الذكريات التي لا يمكن أن تختفي خلف أعباء الحياة التي تكبر وتتوحش مع سنوات عمرنا، ذكريات طفولة تحبسك بداخلها، خاصة إذا كانت تتعلق بأمنية لم تتحقق بعد، ذكرى ارتبطت بيوم يتكرر كل عام، تجعلك في حلقة زمنية لا يمكن الخروج منها.
لا أستطيع طرد هذه الذكرى من عقلى رغم مرور 28 عام عليها، أتذكر اليوم جيدًا، كان يبعد عن عيد ميلادي بأحد عشر يومًا، كان يوم عيد ميلاد خالي الأصغر بين أشقائه والأقرب لهم جميعًا، وأمي كانت تتجهز لهذا اليوم بشكل استثنائي، فهو عيد ميلاد ابنها الأكبر – هكذا كانت ترى خالي.
زينة الاحتفال بيوم ميلاد خالي تغرق بيت جدتي بأكمله، ونحن الأحفاد كنا نبتلع المنزل ونهضمه من كثرة عددنا، فكل مننا يلهو ويصرخ ويجوب بالمنزل، دون الانشغال عن التفكير في امر واحد " تورتة خالو" تلك التي تعدها خالتي، على نحو خاص ومميز، فخالتي كانت ملكة كعكات أعياد ميلاد العائلة.
الحقيقة أنا لم أهتم كثيرًا بـ"تورتة خالو"، فعقلي كاد ينفجر من الانشغال بانتظار وفاء أمي بوعدها عندما طلبت منها كعكة لعيد ميلادي.
"هنعمل عيد ميلادك مع خالو يا يويو" هكذا استخدمت امي درع للدفاع من أسلحتي الفتاكة في الزن والبكاء، مؤكدة أنها ستحضرهذه الكعكة اللعينة يوم عيد ميلاد خالي، بعدما أوصت خالتي عليها.
ذهبت يوم حفل خالي منفوشة الجناحين، يملكني غرور "وعنطزة" انطلاقًا من كون الحفل على اسمي أيضًا، كنت أجري والعب ولكن في عقلي اتسأل "لماذا لم يهنأني أحد؟ لماذا يتجاهلني الجميع؟ ما هذا.. خالي بطل اليوم؟ يا رفاق مرحبًا.. هل تعلمون أنه حفل لي أيضًا؟.. لا لا بالتأكيد ليس تجاهل، هم ينتظرون أن يفاجئونني عندم تصل ملكة الكعكات.
"ها هو صوت السيارة التي انتظرها وضوضاء نقل الحقائب أسفل شباك منزل جدتي، أخيرًا حضرت خالتي وابنائها يحملون كعكتي.. نعم هي كعكتي أنا فقط" جلست كعادتي الباقية معي حتى اليوم اتظاهر بالرصانة وعدم الفضول في انتظار دخول الكعكة الخاصة بي.
"اممم، ربما حفرت عليها اسمي؟ يمكن أن تكون وضعت شمعة ترمز لعمري؟ ما هذا الصوت الذي يخرج من صدري"، لم اكن ادرك وقتها معنى خفقان القلب تشوقًا لاستقبال الحب الحقيقي، واستعدادًا لتحقيق الحلم، هذا الحب الذي سيأتيني في كعكة.
دخلت ملكة الكعكات ومعها كعكتان كبيرتان، أحرزت انه ربما تكون الثانية لي، "لا بأس سوف أرضى بأي منهما، لن أزعج أمي ثانية بالاختيار بينهما.. فهي تتحمل ما يكفيها".
كانت خيبة أملي الأولى – ربما لذلك لم انساها- لم يكن لي اي واحدة منهما، فخالتي بدلًا من إحضار كعكة كبيرة، وضعت قطعة كعك إسفنجية قامت بتفتيها بشوكة في صحن معدني صغير " لم يتجاوز الـ7 سم" ووضعت على وجهها قليل من الكريمة وقطعة كريز واحدة "ما هذا الإهمال ألم تعلم أنها حفلتي؟!".
جاءت خالتي وهي تحمل هذه "الكعكة" مبتهجة ولديها شعور بالإنجاز، إنها ستخلص شقيقتها من زن الطفلة المزعجة التي يتجنب الجميع إغضابها، قالت: "ادى يا ست آية التورتة بتاعتك"، أتذكر ابتسامتي التي أخفي بها كل شيء حتى اليوم، يعتبرها البعض ابتسامة رضا، والبعض يقول ابتسامة حزينة، في الحقيقة أنا أعتبرها تحركًا لا إراديًا لعضلات لفكي أخفي به امتعاضي، شكرت خالتي وأمي ولم أبد أي اعتراض.. على كل الأحوال هي محاولة.
جلست طول الحفل أنظر إلى كعكتي خالي الكبيرتان، ولن أخفيكم سرا لم اكن من الأطفال مدمني الحلوى، ولم أكن انتظر أن اتناول الكعكة وحدي، ولم يكن داخلي شر الأطفال الممتع لإغاظة باقي أحفاد العائلة، ربما أكثر ما كنت سأفعله تناول بعض الكريمة وقعطتين من الاناناس، كنت انتظر فقط ان أملك كعكة خاصة بي، واقوم بتقطيعها وتقسيمها على الجميع لاقول لهم " هكذا صنعت امي لي حباً".
ومنذ هذا اليوم انتظرت أعوامًا كثيرة أن يأتيني الحب في كعكة، كان آخر عيد ميلاد لي في طفولتي ومراهقتي.
أذكر مرات قليلة احتفل البعض بعيد ميلادي، بعد أن أصبحت في العشرينيات، ولكنها احتفالات لم أشعر فيها بصناعة حقيقية للحب، نعم تلقيت الكثير من الهدايا في عيد ميلادي بعضها رمزي وبعضها باهظ، ولكن لم أشعر فيهم سوى بتأدية للواجب.
كنت دومًا أبذل الكثير والكثير في أعياد ميلاد الأخرين ليس لأنه واجب أو لسعادتي في منح الهدايا أو إسراف في أموال "الحقيقة لا أملك سوى حق هذه الكعكة"، ومع ذلك كنت حريصة على أن أكون صاحبة شراء الكعكة لأنني اعتقدت أنها صناعة حقيقية للحب.
يقول البعض إن لم تحصل على صناعة الحب من الآخرين إصنعه لنفسك، حاولت العمل بهذه المقولة مرات، ولكنني في كل مرة كنت أجد أنني أجيد صناعة الحب للآخرين فقط، ليس إيثارًا للآخرين عليّ، أو انطلاقًا من إكليشيه "عيبي إني طيبة"، ولكني في كل مرة كنت أصنع الحب فيها، أنتظر أن يأتي يوم مولدي وأجد حبًا مخبوزًا بجهد وتعب ومشقة، صناعة حقيقية تلخص كل معاني الحب في "كعكة".