عن أى ألم.. وأى وهم يغلف حياتنا
يحيلنا عديد الأزمات في حياتنا المعاصرة، إلى تصديق نظرية، خلصتها، أن أي شعور بالألم، هو "من صنيع عقلك"، وبالتالي: هناك قدرة بشرية لرصد تأثير ممكن وخطير لسيادة ما يعرف بـ«العلاج الوهمي».. الأزمة، في أي شكل تأتي، أو تتفشى، أو تخص كائنًا ما، دون غيره، أو تتحول إلى جائحة مثل أزمة فيروس كورونا، كوفيد-19، خلقت الألم، بل مصفوفة خطيرة من التداعيات المرضية، جسديًا، نفسيًا وعصبيًا.
ذات الأمر، مع أزمات النزاعات السياسية والامنية والحروب، وهي ما ينشأ عنها متواليات من الوهم والمرض، إلى حد الانهيار والشتات، وظهور عوامل تضاعف مشاعر الأمراض النفسية والعصبية.
يقع الإعلام والصحافة، والفكر والثقافة والفنون، في وسط مصفوفة الألم الذي هو خلاصة ردود الأفعال، والعين التي ترصد ما يحدث في كل لحظة من أحداث العالم، وتحديدًا، أزمات تنتج من سوء البيئة وتدهور المناخ، والتصعيد السياسي، والحروب الصغيرة، التي تكبر وتكبر لتصبح ويلات، إطارها ما يولد الألم.. فالخوف، والصدمات وخلق مختلف أشكال ضياع البشرية، إذ يقف العالم مشلولًا أمام طرق المعالجة.
رؤى متباينة، منظمات تعمل في مسعى ضبط الأمن والسلم، تصطدم بواقع لا ينسى الشكوى من الألم القاتل.
علميًا، وأكاديميًا، التوقعات تحكم تصوراتنا عن الألم!
طبيًا، كل من يستطيع أن يتناول حبة دواء، يظن أن لها تأثيرًا مسكنًا للألم، غالبًا ما يعبر عن شعور بالراحة، وهي نتيجة مؤقتة، فالدواء لا ينفي وجود الأزمة.
وضع عالم الاستجابة النفسية د. لوك هندرسون، من جامعة سيدني في أستراليا، دراسة خلصتها، أن:
"العلماء يعرفون تأثير العلاج الوهمي منذ أمد بعيد، وكذا نقيضه المسمى تأثير المرض الوهمي"، في إشارة إلى أن: "الذي يزيد حدة الشعور بالألم،- في بعض الحالات- إذا كان الشخص يتوقع أن ألمًا سوف يلمُّ به".. وقريبًا من هذه المحاولات الصحية، عرف عالمنا، وربما بالقرب منا، عديد التجارب الفنية والثقافية، التي تعتمد على نظريات العلاج عبر الفنون، كالرسم والتصوير والنحت، أو تنمية المواهب الأدبية والكتابة وتعزيز ملكات الموهبة المتسيدة عن المرضى، منهم الأشخاص الذين اغتالهم المرض النفسي والخوف والرعب، نتيجة الحروب، أو تفشي الأوبئة والفيروسات، في ظل نقص الرعاية الاجتماعية والتنمية المستدامة، أو الموئل الذي يحفظ الحياة والعيش الكريم... مثل تتبع وتقصي الصحفي قضية ما، أو تخطيط واسكتشات الفنان التشكيلي، أو خرائط الأعمال السردية كال وآية والمسرح والقصص، فالعلماء، أدركوا أن عليهم تتبع "الدوائر العصبية الدماغية"، التي لها وظائف التقاط الشعور بالألم، ما يؤدي إلى تسكينه، أو- وهذه حتمية بشرية- زيادة حدة الشعور بالألم، أو أن تكون مشاعر المريض- الإنسان في ظل الأزمة، ذلك الشعور محايد التأثير، أو غير واضح حجم الاستجابة، التي تختلط فيها مثيرات الألم، من كوابيس، ومخاوف، وملاحقة، وقرف، واستشراء ضاغط يزيد من أثر معاناة الإنسان من أزمات العالم، بحيث يعيش دوامة من الانهيارات، والتعافي، تعقبها الرجوع إلى الخوف من أدوات التصدي، كما في تداعيات جائحة كورونا، التي جعلت الإنسانية تعيش القلق واللاجدوى، لتنشأ سلسلة من توهم الأمراض، بكل دافعها المحلية أو الدولية، فازدادت حدة الأوهام الوجودية، في عالم انفصل عن ألم الناس، إلى الركون لمنصات إلكترونية ورقمية لضبط مصائر المجتمع في ظل التباعد الاجتماعي الجسدي، وأشكال الحظر.
تعاين محاولات المجتمع الصحي والطبي، بعض النتائج التي كشفتها صور الأشعة على الدماغ الإنساني، والتى أظهرت عن مديات ارتباط تأثير العلاج الوهمي بزيادة في النشاط العصبي لإحدى مناطق جذع الدماغ، وتراجُع النشاط في منطقة أخرى، ما يفسر كيف تستطيع الموسيقى او الرسم، إبداع بعض الانعكاسات من التعافي المؤقت، نتيجة تأثير المرض الوهمي، الآتي جراء تُنظم الخلايا العصبية في جذع الدماغ، إشارات ومحددات الألم داخل النخاع الشوكي، هي من صلب قوة وضعف الحيوية والدافعية عند الإنسان، وفي حالة الوهم، تندفع رواسب نفسية وعصبية، تزيد من حدة توهم الألم، وأحيانًا تؤدي إلى العجز، أو الاندفاع نحو قرارات توهم الشفاء، عبر الانتحار، أو العنف، أو الانزواء.
الوهم حالة تصيب الإنسان الطبيعي في مقتل، فالطاقة السلبية، تنال من قوة النفس والروح، هنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني، والإغاثة، التي عليها واجب الحماية أولًا.
.. وأيضًا، توهم المرض، يقتل دافعية الإنسان، ربما يلجأ الى أشكال من العلاج الشعبي، أو التزمت الديني، والكون إلى التطرف والانحدار نحو الجماعات التكفيرية، أو التي يراها، في طريقها لوضع سبل الخلاص لتداعيات البشرية.
هناك حبة دواء تقوم على خلاصة السكر أو بعض المكملات التي لا تضر، بل تصنع الوهم بالعلاج المستحيل.. وهذا واقع سلبي، يجب أن يضع له الحلول التي تتشارك بها وسائل الإعلام مع الفنون والثقافة، لتتيح لمجتمعات الأزمة، طريق النجاة.