ماذا سيحدث لو سقط أبى أحمد.. إثيوبيا إلى أين؟
"فورين أفيرز"، غامرت خلال الأشهر الماضية، فركزت على مجموعة من الدراسات الاستراتيجية، في جيوسياسة وأمن ومستقبل إثيوبيا، في ظل سلطة ديكتاتور جديد، يعبر التاريخ الإثيوبي، ليترك سقوطة البلاد في حالة يرثى لها.
بعنوان "البقاء على قيد الحياة- ماذا سيحدث لو سقط أبي أحمد؟" كتب الباحث الأمريكي، "نيك تشيزمان"، بمشاركة الباحث الإثيوبي "ويوهانس ولد مريم"، دراسة استشرافية، انطلقت منها، بحثا عن بداية النهاية، لفشل" أبي أحمد" في حكم إثيوبيا.
تحلل الدراسة، العنف والعنجهية التي يتعامل بها جيش أبي أحمد، وتستند القراءات على "هجوم على قوات المتمردين التيجرانيين التي تسيطر على جزء كبير من منطقة تيجراي الشمالية في البلاد وجزء من منطقتي أمهرة وعفر المجاورتين. كان هدفه هو إجبار المتمردين على الوقوف في موقف أخير على أرضهم، وفي النهاية أنهى حربًا استمرت عامًا كاملًا أودت بحياة الآلاف وشردت أكثر من 1.7 مليون شخص. وبدلاً من ذلك، يبدو أن المناورة قد أتت بنتائج عكسية. لم يقتصر الأمر على فشل القوات الإثيوبية في التقدم، بل عانوا سلسلة من الهزائم التي تركت العاصمة أديس أبابا مفتوحة للهجوم- مما أجبر أبي على إعلان حالة الطوارئ هذا الأسبوع ودعوة السكان لحمل السلاح للدفاع عن المدينة".
على ذلك، تسوق "فورين أفيرز" المجلة الأمريكية، التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية- تعد أهم خلية تفكير مستقلة متخصصة في السياسة الخارجية الأمريكية- ذلك أن رؤيتها، قالت: "حتى لو نجح هجوم أبي العسكري، لكان سيواجه تحديًا كبيرًا في إعادة دمج تيجراي واستعادة الشعور بالهوية الوطنية. والآن بعد أن ظهر على حافة الانهيار"، وتؤكد أن ما أثاره: "رئيس الوزراء تساؤلات حول قدرته على الحكم، وربما وجود الدولة الإثيوبية في شكلها الحالي".
ولعل أخطر ما يجب التوقف عنده، في ظلال الدراسة، هو تقديمها رؤية ذكية بقولها صراحة: "يتمثل التحدي الأساسي الذي يواجهه أبي في أن قوى الطرد المركزي في إثيوبيا قد نمت أقوى من قوى الجاذبية المركزية. بالإضافة إلى تيجراي، استمر عدد من حركات التمرد الأخرى طويلة الأمد ودورات العنف بين الأعراق، واشتدت في بعض الحالات. وزادت التوترات العرقية والإقليمية من تأجيجها من خلال نشر الدعاية من قبل جميع الأطراف ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل Facebook وTwitter التي سهلت انتشار خطاب الكراهية وساعدت في تأجيج الفظائع".
ماذا يعني هذا الدور، أين ذلك من فشل أبي أحمد خطره القادم على إفريقيا وجوار إثيوبيا؟!
"تشيزمان" و"ولد مريم"، توصلا بذكاء تحليلي، إلى أن "الصراع في تيجراي"، كان الأكثر زعزعة للاستقرار؛ لأنه مزق التحالف الحاكم الذي يحكم إثيوبيا منذ عام 1991.
لم يكن في يوم من الأيام، يستحق أبي أحمد أن يعتمد كشخصية سياسية مهيمنة، فقد تغابى وعاش، يحاول أن تكون حربه وحكومته، مع الجيش المتعب، ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، التي هيمنت ذات يوم على الحكومة الإثيوبية، الأمر الذي زاد من تخبط الأعمال وبالتالي النتائج، التي منها إثارته وتحريضه الشعب والجيش الإثيوبي، ويسعى، كما حددت الدراسة، الآن، إلى إجراء استفتاء لتحديد مستقبل تيجراي وتأمين قدر أكبر من الحكم الذاتي. قام كلا الجانبين في بعض الأحيان بتأطير الصراع من منظور عرقي، مما يزيد من خطر انتشار العنف العرقي ، ويعتبر كل منهما رؤية الآخر لكيفية حكم إثيوبيا غير متوافقة بشكل أساسي مع رؤيتها".
ترى المجلة ان الصراع، عزز وجود مجموعة من القوى الأجنبية، منها في الأساس الصين وإريتريا والصومال وتركيا والولايات المتحدة، عدا عن روسيا، مما دفع كل جانب إلى اتهام الآخر ببيع إثيوبيا، ما يعني أن أبي أحمد، سحب البلاد إلى المجهول، وزادت في الأفق، مخاطر وقوع إثيوبيا ضحية حروب بالوكالة بين قوى إقليمية وعالمية متنافسة.
مع اشتداد الصراع في تيجراي، تحذر المجلة من غياب رؤية تدعم الاستقرار، فقد "أصبح من الواضح بشكل متزايد أن البلاد أصبحت مصدرًا لعدم الاستقرار بدلاً من كونها حصنًا ضدها"، وهذا- قطعًا- أمر فيه نظرة أخرى، ذلك أن إثيوبيا تمادت في تهديد دول الجوار، وبالتالي، لم تعد لها هذه المكانة، التي هدمها أبي أحمد، عندما اختار أن يتفرد في القرار الإثيوبي، بما في ذلك تجميده لقوى الحكومة والشعب الإثيوبي.
ما أدى إلى الانهيار، حالة الكذب.. كيف ذلك؟
تضم القراءات المستقبلية لـ"فورين أفيرز"، إشارات وتنبيهات عن مقدمات الصراع والتصعيد فتؤشر إلى أن الواقع يؤكد: “اندلعت الحرب في تيجراي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، بعد شهور من التوترات المتصاعدة بين حكومة أبي وجبهة تحرير تيجراي، التي رفضت الانضمام إلى حزب الرخاء الجديد الذي يرأسه. في البداية ، صور أبي الصراع على أنه "عملية شرطة سريعة" لاستئصال ما زعم أنهم أعضاء فاسدون ومتمردون من النخبة في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. وسرعان ما سيطرت قوات الحكومة الإثيوبية، مدعومة بقوات من إريتريا المجاورة، على بلدات تيجرانيين الرئيسية ومدينة ميكيلي. لكن أبي قلل من تقدير مدى صعوبة السيطرة على هذه المنطقة. بعد أن خاضت حرب عصابات ناجحة ضد نظام الدرغ الماركسي اللينيني من عام 1974 إلى عام 1991، تراجعت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وانتشرت وأطلقت تمردًا لاستعادة السيطرة. سرعان ما تحول الصراع إلى شوكة في خاصرة أبي، حيث كانت النكسات العسكرية تسير جنبًا إلى جنب مع الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع والتي شوهت صورته التي تم ترسيخها بعناية كمصلح".
ومع ذلك، تقر الدراسة، بصراحة متناهية ودقة في التحليل، فتقول حرفيا: "فشل أبي في تقدير مدى شراسة مقاومة جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي لأي محاولة لغزو تيجراي أو الاستيلاء على أراضيها بالقوة. لقد سعى إلى إنشاء إدارة مؤقتة، حتى إنه قام باختيار المسئولين الجدد الذين كانوا من عرقية تيجراي. لكن هؤلاء الإداريين كانوا إما غير قادرين على استعادة القلوب والعقول أو العمل بنشاط مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي".
.. في الواقع وعلى الأرض، لم تفشل القوات الإثيوبية في استعادة الأراضي فحسب، بل فقدت السيطرة على مدينتي ديسي وكومبولتشا في أمهرة، وهي حقيقة خلخلت مستقبل إثيوبيا السياسي، لأن فشل قوات أبي أحمد، جعلت المتمردين يصلون إلى المطار وإحباط جهود أبي لمنع الوصول إلى المنطقة. الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحكومة أبي هو أن قوات تيجرانية بدأت التنسيق مع جيش تحرير أورومو "OLA"، الذي كثف من التمرد المستمر منذ فترة طويلة ويقترب من العاصمة من الجنوب الغربي. التقارير الصحفية الأخيرة تشير إلى أن كلا الحركتين المتمردتين قد تنضمان إلى جماعات معارضة أخرى لتشكيل تحالف مناهض لأبي تحت راية الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية، وهذا تطور صاعق، قد يغير خارطة المنطقة.
… المجلة، استنادا إلى الدراسة، وضعت ما أشارت إليه، "من الممكن تصور ثلاث نتائج للصراع، وكلها يمكن أن يهدد في نهاية المطاف بقاء الدولة الإثيوبية":
* الأولى: هو انتصار متمردي تيجراي وأورومو المشترك على الجيش الإثيوبي، والذي يشاع أنه ينهار. مثل هذه النتيجة من شأنها أن تحل الصراع مع حكومة أبي، لكنها تتطلب من جبهة تحرير تيجراي ومكتب الشئون القانونية لإيجاد طريقة لحكم البلاد بشكل مشترك، حيث أن أجزاء كبيرة منها معادية لهم. ومن المرجح أيضًا أن يؤدي الاضطرار إلى تقاسم السلطة إلى إبراز التوترات طويلة الأمد بين المجموعتين، مما يزيد من خطر المزيد من عدم الاستقرار السياسي.
* الثانية: قد تنطوي على نوع من التسوية التفاوضية. وإدراكًا منها أن النصر العسكري يمكن أن يضعهم في نفس الموقف المستحيل مثل أبي- في محاولة للاحتفاظ بأرض كبيرة ضد تمرد حتمي- يمكن أن تقرر جبهة تحرير تيجراي عدم التقدم في مسيرة إلى أديس أبابا، ولكن بدلاً من ذلك، رفع دعوى من أجل السلام بشروط مواتية. من بين أمور أخرى، يمكن لزعماء التيجراي المطالبة باستفتاء على قدر أكبر من الحكم الذاتي والحماية للتيجراي. لكن من المرجح أن يؤدي مثل هذا الترتيب إلى تصعيد التوترات مع OLA ، التي تدعي أن العاصمة هي قلب أوروميا. كما أنه سيترك الدوافع الكامنة وراء الصراع دون حل، مما يثير تساؤلات حول استمرارية مثل هذا الحل. يمكن أن ينضم أبي إلى القائمة المتزايدة للقادة الأفارقة المخلوعين مؤخرًا.
* الثالثة: محتمل إزالة أبي من منصبه، على الأرجح من قبل ضباطه العسكريين. بمجرد أن يتم الاحتفاء به كصانع سلام ومصلح، يبدو رئيس الوزراء على نحو متزايد وكأنه عائق، وليس من المستحيل تخيل أنه سينضم إلى القائمة المتزايدة للقادة الأفارقة المخلوعين مؤخرًا والتي تشمل غينيا ألفا كوندي وباه نداو المالي. لكن الانقلاب لن يجعل الصراع أقرب إلى الحل بالضرورة.. حيث يبدو الجيش الإثيوبي منقسمًا داخليًا وغير قادر على هزيمة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وجبهة تحرير مورو بالقوة وحدها.
ومما وخلصت إليه الدراسة:
الأول والأكثر وضوحًا هو أن رئيس الوزراء لم يوحد إثيوبيا، بل زاد من استقطابها. على الرغم من أن الحرب في تيجراي مكّنت أبي من توحيد العديد من الإثيوبيين ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، إلا أنها فاقمت انقسامًا عرقيًا سياسيًا خطيرًا وزادت من احتمال تفكك البلاد. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الحكومية الإثيوبية نسجت فوز أبي الساحق في الانتخابات في يونيو كدليل على أنه يحظى بدعم الغالبية العظمى من الإثيوبيين، أشار النقاد إلى أنه من خلال "الفوز" 410 من أصل 436 متاحًا. مقاعد في البرلمان الفيدرالي في انتخابات لم تكن حرة ولا نزيهة، كان أبي يستخدم ببساطة نفس الاستراتيجية- ويكرر نفس الأخطاء- مثل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي.
أخيرًا، فإن أنواع السياسات التي ستحتاج الحكومة إلى تنفيذها من أجل صياغة استراتيجية بوتقة ناجحة ستجعل أيضًا من الصعب تحقيق سلام دائم في تيجراي. قبل أن يوافقوا على إلقاء أسلحتهم، من شبه المؤكد أن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تريد المزيد من الحكم الذاتي الإقليمي، وليس أقل. وينطبق الشيء نفسه على OLA. وبالتالي، فإن المشكلة التي يواجهها أبي هي أن نهجه المفضل لبناء الدولة يبدو أنه مقدر له أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية الأكثر إلحاحًا في البلاد.
… لأنها تريد، أن نفهم ما يحدث في إثيوبيا، حددت"فورين أفيرز" بداية النهاية.. ولكن كيف؟
لنقرأ:
في ظل عدم وجود رؤية موحدة لكيفية إعادة بناء البلاد، فإن مستقبل إثيوبيا غير مؤكد بشكل خطير. لقد تمت تجربة كل من الفيدرالية العرقية والمركزية السياسية ووجدت أنهما فاشلتان. أثارت هذا التكهنات بأن طريق إثيوبيا الوحيد للبقاء يسير عكس المسار الذي رسمه أبي: نحو كونفدرالية فضفاضة من مناطق الحكم الذاتي إلى حد كبير. ومن المؤكد أن اسم تحالف قوى المعارضة والمتمردين، الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية، يشير إلى هذا الاتجاه.
قد يساعد مثل هذا المسار في إنهاء الصراع مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، لكن هناك أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأنه سيزيد من ترسيخ الهويات العرقية الإقليمية، وبالتالي تفاقم قوى الطرد المركزي التي تفصل البلاد عن بعضها. إذا تم تشكيل تحالف للمتمردين، فإن أي حكم ذاتي يُمنح للتيجراي يجب أن يمتد إلى المجتمعات الأكبر الأخرى في البلاد. في حالة عدم وجود أي اتفاق حول الأيديولوجية أو كيفية تقاسم الموارد، فإن مثل هذا الاتحاد سيخاطر ببساطة بإنشاء مناطق أقوى تكون في وضع أفضل لتحدي الحكومة المركزية إذا شعروا بأنهم لا يتلقون ما يستحقونه. قد يكون التحرك نحو اتحاد فدرالي أكثر مرونة أمرًا حتميًا، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى المزيد من محاولات الانفصال وبالتالي نهاية البلاد كما يعرفها الإثيوبيون.
يكاد يكون من المؤكد أن أبي سيرفض مثل هذه الخطة، والتي من شأنها أن تكون إذلالًا شخصيًا ويراه يسجل في التاريخ باعتباره الرجل الذي حطم إثيوبيا. قد يفسر هذا سبب عزمه المتزايد على إيجاد حل عسكري لمشكلة سياسية. ومع ذلك، وكما أظهرت مرونة تمرد التيجرانيين، فإن القوة وحدها لن تُخضع بلدًا كبيرًا ومتنوعًا، مع وجود العديد من الجماعات المسلحة التي تعرف كيف تحافظ على التمرد. لهذا السبب، سيكون من الحماقة الاعتقاد بأن النصر العسكري لأي من الجانبين سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار السياسي. أبي ليس أول زعيم حاول وفشل في حل التناقضات الداخلية لإثيوبيا. سعت كل حكومة على مدى المائة عام الماضية إلى بناء دولة قابلة للحياة وهوية وطنية موحدة. بعيد جدًا..
في نظرة استشرافية، تعيد إثيوبيا مستقبل القارة الإفريقية إلى مصائر مجهولة، وتحث دول المنطقة وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، إلى مزيد الوعي، القادم من طروحات المنظمة الإفريقية ومصر، ككيان إقليمي له مكانته الكبرى، ومن الذكاء العمل مع العالم والأمم المتحدة، للخلاص من هذه الحروب والأزمات الخطيرة.
- [email protected]
- مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية