إعلان حالة الحرب
مصر فى حالة حرب.. ذلك هو الواقع الذى يجب أن تعلنه الحكومة وتترجمه عملياً، بدلاً من أن تنساق مصر نحو موجة إرهابية جديدة، ربما استمرت عشر سنوات، كما حدث لها من قبل، فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، مع فارق كبير بين الماضى والحاضر،
إذ إن الماضى كان إرهاباً صنعته أفكار متطرفة، اعتنقتها جماعات، عبأت بها عقول المنضوين تحت لوائها، وكانوا هم المبتدأ والمنتهى، أما الآن، فإن الإرهاب صنعة يقف وراءها جحافل من المتآمرين على المنطقة العربية، وفى القلب منها مصر، ومن الطامعين فى تسيد المشهد السياسى المصرى، من جماعات تصبو إلى الحكم، ليس لإقامة شرع الله، كما يدعون، ولكن لتمكين تنظيمهم الدولى من الاستحواذ على حكم المنطقة، حتى لو كان الثمن، أجزاء من الوطن يتنازل عنها العبيد لأسيادهم فى واشنطن وتل أبيب.
لم يكن تفجير مديرية أمن القاهرة، أمس الأول، وتفجير منطقة مترو البحوث، وغيرها من القنابل فى أماكن متفرقة من القاهرة والمحافظات، وقبلها الاعتداء على كمين بنى سويف، وسقوط شهداء وجرحى بالعشرات، أمراً مفاجئاً، بل كان متوقعاً، تزداد جرعته كلما اقتربت الساعات من موعد الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة يناير المجيدة، لعل هذه التفجيرات تبث الرعب فى قلوب المصريين، فلا يبرحوا منازلهم ويمتنعون عن النزول بالملايين إلى ميادين الجمهورية، فى احتفالية، أقل معانيها التأكيد على أن ثورتهم كانت حقيقية ولم تكن محض خيالات، كما يُشكك البعض فى ذلك، وأعلاها، تجديد الثقة فى أولئك الرجال الذين أنقذوا البلاد من هزيمة الدولة على يد الإخوان، كما أنها رسالة لأولئك الذين يعيشون فى المناطق الوسطى، بين الجنة والنار، بين الانحياز لفكرة الوطن أو الانهزام أمام إغراءات المال أو التوق إلى مقاعد الحكم فى البلاد.. هؤلاء هم من يُفقدون البلاد تماسكها، ويخلخلون عزيمة الواقفين بين الشك واليقين، فى أن مصر تسير نحو مستقبلها الواعد، وغدها المأمول، خاصة من أولئك الذين فرحوا بالثورة، مُنقذاً لهم من سنوات الذل والهوان، وانكسار الذات أمام طغمة الفساد.. لكن الشعب المصرى مُخيب دائماً لآمال الجماعة، لا يزيدهم الإرهاب إلا تماسكاً وانتصاراً لمستقبل بلادهم. إن التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، الذى لا يرى فى مصر إلا تعسفاً فى استخدام العنف فى مواجهة ما اسماه «المظاهرات»، دون أن يرى أى مظاهر للإرهاب تهدد أمن البلاد وسلامة المجتمع، وتدفع إلى ضرورة مواجهته بالحسم اللازم لحماية البلاد والعباد.. كذلك البيان الذى صدر عن الخارجية الأمريكية، الذى يطالب المصريين بضبط النفس فيما تشهده بلادهم الآن من عنف وإرهاب، دون أن يحدد الجانى والمجنى عليه، بل ساوى بين الجميع، ليدلنا كل ذلك على أن هناك عيناً واحدة يرانا بها هؤلاء جميعاً، يختارون بها ما يتناسب مع أهدافهم، وما يحيكونه لمصر من مؤامرات، الهدف منها إغراق البلاد فى موجات عنف، تؤدى بالبلاد إلى التفكك والانقسام، حتى يتمكن الإخوان وأترابهم من تأسيس الدولة الإسلامية، ليس حباً فى الإخوان ولا الإسلام، لكن مبرراً لإعلان إسرائيل قيام الدولة اليهودية، على أنقاض الأراضى الفلسطينية، وتكون سيناء هى الوطن البديل للفلسطينيين.
مصر إذن فى حالة حرب، لابد أن تُعلنها الدولة صراحة، ويجب أن يعيها المواطن ويشارك فيها، وأن تكون عين الجميع مُغمضة عن رؤية أى مُتقول بحقوق الإنسان أو غيرها، مما يتشدق به أبواق الخارج فى الداخل، الذين لم يُجربوا بعد النيران التى ينكوى بها المصريون، مع أن الحق الأولى بالاتباع هو حق الشعب المصرى وليس حق جماعة فيها، تسير على خطى الباطل بثبات.. حرب لابد ألا تترك أى محرض على العنف دون عقاب، حتى لو كان عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو شاشات القنوات العميلة، كما لا تترك أى مُشارك فى هذا الإرهاب.. حرب لابد أن يكون للقضاء فيها منهجاً مغايراً يقوم على العدل والإنجاز، حتى ينال كل كافر بهذه البلاد عقابه، فيرتدع غيره، ويطمئن المواطن أن هناك دولة قوية تحميه وتقيه شر الأوغاد الذين يهددون حياته ليل نهار، بدلاً من ظن البعض أن الإخوان قادمون ثانية. مصر يا سادة لا تحتمل عشر سنوات جديدة من الإرهاب، كما حدث من قبل، لكنها تحتاج تحركاً فاعلاً وسريعاً، لا يقوم على الحلول الأمنية وحدها، من الشرطة والقوات المسلحة، بل بتضافر جموع الشعب حول دولته، ومشاركة الكتاب والمثقفين والأزهر لتغيير المفاهيم والأفكار وبيان صحيح الدين، ومُساندة من كل التنظيمات والأحزاب المحبة لهذه البلاد، لعلها تفلح جميعاً فى تغيير عقلية المُغرر بهم من شباب، هم وقود معركة الإخوان الأخيرة لإسقاط مصر.
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.