التعديل الرابع على الحكومة الأردنية: فرصة الرئيس" الخصاونة" لتفعيل قوة مخرجات اللجنة الملكية
.. بالأمس، شهدت المملكة الأردنية الهاشمية، حالة تجاذبات سياسية، اجتماعية، اقتصادية، نتجت عن صدور إرادة الملك عبدالله الثاني، بإجراء التعديل الرابع على حكومة رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة، الذي شكلها في مثل هذه الأيام من العام 2020.
..نعم،هذه حقيقة مهمة، ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي، كلف الملك الدكتور الخصاونة بتشكيل حكومة جديدة، في ظروف ووقائع سياسية واجتماعية واقتصادية وصحية وتربوية مختلفة، بل كانت، حكومة لتحدي أزمة حادة للدولة الأردنية،نتجت عن عدة أمور ليس اقلها أزمة تفشي فيروس كورونا..
والحقيقة الأهم، انه وإلى اليوم يقوم الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى بإدارة وتحدي تداعيات كل أزمات المملكة، يقود البلاد نحو معطيات، شكلت جوهر كتاب التكليف السامي لحكومة الخصاونة، التي أجرت أمس التعديل الرابع (كل تعديل يعني استقالة وزراء ودخول غيرهم بموجب إرادة ملكية سامية) على تشكيلتها.
وحتى نعي ونتعرف على أهمية التعديل بالنسبة للدولة الأردنية، فقد جاء كتاب التكليف السامي، واضحاً، واضعا تحديات أمام الرئيس، بحيث يكون معنياً:
برئاسة وتشكيل حكومة جديدة، على أن تضم قيادات كفؤة ومتميزة، قادرة على حمل المسؤولية الموكولة إليها بموجب الدستور.
وفي الرؤية الملكية التي تضمنها كتاب التكليف، حدد جلالة الملك بالإرادة السامية: «يأتي تشكيل هذه الحكومة في ظرف استثنائي لم يشهد له العالم مثيلاً لعقود خلت، يتمثل في جائحة كورونا وتداعياتها، التي مست العالم بأسره، حيث لا تزال مختلف الدول تجتهد في التعامل معها، والتخفيف من آثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية».
وأكد الملك: «لطالما كانت وستظل صحة المواطن وسلامته أولوية قصوى، الأمر الذي يتطلب من الحكومة الاستمرار في اتخاذ كل الإجراءات والتدابير المدروسة في التعامل مع جائحة كورونا بشكل يوازن بين الاعتبارات الصحية، وتشغيل القطاعات الاقتصادية، والحفاظ على أرزاق المواطنين».
ومن ذات التحدي، وضع التكليف السامي، الرئيس أمام ما أشار إليه الملك، مستعيداً أمجاد الدولة الأردنية:
لقد اعتدنا على مدى مئة عام مضت من عمر دولتنا العزيزة أن نخرج أقوى بعد كل أزمة تواجهنا، وأن نحول التحديات إلى فرص، وما أزمة كورونا إلا إحدى هذه المحطات التي سنتخطاها، بإذن الله، أكثر صلابة ومنعة، لذلك يجب أن تكرس الجهود في المرحلة المقبلة لتحقيق التعافي الاقتصادي من خلال برامج واضحة بأطر زمنية محددة تتضمن خطوات قابلة للقياس والتقييم والمتابعة، ويكون لها أثر ملموس في الحد من التداعيات الاقتصادية الناتجة عن الجائحة وتحفيز النمو وزيادة التنافسية للقطاعات الإنتاجية.
وما بين تشكيلة الوزراء في بداية طريق حكومة الخصاونة وإلى حيثيات التعديل الرابع نترقب حقائق أساسية، لها امتدادها في رؤية الملك، لطبيعة أعمال وولاية الرئيس وسبل التشاركية مع مختلف السلطات والمجتمع المدني، وهي حقائق جوهرية أدت إلى التعديل:
*الحقيقة الاولى: في صلب وأعتاب المئوية الثانية للدولة، فلا بديل من الاستمرار في تعزيز نهج الاعتماد على الذات، من خلال تمكين مواردنا البشرية الواعدة وتزويدها بعلوم ومهارات مهنية وتقنية ترفع من ميزتهم التنافسية.
*الحقيقة الثانية: البحث وإدامة الاستثمار الأمثل في الموارد المتاحة والاستفادة من الفرص المتوافرة في كل القطاعات، وكذلك الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية بهدف تحقيق النمو الشامل والمستدام، وبما يدعم بيئة الأعمال وتنافسية الأردن إقليمياً وعالمياً.
*الحقيقة الثالثة: مواصلة العمل على تطوير منظومة التربية والتعليم والتعليم العالي، بكل النظم وتحت كل الظروف، وتقييم التجربة الأردنية في هذه المرحلة وإنضاجها، وفق أفضل الممارسات التي تضمن حق الطلبة في التعليم، إلى جانب الاستمرار في تطوير منظومة التعليم برمتها.
*الحقيقة الرابعة: الحماية الاجتماعية؛ فقد استطاع الأردن في الفترة الماضية توسيع نطاقها للوصول إلى الفئات المستهدفة، ومن المهم أن تواصل الحكومة تطوير منظومة الأمان الاجتماعي لضمان حياة كريمة لكل الأردنيين، وربطها بمنظومة التعليم والصحة والعمل والسعي للوصول بآثارها الإيجابية لكل فئات المجتمع.
*الحقيقة الخامسة: الاستمرار بتنفيذ برامج الدعم التكميلي من خلال صندوق المعونة الوطنية، والتأكد من انتهاج أفضل الطرق، استناداً إلى قاعدة البيانات الوطنية.
*الحقيقة السادسة: دعم قطاع الزراعة، ومواصلة النهوض بالقطاع، وتنظيمه وتعزيز استخدام التقنيات الحديثة لتطوير وتنويع إنتاجية القطاع وفتح أسواق تصديرية جديدة، وتعزيز الأمن الغذائي في المملكة.
*الحقيقة السابعة: اعتبار السياحة من أهم القطاعات في رفد اقتصادنا الوطني وأكثرها تأثراً بالجائحة، فلا بد من تضافر الجهود وإيجاد الحلول المبتكرة لتخفيف الضرر، والتركيز على السياحة الداخلية وتحسين المنتج السياحي وتنويعه، بما يحافظ على المنشآت السياحية ويضمن استمرار فرص العمل في القطاع، واستغلال هذه الفترة التي تشهد انخفاضاً في أعداد السياح في العالم كله، لوضع خطط استباقية متوسطة وطويلة المدى، والإعداد الجيد لاستقبال السياح بعد تحسن الأوضاع الوبائية في العالم.
*الحقيقة الثامنة: قطاع الطاقة، والاستمرار بهيكلة القطاع بما ينعكس على زيادة كفاءة استخدام الطاقة، وخفض كلفها على الاقتصاد الوطني، وتطوير منظومة القطاع لضمان أمن التزود بالطاقة وزيادة الاعتماد على المصادر المحلية.
*الحقيقة التاسعة: تحسين وتفعيل منظومة النقل العام المستدام وزيادة كفاءة وسائل النقل العام، من خلال توظيف التكنولوجيا واستخدام الطاقة المتجددة والحلول الذكية وبناء قدرات العاملين بهذا القطاع، لما لذلك من أثر كبير في زيادة إقبال المرأة والشباب على العمل، والتعليم، والمشاركة في التنمية المستدامة.
*الحقيقة العاشرة: إن قواتنا المسلحة الأردنية–الجيش العربي، وأجهزتنا الأمنية، موضع الفخر والاعتزاز ولا بد من مواصلة الرعاية والاهتمام بهم تدريباً وإعداداً وتسليحاً وتوفير سبل العيش الكريم، خصوصاً لرفاق السلاح المتقاعدين من الأجهزة كافة.
الخصاونة، خلال عام، مشبع بالجهود والتحديات الداخلية والخارجية والصحية والاقتصادية، اهتم من خلال ولايته العامة، بتنوع الجهد الوطني التشاركي، فكان يقود دورة المتغيرات والتداعيات والأزمات، وفق التوجيه الملكي السامي، عماده تفعيل التعاون والشراكة مع القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، للمزيد من التحدي الأردني للخروج من دائرة الأزمة، إلى دائرة التحدي والإنجاز.. فالتعافي.
ما زال أمام الحكومة، العمل بقوة وبالتوازي مع صوت وإرادة جلالة الملك، خصوصاً في المحافل الدولية والعربية والأمنية، وبالذات فيما يتعلق بالإرادة الملكية الداعمة لموقفنا من القضية الفلسطينية (واضح وثابت) فهي في صدارة أولوياتنا، وسنستمر في بذل كل الجهود لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وفقاً لحل الدولتين.
ونواصل، بحسب النطق الملكي السامي في تكليف الرئيس، القيام بشرف مسؤوليتنا التاريخية في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، من منطلق الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات، وسنستمر في التصدي لكل المحاولات الساعية لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة، ونؤكد ضرورة تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للأشقاء الفلسطينيين.
الخصاونة، وقبيل ساعات من التعديل، وفر للتشكيلة العاملة منذ اليوم، تشاركية وتشبيكا وطنيا، من خلال الاجتماع والتشاور مع رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز وأعضاء المكتب الدائم ورئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات وأعضاء المكتب الدائم.
لقاءات ونقاط أساسية للحوار، تعني التزام الحكومة بالتعاون الكامل مع مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب وفي إطار المحددات الدستورية لتنفيذ التوجيهات الملكية السامية وبما يخدم المصالح الوطنية وتلبية طموحات المواطنين في شتى المجالات، بما في ذلك محددات التشاركية الحقيقية مع مجلس الأمة لضمان تنفيذ مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وبخاصة إقرار مشروعي قانوني الأحزاب السياسية والانتخاب وما يرتبط بهما من تعديلات دستورية.
هذا التعاون بين السلطات الدستورية والحكومة، عبر عنه رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز بحرص مجلس الأعيان على إدامة التعاون مع الحكومة لتنفيذ التوجيهات الملكية السامية وخدمة الوطن والمواطنين، وأن هذه الرؤى السياسية، تأتي في إطار التشاركية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وفقا لما حدده الدستور، داعياً إلى التركيز على الجانب الاقتصادي والتنمية السياسية والإصلاح الإداري.
وعززت محطة التعاون واللقاء مع رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات، رقي وأهمية ما أكده الرجل من أن أمامنا اليوم استحقاق تحديث منظومتنا السياسية بما يمكن من توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار والوصول إلى حياة حزبية برامجية راسخة.
وأكد العودات أن المرحلة المقبلة تتطلب أعلى درجات التعاون بين السلطات، حيث تدخل الدولة الأردنية مئويتها الثانية بإصرار وتوافق على تعزيز مسيرة الإصلاحات الشاملة ومراجعة وترتيب أولوياتها الوطنية باستمرار.
التعديل على تشكيلة الحكومة، كامل وجديد لأدوات التغيير والإصلاح، ومحطة وفاء لكل القيادات والكفاءات الوزارية التي حملت مهامها واجتهاداتها، وتتسابق مع الأزمات والأحداث، ليكون الأردن أقوى.. يداً بيد مع الملك، صاحب الرؤية والحنكة والقائد الأعلى.
مدير تحرير جريدة الرأي الأردنية