«فتية آمنوا بربهم».. «الدستور» تدخل موقع «أهل الكهف» بالأردن: أجواء روحانية وأدلة تاريخية

«وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ».. لم يكونوا أنبياء ولا رسلًا بل «فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى»، جعلهم الله للعالمين آية، بعدما اعتزلوا قومهم وما يعبدون من دون الله، وأووا إلى كهفهم، الذى لبثوا فيه «ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا»، ثم بعثهم الله «لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ».

تلك القصة التى ورد ذكرها فى المسيحية والإسلام باعتبارها آية من آيات الله، اكتسبت فى عام ١٩٦٣ زخمًا كبيرًا بعد إعلان دولة الأردن، رسميًا، أن لديها من الأدلة والبراهين ما يثبت أن كهف «الرقيم»، الذى شهد المعجزة، هو ذلك الكهف الموجود بقرية «الرجيب»، قرب العاصمة الأردنية عمان، وهو ما وافق عليه مجمع الفقه الإسلامى ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، رغم ادعاء عشرات الدول الأخرى أنها تمتلك الكهف على أراضيها.

«الدستور» تصحبكم فى زيارة إلى موقع أهل الكهف، بالمملكة الأردنية الهاشمية، وتتحدث مع الدكتور معتصم الحنطى، إمام مسجد أهل الكهف، الذى شيد حديثًا إلى جوار الموقع الأثرى، حول العلامات والدلائل التى تثبت أن هذا المكان هو نفسه الكهف المذكور فى كتب الديانات السماوية.

يضم 7 قبور وعرضًا لرفات «الفتية السبعة».. والتدخين ممنوع لقدسية المكان

فى تلة تضم مئات القبور من العصر البيزنطى، بقرية الرجيب، قرب العاصمة الأردنية عمان، يقع كهف «الرقيم»، الذى يمكن أن يلحظ الزائر بسهولة ما يحظى به من اهتمام وتطوير، حيث تمتد أمامه أرضية من الرخام، وتنتصب فى محيطه أشجار مزينة بزخارف تحمل اسم المولى عز وجل.

إلى جوار المقام الأثرى، هناك مسجد حديث، افتتحته المملكة الأردنية الهاشمية فى العام ٢٠٠٦، يحمل اسم «مسجد أهل الكهف»، تقام به الصلوات وتتلى به الأدعية تبركًا بأرض الفتية المؤمنين، وترحمًا عليهم.

أمام الكهف نفسه تنتصب مبردات المياه، التى تروى الزائرين من شتى أنحاء العالم، ويجلس بعض رجال الأمن والحراسة إلى جوار دولاب كبير يضم بعض الملابس التى يقدمونها للزائرين الذين لا يرتدون ملابس تليق بقدسية المكان وأهميته، كما يتولون التأكد من التزام الجميع بالإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وأهمها ارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعى.

وتشدد إدارة كهف «الرقيم» على عدم السماح بالتدخين داخل حرم المكان، الذى يعد مسجدًا وموقعًا يحظى بالقدسية، مع إبلاغ الحضور بأن الزيارة مجانية، ومسموح بها لمدة ٦ ساعات صيفًا، تبدأ من الثامنة صباحًا، و٦ ساعات شتاء تبدأ من التاسعة صباحًا.

مع الخطوات الأولى إلى داخل الكهف، وعبور بوابته الخشبية، يلحظ الزائر ما يتسم به المكان من هدوء، وما يثيره فى نفس زائره من طمأنينة، بالإضافة إلى لطف مناخه، مقارنة بالأجواء الحارة خارجه. 

يلاحظ الزائر أن الكهف يضم ٤ قبور على يمين المدخل، و٣ أخرى على يساره، بالإضافة إلى مقبرة ذات واجهة زجاجية تضم رفات «الفتية السبعة»، بعد جمعها من القبور، ويمكن للزائر رؤيتها فى تلك الفجوة الداخلية التى تميز الكهف.

ويمينًا، إلى جوار البوابة الخشبية، ترتسم نجمة ثمانية تعود إلى العصر البيزنطى على أحد القبور، وكذلك خِزانة خشبية تحتوى على بعض الأوانى والعملات المعدنية الأثرية، التى تعود لفترة أصحاب الكهف وما بعدها

المسجد القديم والنجمة البيزنطية تحسم الجدل حول الموقع الأثرى

أثناء الزيارة، التقت «الدستور» الدكتور معتصم الحنطى، لتوضيح أهمية هذا المكان والدلائل التى تثبت أنه حقًا الموقع الذى ورد ذكره فى القرآن.

بدأ «الحنطى» حديثه إلينا بتلاوة قول الله تعالى: «وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ»، مشيرًا إلى أبعاد الكهف ومداخله، لتوضيح أن الشمس تدخل إلى كهف «الرقيم» من اتجاهين، الأول هو اتجاه الباب فى الجنوب الغربى، والثانى هو المنطقة العلوية التى تعلو الفجوة، وتختلف زاوية دخولها وحدتها بين فصول السنة وبين أوقات النهار المختلفة، ما يحافظ على المناخ اللطيف فى الكهف دائمًا.

وقال إن هناك أدلة كثيرة توضح أن هذا المكان هو الذى شهد معجزة اختباء الفتية المؤمنين الهاربين من بطش أباطرة الرومان، وبعثهم بعد انتهاء عصر الاضطهاد، خلافًا للمواقع الأخرى التى تدعى ذلك، ومن بينها أطلال مسجد قديم أقيم فوق الكهف، وفقًا لما ورد فى النص القرآنى، ويعد أقدم مسجد فى الأردن والمنطقة كلها.

وأشار إلى أن الكهوف الأخرى المدعاة، والتى يبلغ عددها ٤٠ كهفًا، لا يتواجد بها المسجد القديم، ولا القبور السبعة، ولا الفجوة الرئيسية التى تميز الكهف، ولا النافذة التى تدخل منها الشمس، إضافة إلى أنها لا تحمل إثباتًا تاريخيًا عن عودة تاريخ الموقع إلى عصر الاضطهاد الرومانى، خلافًا للنجمة الثمانية البيزنطية التى ترتسم على جدران المكان.

وأكد «الحنطى» أن تلك الدلائل، بالإضافة إلى حقيقة تطوير المنطقة زمن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى، دفعت الحكومة الأردنية لإعلان هذا المكان موقعًا لقصة أهل الكهف، مع جمع عظام الفتية السبعة، ووضعها فى مقبرة ذات واجهة زجاجية ليراها الزائرون من شتى بقاع الأرض.

طبيعته جعلته قبلة للجميع.. و500 ألف زيارة سنويًا قبل الوباء

فى العقود الماضية، كما أوضح الدكتور معتصم الحنطى، حظى كهف «الرقيم» بإقبال سياحى متميز، خاصة أن الزيارات إليه مفتوحة طيلة أيام السنة، حتى حقق معدلات تصل إلى نحو ٥٠٠ ألف زيارة سنويًا، مع توافد ملوك ورؤساء ومشاهير وأئمة لزيارته.

وأشار «الحنطى» إلى أن الزيارات تراجعت فى العامين الماضيين بسبب «كورونا»، وإن كانت المملكة الأردنية تحرص على استمرار الجهود لتطوير المكان ورعايته، والدعاية عنه فى جميع أنحاء العالم، خاصة فى دول إفريقيا وجنوب شرق آسيا، التى يتوافد منها الآلاف سنويًا لزيارة المكان الذى يعد وجهة سياحية دينية متميزة.

وأكد الاهتمام الكبير من الأسرة الهاشمية بالمملكة الأردنية بموقع الكهف، وتشكيلها «اللجنة الملكية للإعمار الهاشمى»، التى يترأسها حاليًا الأمير هاشم بن الحسين، لمتابعة هذا المقام، الذى يحظى حاليًا بزيارة مئات الآلاف من السياح، الذين يزورون المكان سنويًا لرؤية آية من آيات الله. 

ولفت المشرف على موقع «كهف الرقيم» إلى أن الموقع يحظى بإقبال متزايد وقدسية كبيرة لدى كثيرين، حتى فى أوروبا، مشيرًا إلى أن عددًا من الأوروبيين يأتون خصيصًا لزيارة الكهف وإشهار إسلامهم به.

واستشهد بقصة حقيقية سمعها بنفسه من أحد رواد الكهف، حول شاب أوروبى رأى فى منامه حلمًا عن ٧ أشخاص يسكنون كهفًا، وشعر أثناء الرؤية براحة كبيرة، ولم يفهم دلالة الحلم إلا بعدما رواه لأحد أصدقائه المسلمين، الذى أخبره بالقصة القرآنية، فما كان من الشاب الأوروبى إلا أن قرر زيارة الكهف ليكتشف أنه هو نفسه الذى رآه فى منامه، ويشهر إسلامه به.

من بين الزائرين لكهف «الرقيم»، تحدثت «الدستور» إلى سيدة عراقية، قالت إنها جاءت إلى الأردن فى رحلة علاجية، لكنها عندما علمت بمدى قرب موقع أهل الكهف من العاصمة الأردنية قررت زيارته، مشيرة إلى أنها شعرت بمجرد دخولها إلى الموقع براحة نفسية كبيرة، ما جعلها تعتقد أنه هو نفسه المذكور فى القرآن.

فيما قال سائح إندونيسى إنه علم بموقع كهف «الرقيم» عن طريق بعض مواقع الإنترنت، وقرر زيارته مع عائلته، مشيرًا إلى أن كل من يدخل الكهف يمكنه أن يشعر بنفسه بمدى روحانية المكان، وتتزايد ثقته فى أنه الكهف المذكور فى القرآن.

وفى ختام الزيارة إلى كهف «الرقيم»، لاحظت «الدستور» أن عددًا من الشباب من جنسيات مختلفة يتسابق لتوثيق زيارته لموقع أهل الكهف عبر بث الزيارة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، مع التأكيد على أن طبيعة الكهف وتكوينه وروحانياته وما يضمه من قبور ورفات تجعل من يزوره يقطع بأنه هو نفسه الكهف الذى شهد المعجزة، وتجلت فيه آية من آيات الله.