حصة حرة مع انتصار أكتوبر العظيم
الحقيقة أنهم لم يروا الحرب، ولم يعيشوا أجواء الانتصار الذى استرد الأرض والكرامة، لكنهم للأسف لا يعرفون عن أكتوبر سوى كلمات مبعثرة تقفز أمامهم صدفة، أو عن طريق الخطأ، وهم يمارسون حروبهم الإلكترونية على شاشات الكمبيوتر أو الموبايلات.
كانوا مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين؛ بعضهم يدرس فى الجامعات، وبعضهم يسعى للالتحاق بعمل ما، لكنهم يمثلون بشكل أو بآخر صحبة؛ أراهم يجتمعون على نفس المقهى الذى اعتدت الجلوس فيه، وفى كل مرة أسمع فى حديثهم ما لا يشجع على التواصل معهم، لكنهم هذه المرة كانوا يدردشون عن نظام العام الدراسى الجديد «٢٠٢١/ ٢٠٢٢»: «هنروح المدارس ولا هيبقى زى اللى فات»، ما دفعنى للمشاركة فى الحوار؛ قلت: خلاص حُسم الأمر، واستعدوا للذهاب لمدارسكم وجامعاتكم فى صباح يوم ٩ أكتوبر. وتابعت بعفوية: عودة فى شهر عظيم؛ شهر انتصار وعِزة. فمال أحدهم هامسًا لآخر: «انتصار مين وعَزة مين يا أسطى؟».
قلت بحرقة: انتصار أكتوبر ١٩٧٣، الذى تحل ذكراه الثامنة والأربعون هذه الأيام؛ ألم تسمعوا بحرب أكتوبر؟.. فصادفت منهم كلمات متناثرة، ومعلومات باهتة، كأن أحدًا لم يقل لهم شيئًا عن الحرب والنصر.
كان صديقى وهو فى مثل عمرى يجلس معى، فراح يحدثهم بهدوء عن ذكريات النصر التى تسكن وجدانه منذ الصغر، وكيف استمرت تكبر معه فى أحاديث الأسرة بالبيت، والمدرسين فى المراحل الدراسية المتتابعة، وفى تكريم الشهداء بإطلاق أسمائهم على المدارس، وكيف ظل الجميع يحتفل بالنصر، ثم رفع صوته قليلًا: ألم تسمعوا مثلًا عن خط بارليف الذى وصفه قادة إسرائيل بأنه «الصخرة التى ستتحطم عليها عظام المصريين، وسيكون مقبرة الجيش المصرى!».
نظرت إليهم، فهالنى أنهم ينتظرون إنهاء «ذلك الكلام»، فقلت: يمكنكم أن تكتبوا على مؤشر البحث جوجل فى شاشات الموبايل «نصر أكتوبر ٧٣»، كى تتعرفوا بشكل ما على ما فعله جنود قواتنا المسلحة فى حرب استرداد الأرض والكرامة، ومحو آثار «نكسة ٦٧».
كنت أرغب فى تركهم لدردشاتهم، لكن صديقى أطلق زفرة مصحوبة بقليل من غضب: «معقولة»؛ ألم يحكِ لكم أحد أن جنودنا البواسل حطموا خط بارليف «أسطورة الدفاعات الإسرائيلية»، ألم يحدثوكم فى المدارس عن الخرسانات والتحصينات القوية والنابالم والدشم المنيعة وحقول الألغام التى زرعتها إسرائيل على طول الساحل الشرقى للقناة لإفشال أى محاولة عبور لجيشنا؛ ألم تستمعوا فى الاحتفالات المتكررة بالنصر ولو حتى لقصة الساتر الترابى؟
هدأ صديقى قليلًا وهو يقول: يا شباب لقد كان مجرد عبور قناة السويس معجزة؛ يمكنكم أن تسألوا آباءكم أو جدودكم عن ذلك، أو حتى طالعوا فى الموبايل بعضًا مما يُذكر فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، كى تعرفوا لماذا يتم تدريسها فى كبرى الأكاديميات العسكرية فى العالم.
ثم قفل الكلام قائلًا: «وتذكروا أن ذلك النصر رسم تحولًا جذريًا فى تاريخنا الحديث والمعاصر».
وفَّر علينا صديقى قليل القليل، وها نحن فى مستهل عام دراسى جديد، وفى مقدور وزارات «التربية والتعليم، والتعليم العالى، والثقافة، والشباب»، ووسائل الإعلام تقديم الكثير، لتعرف الأجيال الجديدة ما حدث؛ ليس من أجل ترديد أقوال الماضى وتقديسه، بل لتدرك أن ما تم إنجازه سابقًا هو ما يدعونا لاستكمال البناء والتحديث، ورسم سلم أولوياتنا لتحاشى التهديدات التى تحاصرنا من كل اتجاه.
وليس أقل من أن تكون هناك حصص حرة يتم تقريرها على تلاميذ وطلاب المدارس عن انتصار أكتوبر، وعما تم من تحديث فى قواتنا المسلحة منذ حربنا ضد العدو الإسرائيلى، وحتى الحرب ضد الإرهاب، وضد كل عدو يستهدف النيل من الدولة المصرية؛ ليدركوا أن التحديث ضرورة وطنية وإنسانية.