«أنت ترتكب جريمة وتصنع منه كاتبًا».. حكايات مصطفى نصر مع الكاتب الشبح
عن دار الفكر العربي للنشر والتوزيع، صدر كتاب حكايات مصطفى نصر للروائي السكندري الكبير مصطفى نصر، والكتاب هو الجزء الأول من الحكايات، والكتاب ملئ بالمواقف التي عاشها الأديب الكبير واقترنت بالعديد من رموز الادب المصري ومنها نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وخيري شلبي ويحي حقي وغيرهم.
ومن أهم الحكايات التي كتبها مصطفى نصر حكاية "تجارة الكتابة" أو "الكاتب الشبح"، وهو الذي يكتب ويبيع منتجه لمن يدفع أكثر.
يقول نصر:" كنتُ أتابع بشغف مقالات الأستاذ سليمان فياض التي تنشرها مجلة الدوحة، كان يتحدث فيها عن شخصيات أدبية فيفضح أسرارها المختبئة، وذلك بلغة سهلة ومشوقة، ثم أصدر هذه المجموعة في كتاب، جاءنا به " على كرار " في ندوة عبد الله هاشم التي تقام في بيته كل يوم جمعة. قرأت الكتاب في طبعته الأولى، ثم أعيد طبعه ثانية في سلسلة دار سعاد الصباح بعد أن حذف من المجموعة شخصية واحد من الهيئة الاستشارية للدار؛ ليوافقوا على نشره.
يضيف:"عرفنا معظم الشخصيات التي يتحدث الكاتب عنها، لكن البعض لم نعرفه ومن هؤلاء شخصية: " هواية كاتب " المنشورة في الكتاب صفحة 69.
ويتابع "يتحدث فيها عن كاتب حاذق في كتابة القصة القصيرة والحوارات الصحفية والتمثيليات الإذاعية والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية، عيبه هو أنه يهوى الكتابة لغيره. يكتب مقالات عن حي القلعة وعن قرية سنباط المليئة بالعاملين في مجال الغناء والرقص في الأفراح والموالد؛ لكن باسم كاتب آخر. ويكتب القصص القصيرة والتمثيليات الإذاعية لغيره مقابل مبالغ يسيرة. بل كتب العديد من سيناريوهات الأفلام لكاتب سييء، وعُرضت باسمه مقابل ألف جنيه. فيقول له سليمان فياض:
- أنت ترتكب جريمة، تصنع منه كاتبا وستقدم له يوما بسبب ذلك؛ منصبا يتحكم فيه في رقاب العباد.
فيجيب ببساطة: إن لم أكن أنا، فسيجد غيري ويحقق ما سوف يصل إليه. نلت منه ألف جنيه عن كل سيناريو، بعيدا عن الضرائب ولو استطعت تسليك هذه السيناريوهات لنفسي وهذا عسير جدا لفعلت ودفعت الضرائب.
هذا النموذج موجود بكثرة في عالمنا الثقافي والفني. فقد جاء إلى بيتي صديق ومعه آخر يكتب الأغاني، أعجبتني أغانيه، لكنه لا يجد من يشتريها منه، جاءني في الزيارة الثانية قائلا:
لقد تعبت وأنا في حاجة شديدة إلى المال، وأعرف أن" فلان الفلاني ": الملحن والمؤلف والمغني، يشتري الأغنية بكذا. أرجوك عرفني به وسأبيع له كل الأغاني.
قلت له: أنا لا أعرف ناس من هذا النوع، كما أنني لا أطيق التدخل في مساومات مثل هذه.
وتقابلت في القاهرة مع كاتب جاء يوما إلى الإسكندرية مع زوجته الرقيقة، وحضرا ندوات قصر ثقافة الحرية، وبروفات المسرح، ثم اختفيا لسنوات طويلة جدا إلى أن قابلته في قصر السينما بالقاهرة مع بعض الأصدقاء. سألته عن حاله، قال لي:
- إنني أكتب مسلسلات تليفزيونية تعرض باسم الكاتب التليفزيوني المشهور فلان الفلاني، وأحصل منه على أجر محدد على كل حلقة.
شعرت بالتقزز من هذا الأسلوب، فلا اطيق هؤلاء الذين يعيشون عالة على غيرهم.
ويواصل:" وحكى لي كاتب مشهور عن رئيس تحرير جريدة مشهورة أيضا، بأنه لا يكتب جملة واحدة، وإنما لديه من يكتب له، ومن الأمور العادية في الجريدة، أن تتصل سكرتيرته بكاتبه الذي يعمل في الدار؛ لتستعجل المقالة التي تلح المطبعة في طلبها.
وقد حكى لي كاتب زميل، إنه قرأ قصة على كاتب قصة سكندري آخر على درجة كبيرة من الثراء، فأعجبته القصة، فقال له:
- سأعطيك مبلغ كذا، وتصبح القصة ملكا لي.
ولأن المبلغ المعروض كان كبيرا، وصاحب القصة في حاجة ماسة إلى المال فقد وافق، ونشر زميلنا قصة غيره في مجلة أدبية ثم في مجموعته القصصية.
ويستطرد "ومن الحكايات التي حدثت أمامي، أن رجلا ذو أهمية وظيفية؛ كتب مسرحية ونشرها على حسابه ولم يهتم بها أحد. فكتب مقالة عنها، وقال ما كان يتمني أن يقال عنه. واتفق مع زميل لنا، بأنه سيرسلها باسمه إلى مجلة عربية – وكان على صلة وثيقة برئيس تحريرها في ذلك الوقت. ووافق زميلنا. وتم نشر المقالة، وحصل زميلنا على مكافأته منها، وشكا لي مؤلف المسرحية والمقال؛ لأن زميلنا قبض الشيك ولم يسأل عنه رغم أنه لم يفعل شيئا في الموضوع. ولكي يرضيه اشترى له كيلو هريسة.
ويكمل:" وحكى لي شاعر كبير في الإسكندرية؛ إنه كان محكما منذ سنوات طوال جدا؛ في مسابقة شعرية، فاتصل به شاعر كبير يشاركه التحكيم، قال:
أنا طلعت الأول والثاني، وسأرسل لك باقي القصائد لتختار الثالث.
ما دمت اخترت الأول والثاني، فلماذا لا تختار الثالث بالمرة؟!
قال لا ده حقك.
من الأول والثاني؟
ذكر اسم امرأة غنية في الإسكندرية، وصيدلي يعمل في السعودية. فقال له:
إنهما أغنياء وليسا في حاجة لهذه النقود.
قال في صوت خافت وفي حياء:
- أنا اشترك بقصائد من عندي واحصل على المكافأة، وهما موافقان على هذا..
ويحكون في الإسكندرية الآن عن امرأة لا تستطيع كتابة جملة مفيدة، يكتب لها البعض، واحد يبيع لها القصة بعشرين جنيها وآخر مقابل اثنين كيلو لحم قبل العيد الكبير، وخمسة كيلو كعك قبل العيد الصغير. تقدمت المرأة بهذه القصص في المسابقات والمجلات، ثم جمعتها في كتاب. وتحاول الآن أن تكون عضوة في إتحاد الكتاب.