رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الظواهرى!

ساعة من الزمن، جرى توقيتها لتتزامن مع ذكرى أحداث 11 سبتمبر، وبعد أيام قليلة من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتشكيل الحكومة التي تسيطر عليها حركة طالبان. 

ساعة الظواهري، تختلف عن أي ساعة في التوقيت العالمي، يظهر من جديد، معلنًا عودته إلى مسار الأحداث، ويحاول تقديم إشارات على ما ستستقر عليه المنطقة والشرق الأوسط والعالم بعد مؤشرات عسكرية وسياسية واقتصادية، لا بد أنها تترك آثارها على مصادر عسكرة وتنظيم واقتصاد التمويل، عدا عن الدعم الذي يقدم بالخفاء لحكومة القاعدة، وما تفرخ عنها من تنظيمات وحركات تنتشر بين جميع الدول وتستهوي الشباب وتتصيدهم. 
عودة أيمن الظواهري تعني أن تنظيم القاعدة يراقب ويرى وربما يشارك في صنع الأحداث السياسية والأمنية في المنطقة والعالم:
-الخروج الأمريكي من أفغانستان. 
-الاتفاق العربي، المدعوم من الإدارة الأمريكية والهيئات الدولية الأممية والبنك الدولي. 
-سيطرة الجيش السوري، مدعومًا من الفيلق الخامس الروسي على درعا. 
-تشكيل حكومة حركة طالبان في أفغانستان. 
-المؤشرات الدولية، العربية، الأممية، حول إيران ومحاصرة وجودها في دول  لها نفوذها المؤثر سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا وهي: العراق، سوريا، اليمن، لبنان. 
-المتغيرات والتحولات السياسية، العسكرية  والأمنية في القارة الإفريقية وتحديدًا في شمال شرق القارة وظهور تكتلات متباينة تعتمد في ولائها على الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، دول وسط وشرق اسيا. 
ساعة  من صوت وصورة، تبث وتنشر على وسائل الإعلام والفضائيات ووسائل  التواصل الاجتماعي، رسائل عميقة، وليست غريبة تلك الإشارة  المحيرة التي أشاد بها أيمن الظواهري بهجوم  نفذ عبر سيارة مفخخة، في الأول من شهر  يناير الماضي، واستهدف قاعدة عسكرية روسية في منطقة تل السمن، بمحافظة الرقة شمال شرق سوريا، بالقرب من إدلب، وقت كانت السيطرة في النزاع للقوات التركية التي دخلت حدود إدلب وحاولت تترك المنطقة بالكامل.

إشارات الظواهري، ليست بريئة، ففي الحادثة المذكورة، أوضح بيان القاعدة، نسب إلى جماعة "حراس الدين" المتشددة، التابعة لتنظيم القاعدة، مسئولية التنظيم الإرهابي الدولي، عن هذا الهجوم.

في عودة الظواهري، تزامن إعلامي خطير،  في التسجيل، محاولة لدغدغة عواطف أتباع القاعدة، من خلال الأثر - وهو بالمناسبة تكتيك معتاد من التنظيمات الارهابية-السمعي البصري المعاصر،  فكانت الرسالة عبر 60 دقيقة تتنقل بين غموض رؤية عن دلالات  الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتجاهل مقصود لطبيعة سيطرة حركة  طالبان على كابول، وربما بدء صراعات عسكرية واثنية وطائفية جديدة.

الظواهري زعيم تنظيم "القاعدة" الإرهابي، شخصية يقال فيها غريب التحليلات، فهو من  مواليد 19 يونيو 1951، تزعم تنظيم القاعدة خلفًا لأسامة بن لادن، ذلك لأنه  ثاني أبرز قياديي منظمة القاعدة العسكرية، وكان قبيل انتسابه للقاعدة، زعيم تنظيم الجهاد الإسلامي العسكري "المحظور" في مصر.

اختار الظواهري توقيت ظهوره، عودته  وأنه ما زال على قيد الحياة (...) ليتزامن ذلك مع   الذكرى الـ20 لهجمات الـ11 من سبتمبر 2001، التي اتهمت بها منظمة القاعدة واخترقت أمن  الولايات المتحدة.


قد تكون عودة الظواهري، مؤشرًا على مراحل جديدة وأماكن أخرى، ستعمل فيها القاعدة، وغالبًا ستكون أفغانستان محطة مهمة، يطمح الظواهري لتنفيذ ما قاله في الفيديو: "تطلب المرحلة الحالية منا استنزاف العدو حتى ينتحب ويئن بسبب النزيف الاقتصادي والعسكري ومن أبرز العمليات في هذا الصدد تل السمن".

قبل ساعات من بث تسجيل  الظواهري، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يدافع عن  الانسحاب العسكري والأمني من أفغانستان قائلًا في ذكرى 11 سبتمبر : "من الصعب أن أشرح لأي شخص، كيف يمكنك الخروج؟.

بايدن، بذكاء عميق قال ناقلًا السؤال إلى كل العالم: "إذا كنت قد أخبرت أي شخص أننا سننفق 300 مليون دولار في اليوم لمدة عشرين سنة لمحاولة توحيد البلاد، بعد أن جلبنا بن لادن، بعد أن تم القضاء على القاعدة هناك - هل يمكن للقاعدة أن تعود؟". 
 نعم، ولكن خمنوا، لقد عادت بالفعل إلى أماكن أخرى.

بايدن، لا يخرج عن قوة الإدارة الأمريكية ولا الجيش المنتشر في كل مكان، يطرح سؤالًا خطيرًا:
- "ما هي الاستراتيجية؟". 
في كل مكان، تتواجد فيه القاعدة، سنغزوها وتبقى القوات فيها؟. 
ولكنه يحيرنا بقوله: هيا!.
عودة الظواهري، تؤكدها عودة سابقة قام بها مساعد بن لادن السابق  إلى أفغانستان، إذ أعلنت القاعدة عن حيثيات ما قام به  أمين الحق، المساعد السابق لأسامة بن لادن وكبير موردي الأسلحة للقاعدة، إلى منزله في نانجار بأفغانستان، بعد ساعات من خروج القوات الأمريكية من البلاد، في وقت يعج بالتوتر والتصعيد. 
تاريخيًا، تمكن الحق من الفرار مع بن لادن خلال معركة تورا بورا في عام 2001، حيث هربا من القوات الأمريكية الخاصة برشوة رجال القبائل الأفغانية قبل عبور الحدود إلى باكستان.
ورغم علاقته الوثيقة مع بن لادن، تجنب الحق قضاء فترة طويلة في السجن بعد اعتقاله في عام 2008، حيث ورد أن الشرطة لم تتمكن من العثور على أدلة دامغة تربطه بمؤسس وزعيم تنظيم القاعدة السابق.
لكن الأمم المتحدة قالت إن الحق كان يشارك في تمويل وتخطيط وتسهيل تحضير وتنفيذ العمليات الإرهابية الخاصة بالقاعدة.
عودة الظواهري إلى شاشة الأحداث، تحيلنا إلى ما كشفه  مسئول أمريكي في وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA"، في العام 2019، عندما حللت الإدارة الامريكية، ما  أثار المنطقة والعالم في رسالة  كان  وجهها أيمن الظواهري،  دعا فيها إلى وحدة السنّة ضد "الشيعة وأمريكا وأعداء يتربصون بالأمة".

 قد تغير عودة الظواهري، طريقة وخيارات سعي زعماء التنظيم، الكبار إلى "تقوية شبكة وهيكل القيادة العالمية".

ساعة الظواهري، ترجعنا إلى هيمنة إعلام القاعدة والإرهاب والطرف، فقد برز الظواهري خلال السنوات الأخيرة كأحد الناطقين البارزين باسم تنظيم القاعدة. وقد ظهر في 16 شريطًا مرئيًا وصوتيًا 16 مرة في العام 2007 وهو أربعة أضعاف ظهور بن لادن في العام ذاته. وفي يوليو 2007 ظهر في شريط مرئي مطول يحث فيه المسلمين حول العالم على الانضمام إلى الحركة الجهادية والالتفاف حول تنظيم القاعدة. وفي الشريط ذاته حدد الظواهري استراتيجية تنظيم القاعدة المستقبلية وقال إنه في المدى القصير فإن التنظيم يهدف لمهاجمة مصالح الصليبيين واليهود قاصدًا بذلك الولايات المتحدة وحلفاءها في الغرب وإسرائيل، وخلاف ذلك لم يستطع العالم، وقف نفوذ وحروب وأزمات العالم نتيجة وجود القاعدة، طالبان، وغيرها من التنظيمات التي تدير التنسيق السياسي والأمني، وتنهب ثروات الشعوب، وتعمد إلى استغلال حال الشباب والنساء، والعمالة والاتجار بالبشر.