"عملية جلبوع".. مؤامرة على إسرائيل أم محاولة للتنصل من المفاوضات؟
من قال إن أي عملية هروب من السجون المقيتة، في أي دولة في العالم، هي عملية "تحرر"..!
تفاصيل حالة السجن ترسم للإنسان، مسارات ومحاولات نفسية عصبية لبناء جديد، داخل حدود السجن، وبالتالي التخطيط لخطة الهروب،الهروب بمعنى النجاة من "الحالة" إلى الانعتاق من منظومة السجن، والعودة إلى الحياة، السجن الأكبر، فقد لا يستطيع من يهرب من أي سجن، أو مركز أمني، أو جريمة ما أن يشعر بالتحرر، فلا حماية نفسية أو قانونية تؤكد ذلك.
هربوا..!
نجحت عملية الهروب، بطريقة أو أخرى، في لحظة ما وزع الفلسطينيون في القرى والبلدات المجاورة للسجن، تحديدا في مخيم جنين وجنين المحافظة، الحلوى ابتهاج، الأمر بالنسبة للفلسطينيين، طبيعي، فالحياة مع الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، عذاب، مع عنصرية بغيضة، وعمليات هدم ومداهمة وتوقيف واعتقادات، شد وكر لا ينتهي في كيان لا إنساني تدافع عنه الولايات المتحدة الأمريكية، وبقية العالم في الاتحاد الأوروبي، بالذات المانيا وبريطانيا وفرنسا عدا عن روسيا.. وربما تركيا وإيران، لماذا لا؟.
إسرائيليا وفلسطينيا، نشطت منذ الأمس عمليات التنسيق الأمني بحثا عن السجناء، بينما ثارت زوابع القلق عربيا وإقليمياً وعالميا من متغيرات الأوضاع الأمنية في الداخل الإسرائيلي.
عمليا، إسرائيل ستضع عشرات القرارات الأمنية والسياسية، أولها وأكثرها شمولا، هو الإعلان عن توقف أي اتصالات بين السلطة الوطنية الفلسطينية، والحكومة الإسرائيلية، لتبقى العلاقات في الحد الأدنى، طالما بقى التوتر في الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، فالعملية التي خططت للهروب، بحسب تقرير أمني صهيوني، يقول إن قوى الأمن الإسرائيلي لم يكن لديها أي معلومات استخبارية عن خطة هروب سجناء من أي من عشرات السجون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أثر الهروب أن المشكلة الأمنية ستضع بصمتها على معطيات وردود فعل الحكومة الإسرائيلية، التي ستعطل كل المساعى الدولية والإقليمية والعربية، التي تستهدف عودة المفاوضات، سعيا نحو مؤتمر دولي للسلام برعاية ووساطة أمريكية، أوروبية.
24ساعة غيرت توازنات المنطقة، وتركت دولة عنصرية قمعية، كانت تتهيأ لتبدو أمام الإدارة الأميركية والعالم أنها دولة مسالمة، وأن الشعب الفلسطيني هو العنصري، الذي يهدد وجود إسرائيل الديمقراطية،السخيفة،المهدد لحقوق الإنسان منذ عقود الاحتلال لفلسطين في نكبة 1948،ووصولا إلي نكسة العام 1967.
الصهيونية أتاحت عملية الهروب، ووفرت بغباء ومعمار السجون لفرص بث سيكولوجية الرعب والقهر إلى أن سقطت أمنيا، لكنها-للأسف ما زالت تتراقص أمام دبلوماسيي العالم، وتشير إلى أن الممارسات الفلسطينية تؤذي إسرائيل الدولة، ما جعل الإعلام الصهيوني يبث للعالم قلق اليهود من الفلسطيني المقاوم الأعزل غالبا.
إقليميا، ستشهد الأشهر التالية لعملية الهروب، تباكيا إسرائيليا صهيونيا، من قوى نضالية وتنظيمات فلسطينية تسعى لزعزعة أي مساعى للسلام أو عودة المفاوضات من أجل وضع حلول لاستحقاق إقامة الدولة الفلسطينية التي، تقوم على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، بما في ذلك إقرار الوضع النهائي لشكل الدولة وقابلتها للحياة، وأيضا إقرار القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وتدارس ذلك في مفاوضات الوضع النهائي.
عملية الهروب أدت إلى "هروب قسري" من متابعة ما سعت إليه الولايات المتحدة، الأردن ومصر، عدا عن السلطة الوطنية الفلسطينية ودول إقليمية شرق الوسطية عديدة من الخليج العربي، تركيا والمغرب العربي.
ركائز ومسارات مؤتمر القاهرة، قبيل هذا الشهر، دخلت في مؤشرات التجميد الذاتي من الطرف الإسرائيلي، فما تبدو عليه المستجدات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف نفتالي بينت، يعزو عملية الهروب من "سجن جلبوع"، عملية خططت لها التنظيمات الفلسطينية اليمينية واليسارية معا، التي تسعى لإجهاض الاستجابة الإسرائيلية الصهيونية لطلب العالم العودة إلى طاولة المفاوضات ونبذ العنف ضد الفلسطينيين وإلغاء عمليات التهويد، وبالذات في الضفة الغربية والقدس وغزة.
بعد الهروب، قالت وسائل إعلام إسرائيلية رسمية، منها موقع "تايمز أوف إسرائيل" التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إنه قبل يوم من تنفيذ خطة الهرب، طلب السجين زكريا الزبيدي، أكبر سجناء المجموعة الهاربة سنا، (49) سنة نقله إلى الزنزانة التي يوجد بها السجناء الخمسة الآخرون، بحسب ما أفادت به القناة 12،الإسرائيلية، وأنه تمت الموافقة على الطلب من دون إثارة أي تساؤلات(....).
سجن جلبوع على الحدود مع الضفة الغربية، أشد السجون حراسة في إسرائيل، تحتجز السلطات فيه فلسطينيين مدانين أو يُشتبه بقيامهم بأنشطة مقاومة ضد إسرائيل.
في الكيان الإسرائيلي، تقوم مصلحة السجون الإسرائيلية بعمليات حصر وتعذيب واضطهاد السجناء، وهي مصلحة لها فروعها في كل منطقة من فلسطين، مصلحة سجون المنطقة الشمالية، قالت إن الهاربين حفروا نفقا، في أرضية مرحاض زنزانتهم للوصول إلى السراديب بين السجن وخارجه.
يجتهد الإعلام الإسرائيلي إلى شيطنة طريقة الهروب، ملمحا إلى أنها تشبه بشكل كبير خطة ظهرت في برنامج تلفزيوني أذيع في رمضان عام 2014 على قناة الأقصى التابعة لحركة حماس، وتضمنت هذه المؤامرة هروب ستة سجناء فلسطينيين من سجن إسرائيلي من نفق حفروه من حمام زنزانتهم.
.. وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى (سجن جلبوع 2014) في يوم 4 أغسطس/آب 2014،عندما تم إحباط محاولة هروب جماعية لأسرى من سجن جلبوع، بعد قيام أسرى بأعمال حفر في نفق من مرحاض إحدى الزنازين.
.. في السردية الصهيونية الإسرائيلية، هناك تباكي، إذ إن عملية الهروب، أفسدت على الدولة اليهودية أعياد رأس السنة العبرية والوصول بالاحتفالات حتى يوم الغفران.
التباكي، انعكس على جولة العلاقات الإسرائيلية مع العالم، وشددت من إجراءات التنقل والسفر عبر المعابر والمطارات، والاحتفالات، وأيضا أبدت الخارجية الإسرائيلية قلقها من أي خطط للتسوية أو التفاوض مع السلطة الفلسطينية، أو حتى عربيا، فيما تنتظر من الجانب الأمريكي المواساة والعزاء، نتيجة خراب وتجميد أي خطة لعودة المفاوضات.
.. هل ما حدث صدفة؟
في الدرس المتعلق بنظرية المؤامرة، هنا ثلاثة جوانب في أي مؤامرة:
-الجانب الإيجابي.
-الجانب السلبي.
-الجانب الداعم.
ما يعزز أن هناك مؤامرة صهيونية (الجانب الإيجابي من المؤامرة)، في محاولة لمنع أي تحرك دولي/عربي ضاغط باتجاه عودة مفاوضات السلام، وإلا ماذا يعني ما بث من معلومات استخبارية فى القناة 12 الصهيونية بأن النزلاء في الزنزانة، التي تمت فيها عملية الهروب، والتي نُقل إليها الزبيدي كانوا يحفرون في الحمام خلسة لأسابيع أو شهور قبل تنفيذ العملية، وقد أخفوا الحفرة تحت لوح أرضية(....).
وأما في الجانب السلبي، فإن الهروب، يضع السلطة الفلسطينية والتنظيمات العديد في غزة والضفة الغربية، على محك المسئولية، لتمنح العدو فرصة التنصل من مسئوليات تجاه حل القضية أو المشاركة بهذه الحلول، وليس الهروب، دلالة على أي تنسيق، بل مخاوف وتكهنات.
أما الجانب المدعوم من القصة، وما تحمله من مؤامرة ما نقل عن تمكن السجناء من الهرب بالاستفادة من تصميم هندسي لسجن جلبوع كان متاحا على الإنترنت على الموقع الإلكتروني للشركة المعمارية التي صممت الموقع، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، مساء الإثنين الشركة التي صممت السجن ونفذته شركة ايرلندية.
تشتت الاتجاهات وصور الكاميرات، ليعلن فشل الأمن الإسرائيلي في احتواء عملية الهروب.
هذا المؤشر يصب في نظرية المؤامرة، ما يجعل الحكومة الإسرائيلية تتآمر داخليا، لاحتواء المعارضة التي لا تريد عودة المفاوضات والانفتاح على السلطة الفلسطينية، أو حتى التطبيع مع المنطقة خصوصا مع العرب، في ظل انهيارات وأزمات تطال جميع دول المنطقة خصوصا سوريا، العراق، ليبيا، لبنا، وحتى أجهزة السلطة الفلسطينية.
قد تعترف إسرائيل بالمؤامرة، إذ إن ذوبان المساجين الستة داخل المخيمات والقرى الفلسطينية، يفشل عنجهية الأمن الداخلي والجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم.
هزيمة حقيقية لإسرائيل الصهيونية التي لا تريد السلام.