رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خيارات تزويد لبنان بالطاقة.. بحثًا عن اليد الخفية!

ما زال لبنان عاني نقصا حادا في الطاقة النفطية ومشتقاتها، نقصا في الكهرباء، نقصا في الغذاء والدواء، عدا عن نقص سياسي أمني، يتيح فرص الخلاص من بيئة حزبية وطائفية وسياسية تتحكم بكل أشكال الحياة في لبنان. 

هل يمكن اعتبار لبنان بلدا منكوبا في ظل الإقرار بأن الفقر وصل إلى ما نسبته 79% من السكان «6.856 مليون» يزيد مليونًا عن تعداد 2019. 

قبل أسابيع، سارعت الولايات المتحدة- نتيجة لإعلان أمين عام حزب الله، الشيخ حسن نصر الله، عن مقترحات يدرسها الحزب لاستقبال الإمداد النفطي من إيران، سفن وصهاريج من المحروقات، وربما النفط الأسود الخام- لإعلان الطوارئ السياسية والأمنية من هكذا خطوة من حزب الله، في ظل غياب استقرار في الحكومة اللبنانية، والانفلات الأمني وحراك الشارع. 

درست الإدارة الأميركية الجديدة ما يتعلق بعقوبات قانون "قيصر"، المعلمة أميركيا ودوليا ضد الدولة والنظام السوري، هنا بدأت اللعبة الإقليمية وتسارعت مقوماتها عربيا ودوليا..! 

في الأعراف السياسية، تلجأ الولايات المتحدة إلى قوانين أمنية لتغيير معادلات الواقع في البلدان التي تثير شهيتها للتدخل، كالحال في سوريا.. وفي الملخص، وجدت الإدارة الأميركية أن "قانون قيصر" لا بد أن يعاد النظر به، ما يفتح فرصة ذهبية للنظام السوري اجترار نشوة النصر.. أي نصر، لا مشكلة، فالذي يحدث على الأرض السورية يتيح لتدويل القضية، وبالتالي تأخير حلولها. 

بالرجوع إلى حاجة لبنان للإنقاذ، لجأت الولايات المتحدة إلى نوع ما من التأجيل الدراماتيكي للحاجة إلى الطاقة، إذ تُعتبر موافقة الإدارة الأميركية على استجرار الطاقة والكهرباء- تحديدا- التي سينتجها الأردن، مما يصل إلى الأردن من إمدادات الغاز المصري، عبر الأراضي الأردنية، ومن ثم إلى لبنان عبر جنوب سوريا (درعا، حمص وصولا إلى طرابلس اللبنانية)، هي خرق لهذا الـ"قيصر" القانوني.. وبالتالي على تنفيذ العقوبات المفروضة على الرئيس بشار الأسد، والدولة السورية. 

عمليا، في ظل الأزمة اللبنانية القاتلة، استطاع "الأسد" فهم وتأطير مساعداته إلى لبنان، ليبدو أمام العالم والجيش السوري قياديا ناجحا، في ابتزاز العالم ليكسب بعضا من الشرعية  المفتقدة ليستغل العجز اللبناني بطريقة خطيرة، تؤدي إلى المزيد من الوفيات والانهيار.

سيناريوهات متباينة تدير المستجدات النهائية، حول إمدادات (جر) الغاز وموعد وصول ناقلات النفط الإيرانية، الموعود وفق أجندات سياسية يتقاسمها حزب الله والحكومة السورية والحكومة اللبنانية وأطراف من القوى والأحزاب في الساحات كافة.

وجود تنسيق دولي، أممي، إضافة إلى مصر والأردن، والموافقات الأميركية المشروعة، كللت أعمال وزيارة الوفد الوزاري اللبناني، بقيادة نائبة الرئيس زينة عكر، التي تتولى  مناصب قيادية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، لعل أبرزها وآخرها وزيرة الخارجية، لدولة تتشظى. 

"عكر" وجدت الباب مواربا أمام خطة رسمتها ودعمتها الولايات المتحدة الأميركية، تسمح للبنان باستقبال الغاز والكهرباء عن طريق الشبكة الكهربائية السورية، وبالتالي، ما يعزز للشبكة السورية حرية الاستيراد من الغاز المصري، وتحويل داخل الأراضي الأردنية إلى طاقة كهربائية تحتاجها مرافق الحياة والعيش والصحة والاقتصاد في لبنان المنكوب، لهذا برزت الحدية في معالجة نقص لبنان الحاد في الوقود، ما أدى إلى اضطرابات في الخدمات الحياتية والاقتصادية الأساسية.

لم تكن محاولة عودة وفهم العلاقات بين لبنان وسوريا سهلة، بمثل ما هي صعبة بالنسبة للأردن ومصر والعراق، ولا يمكن حلحلة الواقع السياسي بين دول الجوار السوري بسهولة.. لأن حقيقة الأمر أن سوريا تستفيد من علاقات حيوية اساسية تربطها بحزب الله، وروسيا، ما يفرز تعقيدات في حل اشكالية الطاقة التي يجب أن تصل لبنان في اقصر مدة ممكنة لأنها تعني (طاقة= حياة) في ظل الوضع الإنساني الحساس في لبنان، وليس اجتهادات أن نؤكد أن حزب الله هو الذي يسيطر سياسيا وعمليا على لبنان، وبالمحصلة هو نتاج حلف سوري لبناني متفق على طبيعة الصلة مع النظام والدولة السورية.. فما تبقى من حديث السياسة؟

الوفد الحكومي (في ظل عجز سياسي بتشكيلة وزارية مطلوبة) اللبناني بحث مع  سوريا الإسراع في تمرير ملف الغاز المصري.. والكهرباء الأردنية، لتمكين، القرار أميركيا وأردنيا ومصريا من التفعيل، فالغاز  المصري يجب أن يدخل عبر الأردن (هذا أولا)، وأما (ثانيا) فقد أيدت الحكومة السورية مسار إيصال الكهرباء لأنه عرض تراه يجعل من السوريين في حل أزمة الكهرباء والطاقة التي يحتاجها لبنان في الظروف الحالية، وهي لعبة سياسية تقرب الرئيس السوري بشار الأسد من الشرعية السياسية، والتمكين من صنع القرار برغم استحالة ذلك بوجود المؤثر الاستراتيجي الإيراني والروسي.. و(ثالثا) أن مؤشرات التعقيد في التوسط والشروط التي مررتها الحكومة السورية تؤشر إلى أن النظام يريد هذه الفرصة، بهدف اختبار قوة الحركة، والعودة ولو جزئيا إلى ما غاب منذ سنوات، عن الساحة السورية الإنسانية، والساحة العربية سياسيا والدولية التي تصطدم بالارتهان للوجود الإيراني والروسي والأحلاف التي تعمل على الأرض. 

مؤشرات ودراسات استخبارية عديدة الاتجاهات وجدت أن ما تريده سوريا يعد اختبارات  للعقوبات الأميركية ضدها وفق قانون قيصر، وفي ذات الوقت نظرة على العقوبات الدولية ضد إيران بتحالفاتها وصراعاتها السياسية في سوريا ولبنان والعراق واليمن. 

لبنان (الرسمي) يسعى لإدارة عملية التزود بالكهرباء، وحرية استخدام أنابيب النفط العابرة للأراضي السورية وهي تحمل النفط والمشتقات الإيرانية عبر ما تسيطر عليه من الموانئ السورية، بحجة حل أزمة الكهرباء في لبنان المنكوب، ما يوفر بيئة متخيلة للجانب السوري،  تقريب أجندة مناقشة وإمكانية إلغاء العقوبات، خصوصا قانون قيصر. 
.. والخاطر الذي يلوح في الجانب اللبناني، هو التخوف الفعلي من تمكين الحكومة السورية من تولي هذا الملف- جلب الغاز والكهرباء من الأردن ومصر- وهو ما يجعل الرئيس السوري متحكما مسيطرا، بكل حاجة لبنان من الطاقة: الكهرباء والغاز.
تلعب الجيوسياسية، بين دول:
- الجوار السوري. 
أو- الجوار العراقي. 
أو - الجوار اللبناني. 
لعبة دومينو خادعة، فالتداعيات السياسية، تشغل الرأي العام، وتفرز طبيعة العلاقات مع غيرها من أفلام السياسة والاقتصاد في العالم. 

ندرك حقيقة سياسية مهمة، أن الأردن، ومصر، والعراق، لها ذات الرغبات السياسية والجيوسياسية لوقف اللعبة الخفية من الغرب، ضد مصالح ومقدرات دول الجوار، إن قوة مصر والأردن والعراق، تحاول أن تستفيد من العلاقات الحيوية مع الولايات المتحدة وروسيا والمجموعة الأوروبية ودول شمال إفريقيا والمغرب العربي، لتتلاقح  إلى جانب  رغبتها بعودة  استراتيجية ل سوريا إلى محفزات العمل العربي المشترك ضمن جامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات العربية والدولية والاقليمية، وهذا يحرك حجارة الدمينو، حركة فيها خطوة نحو الدور الذي تلعبه نصرو دول الخليج والأردن والعراق، والارادة السياسية التي تريد سوريا مستقرة،سياسيا واقتصاديا، بما في ذلك، إعادة اعمار دول المنطقة، وعودة الرأي السياسي والاممي المفتقد. 
هناك من يقول بأن لبنان المنكوب، قد يضطر لعملية سياسية مع سوريا، قد يقال عنها :حركة أولى  الى التطبيع مع الرئيس  الأسد! 
دلالة ذلك، ما يتبع ذلك من توفير لذات الصفة لكل الدول التي تحرك قرص الطاولة حول ملف الطاقة التي تصل الحياة إلى لبنان،وبرعاية أميركية واممية. 
.. متئ يصل التيار الكهربائي بإنتظام للبنان؟. 
سؤال لا تستطيع الإدارة الأميركية الإجابة عليه.. وبالمطلق، لا إجابات محددة عربيا، فالوضع ان خطوط نقل النفط والغاز وتمديد آت خطوط ومحطات التوليد، تحتاج إلى جهد دولي/عربي/اممي، يضمن حرية حماية التمديدات وخطوط الإنتاج والنقل،

في خصوصية الملف، سياق ذاتي لبناني، مثلما هو سوري، إلا أن عمل الإدارة الأميركية والرئيس بايدن، جعل من أميركا  سيدة محور جيوسياسي تريد الولايات المتحدة، ضبطه ووضعه في سياق تراتبي، عبر حسم العلاقة السورية الخاصة مع طهران وموسكو،لهذا كانت لبنان، مسمار نعش ملفات غائبة، يجري دفنها بذريعة قانون قيصر للعقوبات على النظام السوري، وإذا اختلفت بنود العقوبات، ذابت كتل الثلج، لتنجلي صورة سوريا، وسيط الحراك الاقتصادي في وسط الجوار العربي المشترك في بلاد الشام وعودة خرائط سوريا الطبيعية قبيل سايكس بيكو. 
.. من الجاد القول، ان وضع لبنان مقلق، لأن الصفقات تزدد حول سلة العنب، عنب الكهرباء، قبل أن تصل الى بيروت.