وليد الخشاب يروى تفاصيل اللقاء الأخير مع الراحلة أمينة رشيد
غيّب الموت، مساء أمس الأول، الكاتبة والأكاديمية أمينة رشيد، أستاذ الأدب المقارن بجامعة القاهرة، زوجة الناقد الراحل دكتور سيد البحراوي، وأحد أيقونات نساء مصر في المشهد الثقافي والسياسي المصري عن عمر ناهر الـ83 عامًا.
وعن طبيعة علاقتها بتلاميذها وأصدقائها يحدثنا الشاعر والأكاديمي د. وليد الخشاب الذي يقول لـ"الدستور": "بدأت صلتي بأمينة رشيد، ثم صداقتي لها منذ ما يزيد علي 35 عامًا، قبل أن تشرف على رسالتي للماجستير ثم تشرف على رسالتي للدكتوراه، إلى أن سافرت لاستكمال الرسالة بجامعة مونتريال إذ كنت طالب امتياز بالسنة الثالثة في قسم الآداب الفرنسية بجامعة القاهرة في منتصف الثمانينيات، وكانت أمينة تدرس لنا مادة الأدب المقارن".
تابع الخشاب: كانت تمزج محاضراتها عن روايات من روائع الأدب الفرنسي ذو البعد الاجتماعي بمقارنات مع روايات تحمل الهم نفسه من إبداع جيل الستينيات المصري، وكانت دائمًا ما تربط بين موضوع الدرس والشأن العام الراهن أذكر تمامًا أن أول موضوع طرحته بهذه الطريقة، بعد أسابيع من بداية العام الدراسي، كان موضوع الاستقلال الثقافي ومقاومة الهيمنة الغربية على المستوى السياسي والرمزي الثقافي معًا، لأن إحداهما لا تقل خطورة عن الأخرى.
يضيف: "كنت مستوعبًا طرحها ومتفقًا معه، إلا أنني لم أتفق على ما خلصت إليه من أمثلة في واقعنا المعاصر، فقد أشارت إلى دعوة لتمصير التعليم تماماً، وقصر التعليم عاماً وخاصاً على التعليم باللغة العربية، وإلغاء مدارس اللغات، حفاظاً على سيادة العربية في نظام التعليم الوطني، وتعزيزاً للاستقلال الثقافي المصري وكنت أرى أن التعليم باللغات الأجنبية -وإن كان يكرس للطبقية- إلا أنه إحدى ضمانات مستوى تعليمي متميز لبعض فئات المجتمع، لن يتيسر تعويضه بمستوى مماثل في التميز في التعليم العام رغم اختلافها معي، إلا أنها أبدت سعة صدر ولم تزد في النقاش، وإن أصرت على وجاهة طرحها بثقة واحترام معًا. وما كان هذا إلا موقف من عشرات غيره، أثبتت فيها، داخل المدرج وفي قاعات الندوات والمؤتمرات عبر عقود عديدة، احترامها للآراء المخالفة لرأيها.
ويلفت الخشاب إلى أنه "منذ شهور قليلة، جمعتنا الصديقة الدكتورة سلمى مبارك -تلميذة أمينة الأثيرة- في لقاء ببيتها مع أستاذتنا وبعض تلميذاتها المقربات. كان هذا لقائي الأخير بأمينة قبل عودتي إلى كندا. كانت ذاكرتها قد استعادت نشاطها، وكانت مرحةً، مرتاحةً، مرتفعةَ المعنويات. كانت تبادلنا أطراف الحديث بهذا البشر والتهلل الهادئ الذي عودت عليه أصدقاءها، وإن لم تعد تذكر تفاصيل مشروعاتنا البحثية التي أنجزناها بإشرافها أو بدعمها. ذَكَرْتُها بدروسها التي حضَرْتُها في الأدب المقارن في السنة الثالثة بكلية الآداب.
ويختم الخشاب: "حكيت لها عن ذكرياتي الخاصة بحلقات تحليلها لرواية "قدر الإنسان" لأندريه مالرو. وذكرت لها إجمالاً كيف أن تحليلها أوضح لنا أن التحرر من ربقة الاستعمار الأجنبي أو الحكم الاستبدادي المحلي، لا ينفصل عن تحرر الفرد من القيم الاستعبادية التي تضيق عليه حياته. فكانت تنصتُ إليَ باهتمام وذهن متقد، وكأنها تستمع للدرس الذي ألقته عليَ منذ خمسة وثلاثين عاماً، للمرة الأولى. واخْتَتَمَتْ حوارنا باللازمة التي كرَرَتْها أكثر من مرة خلال عرضي لذكرى تلك الدروس: "كويس قوي" كويس قوي إني شفتك لآخر مرة مبتسمة يا أمينة.