درعا.. نهاية البداية لتدويل الأزمة السورية
يشهد الجنوب السوري، درعا المدينة السورية المنكوبة على أطراف صحراء بلاد الشام، ( جنوب شرق)، أشرس صراعات إثبات الوجود السياسي الاجتماعي، الطائفي في المدن السورية.
على حد خاصرة درعا تقف إشارات متباينة لصراعات سورية - سورية، صراع إيراني-سوري، وصراع روسي - سوري، عدا عن تفاهمت ومحاولات للتدويل، لعل الوضع التركي والأمريكي والأممي، يراقب وربما يحسم هذه المحاولات لإذابة درعا، وبالتالي (نمذجة) الصراع السوري - السوري ليكون حرب وثائق وورق، واتفاقيات، يضيع فيها الكيان السوري حضاريًا وإنسانيًا، وسياسيًا في ظل التدويل والاحتراب.
للوضع في درعا، خصوصية ما تعنية الجيوسياسية الأنظمة لـ"الحدود السورية الأردنية"، التي هي ليست (الآن) مجرد الحدود التي تربط بين الجمهورية العربية السورية والمملكة الهاشمية الأردنية وتمتد على طول 375 كم، وتمتد إلى الجنوب مع مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل كما تمتد على طول نهر اليرموك، وتصل للشرق حيث تمر بين الرمثا ودرعا عبر مركز حدود الرمثا إلى مركز نصيب الحدودي ما بين عمّان ودمشق، أما الحدود الشرقية فتمتد حيث تمر في خط مستقيم عبر الصحراء السورية التي تنتهي في مثلث حاسم حدوديًا: (مثلث صحراوي، يجمع - بحياد-الحدود المشتركة: الأردنية السورية العراقية) مختلف أمنيًا وسياسيًا بعد ما آلت إليه الصراعات بين أهل درعا والنظام السوري.
اليوم والآن، ومنذ إعلان العديد من الفصائل المصارعة، انهار، ما سمي بـ"اتفاقية درعا" التي أبرمت بعد مفاوضات ماراثونية بين وفد من النظام السوري، برئاسة رئيس المخابرات العامة حسام لوقا من جهة، واللجنة المركزية المسئولة عن التفاوض باسم أحياء مدينة درعا من جهة ثانية، نتيجة محاولة وفد النظام فرض شروط إضافية على لجنة المفاوضات، بحسب مطالبة وفد النظام، طرح مطالبه لإنهاء الحصار على الأحياء وسحب القوات المهاجمة مقابل إقامة 9 نقاط أمنية تغطي درعا، بهدف فصل أحياء المخيم وطريق السد عن البلد، والسماح لقوات الجيش السوري، باقتحام وتفتيش، المزارع والمصانع والمنازل، بينما طالب قائد الفرقة الرابعة في درعا بتسليم أهالي الأحياء المذكورة كافة الأسلحة التي بحوزتهم.
ما رشح عن لجان التفاوض من أهل درعا، أن المعاناة والتدخلات الإقليمية والدولية، أدت لإعلان وقف المفاوضات مع الدولة السورية والقوات الروسية، وأن أهالي درعا استشعروا، الدور الإيراني، في الصراع، ذلك أن عشائر وأهالي درعا، على وعي مسبق بما تريد إيران، فهي تتعمد خلق مواجهات مسلحة، ولا تريد الاتفاق في درعا وتسعى لإفشال أي اتفاق يبرم فيها.
لماذا انهار الاتفاق ومن هى القوى الدولية التى تسعى لإشعال درعا وتدويل الصراع وفتح بؤر عسكرية وأمنية في حدود ثلاث دول مجاورة، وسياسات دول تحارب بالوكالة؟.
بالرجوع إلى مصر، ظهر الخميس 2 أغسطس، كانت القاهرة تلتحم مع عالمنا في قمة ثلاثية بين الملك عبدالله الثاني ملك الأردن والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس.. في ذات الوقت، كانت قوى المعارضة السورية في درعا ترفض أي استمرار للمفاوضات بين الجيش والنظام السوري، وإلغاء الدولي ممثلًا بروسيا وإيران، فما كان من أهالي درعا المنكوبة إلا مناشدة الأردن ومصر التدخل، ومنع مجازر تحدث، وسط صمت دولي، ورقابة أمريكية حائرة بما آلت إليه الأمور.
الرئيس السيسي، والملك الهاشمي عبدالله الثاني، استطاعا، تحدي الوقت وحددا فكريًا وسياسيًا، طبيعة الرؤية العربية-الدولية، التي تتوافق مع ما تحمله المؤشرات الدولية المتباينة حول العالم، وخصوصًا في دول المنطقة وجوارها وأحلافها المتصارعة، ما يجعلها تترك آثارها على مستقبل المنطقة والشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع الدقيق سياسيًا وإنسانيًا واقتصاديًا في فلسطين المحتلة، سوريا والعراق ولبنان.. وصولًا إلى ليبيا واليمن (...)، عدا عن أزمات دولية، تتسارع منفتحة على المجهول؛ ذلك أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، واستيلاء حركة طالبان على كل البلاد، خنق العالم، ترقبًا لمسارات إقليمية ودولية تتجه نحو الخطر القادم في ظل ثلاث أزمات تؤثر على منطقتنا:
-الأزمة الأفغانية، استيلاء حركة طالبان على البلاد، ونشوء صراع وجود أفغاني-أفغاني.
-تداعيات تفشي فيروس كورونا، الذي بات الأزمة الإقليمية والعالمية الثانية، في تراجع مؤقت.
-الحكومة الإسرائيلية ورئيسها الجديد "بينيت" وسبل معالجته للعلاقة بين إسرائيل والعرب، إسرائيل وإيران، إسرائيل وحزب الله، إسرائيل والمقاومة السورية في مرتفعات الجولان.
عدا عن رؤية "بينيت" للقضية الفلسطينية والاستمرار في الاستيطان والتهويد، وهو الذي قال خلال لقائه مع منظمات يهودية في الولايات المتحدة إنه لن يلتقي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإنه يستبعد حدوث انفراج سياسي مع الفلسطينيين خلال فترة ولايته، إلا أنه يعتزم اتخاذ خطوات للحد من الصراع مع الفلسطينيين وتقليل التوترات، وبالطبع التدخل في الأزمة السورية واللبنانية والإيرانية.
تلقى هذه الأزمات المتسارعة، بظلالها على مناطق الصراع، القمة الثلاثية وركائزها التي أعلنت، تكشف مدى حاجة العالم إلى، زعامات تعيد ضبط نتائج كل أزمة وسبل إدارتها سياسيًا وأمميًا وإنسانيًا.
وبالعودة إلى مناشدات درعا، يحاول قيادات وزعماء العشائر، توفير الأمن بسبب عدم قدرة الأجهزة السورية على ذلك، ما يزيد من التوتر وبالتالي تدخل قوى أجنبية، روسيا وإيران، وأحلاف وتنظيمات أخرى، الأمر الذي ترك أهالي درعا أمام خيارات أحلاها مر:
-خيار الدفاع والمقاومة وإثبات الوجود أمام إيران وروسيا، قبل الجيش السوري.
-خيار الهجرة واللجوء إلى الحدود الأردنية، ونحو إدلب، والتوهان في مناطق صحراوية وريفية منكوبة، في وقت يصعب فيه الوصول إلى الحدود التركية أو العراقية.
-خيار المزيد من الدم، والحروب المسلحة والنزاع الأهلي الداخلي بين أهالي وعشائر وفصائل المعارضة في درعا، وهو خيار قاتل في ظل الصمت والتحريض، تنفيذًا لعمليات تطال العشائر، التي أصدرت بيانًا وطنيًا أعلنت فيه وحدتها ضد الفتنة ورفضت ممارسات العناصر المحلية للميليشيات الموالية للنظام، والدول الداخلة في النزاع: روسيا وإيران.
عمليًا وعلى الأرض، تعيش مناطق شرقي درعا، خطر النار التي يفرضها الفيلق الخامس الذي شكّلته روسيا في بصرى الشام والفصائل المحلية من بلدة القريّا بمحافظة السويداء الغربية، الأمر الذي يزيد الصراع في ظل مناشدات أهالي البلد، خلاصهم من مجازر قادمة، بفعل سكوت دولي.
وحذرت دراسة لمعهد كارنيجي للأزمات، من محاولات النظام السوري، استعادة قبضته على المناطق التي لها اعتبارات سياسية فرضها زعماء العشائر، وشكلوا فيها دورًا رئيسيًا في توفير الخدمات الأساسية والأمن مهدّدًا أولئك الذين لا يتبعون خط الحكومة. وعلى الرغم من أن هذا يحدّ في نهاية المطاف من سلطة زعماء العشائر، إلا أن ضعف قدرة الدولة وغياب التحول السياسي في سوريا يدل على أنه من غير المرجح أن تتغير مشاركتهم في الإدارة المحلية في أي وقت قريب.
تدهور الأوضاع الشاملة، والتدخلات العسكرية في درعا البلد بدأ يكشف عن القواعد التي تفاوضت عليها روسيا في عام 2018، وإلى الآن .
كان هذا الصيف، كاشفًا عن أشكال التصعيد في درعا ومناطقها كافة، محيرًا، بالآليات السياسية والأمنية التي دعت النظام السوري يتحرك (لوحظ ذلك بارتباط من نتائج قمة التعاون والمشاركة التي أقيمت في بغداد كانت تستهدف جمع وفهم واقع التحولات والصراع آتٍ سياسيًا واقتصاديًا وإذكاء لدور سوريا والجوار السوري، إلا أن ذلك فشل) لإنهاء هذا الأمر، حيث طلب بدعم من روسيا، أن يسلم المتمردون السابقون ما تبقى لديهم من أسلحتهم، مقابل انسحاب الميليشيات الموالية للنظام من المنطقة.. وتوافق ذلك مع مطالبات بخروج الجماعات الموالية لإيران من درعا.
الخطر قادم، يؤشر على فشل سوريا الدولة والنظام في احتواء التصعيد في مناطق تتداخل فيها وتتداول الدول مصالح الشعب السوري، ولن تكون درعا حالة استثنائية في الأزمة السورية.
مصادر أمنية وسياسية متطابقة، أكدت أن الـ24 ساعة السابقة، أجبرت عشرات آلاف من الأسر في درعا والقرى والبلدات المجاورة، الواقعة بمناطق الصراع والاضطرابات التي تتجدد بشراسة، إلى الفرار لمناطق أكثر أمنًا، تقع قرب الحدود مع الأردن، الأمر الذي زاد من تأهب الجيش الأردني من أجل احتواء موجة محتملة جديدة من اللاجئين السوريين، والمرة هذه شتات الصراع الذي يريد تدويل درعا وبالتالي خنق رئة من رئات سوريا عبر العالم.
بالتأكيد، ونتيجة التصعيد، لجأ عشائر وأهالي درعا (يزيد عدد سكان درعا عن 2 مليون و500 ألف نسمة) إلى التهجير، والهروب عبر ممرات شمال غرب سوريا، وصولًا إلى منطقة إدلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة.
نقطة على صفر الصحراء الشامية، فقد ذكرت مصادر واسعة الاطلاع، أن التصعيد مقصود (..) ما يؤشر على، محاولة القوى الدولية الداعمة للنظام والجيش السوري، إشغال العالم عن حساسية مناطق درعا، التي باتت في بؤرة العالم سياسيًا وإعلاميًا بعد استعداد الأردن مد شبكة الكهرباء الأردنية لتمر عبر درعا، مجددًا بهدف مساعدة الشعب اللبناني في أزمة الطاقة.
بالمحصلة، التصعيد يتصيد التدويل، وهذا يحتاج بلا شك إلى إنتاج تفاهم إقليمي-دولي حول الوضع في محافظة درعا، التي تتفتت، ما يعني صعوبة إيصال أي طاقة أو كهرباء إلى لبنان، في وقت يعاني فيه الشعب السوري تصعيدًا قاتلًا.. هذا التفاهم، مسألة دولية تعني تدخل المجالات من قبل الولايات المتحدة، روسيا، إسرائيل، إيران، وغيرها من التنظيمات.
الخطر يؤدي إلى أزمة، ربما تعيد انهيار الدولة السورية، لأن محاولات (الساعة) لتسوية الوضع والاشتباكات واللجوء، صدمت مستقبل درعا.
وأي مستقبل في ظل متاهة يحكمها السلاح؟.
ينظر، مرحليًا إلى جامعة الدول العربية ومجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة، التحرك لمنع تحويل درعا إلى منطقة نفوذ أجنبي، وتدويل الصراع بشروط روسية إيرانية، تتداول بضمنها مصالح تركية أمريكية، إلا أن واقع الأمر، مقلق، وقد يفضي إلى أزمات جديدة لكل الجوار السوري.