خروج الأمريكان من بلاد الأفغان!
مخطئ من يظن أنه بعد انسحاب القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية ستهدأ الأوضاع وستستقر الأمور، مخطئ أيضًا من يقول إن أفغانستان بلد فقير، ليست هنالك منفعة، سيحصل عليها من وطأها، أو مر بها، أو دخلها!
فأفغانستان يا سادة، واحدة من أغنى بلاد الله على أرض الله، والخروج الأمريكي منها حتى وإن بدا في ظاهره إعلان عن انتهاء الحرب، وإنهاء لحالة الاحتلال، ولكن يحمل في باطنه، إيذانًا ببدء تجدد النزاعات!
تنشب الصراعات عادة بين الدول، أو على الدول، من أجل الفوز بالنفوذ، أو الهيمنة على الثروات، أو فرض السيطرة على المواقع .
لو سلمنا بأن كل ما ذكرناه الآن، أو جله، أو بعضه صحيح، وكانت تلك هي الدوافع المحركة، أو الأسباب المحفزة على نشوب النزاعات، أو تأجّج الصراعات، لتأكد لنا بجلاء، أن جلاء القوات الأمريكية عن الأراضي الأفغانية، سيحيلها حتمًا إلى بؤرة صراعات جديدة ونزاعات عديدة!
فمشكلة الأفغان لم تبدأ مع مجيء الأمريكان حتى تنتهي برحيلهم، ولكن تكمن المشكلة، أو صميم المشكلة في تعدد الثروات وتفرد وامتياز الموقع!
والموقع الجغرافي لأفغانستان كمعبر هام، وضروي وحيوي لتصدير البترول والغاز من وسط آسيا إلى بحر العرب، وامتلاكها لهذا الكم من الثروات، يجعلها مطمعًا لدول كثيرة حولها!
الدولة الأفغانية، التي تحوي بين جنابتها أفقر شعوب الأرض، تحمل في بطن تربتها مجموعة متنوعة من الكنوز الطبيعية، تؤهلها لتكون واحدة من كبريات الدول ثراء، لو أُحسنت إدارتها واستخدامها!
فلديها من معادن الذهب والحديد والنحاس والليثيوم، وخام الكوبالت والمعادن والعناصر الأرضية الأخرى، كالوقود الأحفوري واليورانيوم، ما قد لا تمتلكه عدة بلدان غنية في محيطها، ما دفع بالدول الكبرى إلى التسابق لتدشين مشاريع تجارية مع حركة طالبان وسبحان مغير الأحوال!
فها هي الصين الشعبية، وروسيا القيصرية، والهند وباكستان النووية، وإيران الإسلامية تهرول جميعها باتجاه أفغانستان (الغلبانة) لتقيم معها علاقات تجارية، ليس من أجل إغاظة أمريكا كما قد يتوهم البعض، ولكن بحثًا عن المصلحة، فالصين مثلاً، و هي المستثمر الأكبر حاليًا في أفغانستان، تريد الحفاظ على استثماراتها وتنميتها، وقد حصلت بالفعل مؤخرًا على حقوق انتفاع لتعدين النحاس الأفغاني لمدة ٣٠ عامًا قادمة، وتطمع حاليًا في الحصول على نصيب من عمليات إعادة الإعمار في البلد الخارج لتوه من براثن الحرب والااحتلال!
أما روسيا، فلديها سببان أصيلان، تسعي في سبيل تحقيقهما إلى احتواء طالبان، أولهما، ضمان عدم تغلل تنظيم داعش الإرهابي في جمهوريات آسيا الوسطى، وهو نفس السبب، الذي دفع بإيران إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات مع طالبان، التي وصلت للحكم في البلد الذي ترتبط بحدود معه، تربو على ٩٥٠ كيلومترًا مربعًا، قد يتسلل خلالها اللاجئون إلى الأراضي الإيرانية!
وربما أرادت روسيا أن تثبت لنفسها، وتؤكد للجميع أنها ما زالت قوة عظمى يعمل لها ولتأثيرها حساب، وهذا هو السبب الثاني!
أما بخصوص الهند، والتي كانت هي الرابح الأكبر طيلة زمن ما قبل طالبان، باستثمارات بلغت ٣ مليارات دولار، فقد خسرت كثيرًا الآن بعد أن سيطرت طالبان، أضف إلى ذلك، خوف الهند الدائم من وقوع انتفاضة مفاجئة في إقليم كشمير، وهو الملاذ الأقرب للمقاتلين، عند وقوع نزاعات داخلية في الأراضي الأفغانية!
على أية حال ...
لقد قبل الأفغان سنة ٩٤ أن تحل جماعة طالبان محل القوات السوفيتية، من أجل حفظ الأمن وتحقيق الأمان، أطلق الرجال لحاهم وارتدت النساء البراقع، هجروا التليفزيون وحرّموا الموسيقي، ولم يتحقق الأمن أو يأتي الأمان، وها هم يقبلون الآن أن تحل أيضًا طالبان محل قوات الأمريكان، فهل سيتحقق الأمن أو يسود الأمان؟!
الكرة الآن في ملعب طالبان، وانسحاب الأمريكان من بلاد الأفغان موضوع له ما بعده.