رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل 72 ساعة من مؤتمر بغداد 28 أغسطس..

ماذا حققت قمة الملك عبدالله الثاني- الرئيس بوتين؟

نقلة سياسية مهمة عاشها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما  تحاور مع ملك الأردن  عبدالله الثاني، في قمة، وضعت روسيا أمام متوازيات الجيوسياسية الدولية، وحجم التعاون الدولي لاستشراف المستقبل السياسي والاقتصادية، والأمني في دول المنطقة، بما في ذلك مركزية وقطبية الحاضر والماضي السياسي.

نقل  الملك عبدالله طموحات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للقطب الدولي الصعب رئيس روسيا الاتحادية بوتين، وذلك استباقا، لقمة مثيرة للجدل تعقد خلال  ال "72"ساعة القادمة في بغداد، قمة تجمع قوة مصر، الأردن، العراق، سوريا، وحلفاء ومنظمات ودول عربية و إسلامية يتباين مستوى تمثيلها. 

عمليا وفي مقدمات ما حققته القمة الأردنية الرؤية، فإن  قمة بغداد، تقام، مع اختلاف على مؤشرات ما تقترب منه من تكوين وانبعاث حلف وقوة سياسية تعيد "الإعمار السياسي والاستراتيجي" مع شعوب المنطقة خصوصا سوريا والعراق، وتنطلق بقوى مهمة كمصر والأردن والسعودية والإمارات، بهدف الخلاص من النازعات والاحترام الداخلي، وتغيير سلوك الراهن السياسي. الاجتماعي للأنظمة الحاكمة خصوصا في سوريا ولبنان.

ومن  قمة الملك الهاشمي عبدالله الثاني-بوتين، رصدنا قضايا إقليمية، دولية وشرق أوسطية، نزاعات وحروب في مقدمها المستجدات في أفغانستان، والهجرة «حركة اللجوء» المرتقب من هذا البلد الذي احتل عقارب الساعة بالتطورات والأحداث.

عمليا: قمة الملك عبدالله الثاني والرئيس الروسي بوتين طرقت جدار الخزان، ووضعت روسيا والعالم أمام تحدي القادم على المنطقة.

وحقق الملك ثلاثة مسارات جديدة للحراك السياسي الاقتصادي، الحضاري للمملكة، بعد قمة ذكية في وضع حرج يستعد له العالم بحذر.

المسار الاول: إصرار المملكة على مواقفها ورؤيتها الفكرية-السياسية التي تستند «إلى/ من» ميراث هاشمي عربي متجذر في العلاقات الجوهرية في المنطقة وبلدان الشرق الأوسط، تحديدا في سوريا والعراق وفلسطين والخليج العربي.

المسار الثاني: لا يشعر الملك عبدالله الثاني بالرضا، فقط، ذلك أنه، واثناء القمة مع بوتين، نجح جلالته بإحداث قوة إضافية لتراث العائلة الهاشمية التي نذرت حياتها وكيانها وفكرها السياسي الحضاري في الحكم والحياة، بحيث اقترن الرضا بالإنجاز وتلك الخصوصية التي لا يقدر عليها غير ملك هاشمي، يعي دلالات التحدي والاستجابة وبالتالي التنمية والعمل، في معالجة وحماية ثلاث دول مركزية في المنطقة، هي سوريا والعراق، ومن قبل فلسطين المحتلة، والتزام العالم بالمنطق السياسي لحل الأزمات والنزاعات، بأن لا حل عسكريا ينجي (...) بقدر ما للمفاوضات والحوار من جدوى، وهي رؤية اتفقت عليها مصر والأردن والعراق، لوضع طوق نجاة للحال في المسألة السورية، وربما تتبلور في قمة بغداد غالبا ستقام يوم ٢٨ أغسطس. اب الجاري، وسط تفاؤل حذر. 

المسار الثالث: ما برز من اهتمام الرئيس الروسي بوتين، بالاستماع إلى جلالة الملك، مقدرا زخم ما عند الملك من مفاتيح سياسية، ونظرة لطبيعة الصراعات وأسبابها ومخاطر الإرهاب والطرف، ليبحث طرفا القمة، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، حساسية الوضع في سوريا والمستجدات الإنسانية والأمنية الطارئة في أفغانستان.

توقيت القمة، والسير وفق حقائق الواقع والأرض وبالتالي طبيعة أزمات المنطقة، جعل (وهذه نتيجة اساسية فرضتها القمة) أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع الملك عبدالله الثاني، العزم سياسيا، بحث المشكلة السورية والوضع في أفغانستان، إيمانا بما في فكر الملك الهاشمي من رؤية وثوابت.. وصفها بوتين: «نتطلع إلى تبادل وجهات النظر حول القضايا الأكثر إلحاحا، بما في ذلك ما نقوم به معكم على مدار عدة سنوات- تطبيع الوضع في سوريا، والوضع المتدهور في أفغانستان».

ويرتقي الملك، في قمة حاسمة للتأكيد: روسيا تقوم بالدور الأكثر دعما للاستقرار في الشرق الأوسط.

ماذا يعني ذلك؟

بوعي سياسي محنك، يثق الملك بمصفوفة الوعي الجيوسياسي، التي تتشكل بين أقطاب العالم والدول القوية، سواء روسيا الاتحادية أو الولايات المتحدة الأميركية، أو الدول التي تشكل أحلافها العسكرية والاقتصادية والأمنية والأممية في منظمات كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأفريقي، وهي ثقة جعلت جلالته ينهض بإبراز حساسية الدور الروسي في الشرق الأوسط، وبخاصة في الملف السوري، «هو الأكثر دعما للاستقرار»، كما أكد الملك ذلك عديد المرات، ناقلا الحوار المشترك بين الأقطاب، محللا تلك العلامات والإشارات والتنبيهات التي فرضت وجودها على واقع ومآلات الشرق الأوسط، وبالتالي، فرضت طرق الصراع والمواجهة، التحالفات ورهانات استشراف المستقبل.

بيان الديوان الملكي  الهاشمي، بيّن، ولفت بذكاء وفطنة إلى قول الملك، خلال القمة، وهي قمة تاريخية وسط صراعات مصيرية، أن روسيا «تقوم بالدور الأكثر دعما للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات في سوريا، مثمنا–الملك عبدالله- دورها ودور الرئيس بوتين في منطقة الشرق الأوسط كعنصر استقرار في خضم التحديات التي تواجهها».

إن لروسيا دورا تاريخيا في عملية السلام بالمنطقة والشرق الأوسط، ما يستلزم وضع حقائق الصراع على الطاولة من جديد، فالرؤية الهاشمية التاريخية تؤمن بـ"إمكانية إعادة إطلاق الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتحسين ظروف حياة الشعب الفلسطيني».

وهذا نتاج سعي ملكي، لم يعرف المستحيل خلال السنوات الحاسمة الماضية، وصولا إلى نجاح الملك في الاستناد إلى عمق العلاقات التي أسست للحوار مع الرئيس الأميركي جو بايدن، بمؤشر سياسي استراتيجي مهم، فكان الملك أول زعيم عربي مسلم يلتقي الرئيس الأميركي على ذات الثوابت، وهي ما مهدت للزيارة الملكية إلى روسيا والتفوق في جعل بوصلة الرئيس بوتين تتوقف عند فكر ومنهج ووعي الملك عبدالله الثاني، لخصوصية الرؤية التي تتمسك بها المملكة وسط منطقة تقف على صفيح ساخن، تجاورها أقطاب أكثر سخونة.

مشاركة الملك في افتتاح المنتدى العسكري للصناعات في آلابينو/ موسكو وتعرّف الملك على أبرز معروضات منتدى «الجيش-2021» من مختلف المعدات والسلاح والصناعة العسكرية الروسية، دلل على دفء الرؤى بين الملك والرئيس الروسي، وصولا إلى آفاق التعاون الروسي- الأردني في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعسكرية والتقنية وغيرها، بالإضافة إلى قضايا الساعة، استنادا على جدول الأعمال الإقليمي، بكل ما فيه من حساسية، وضح أن الملك والرئيس الروسي، رسما خريطة الطريق لفهم ما حدث وما سيحدث في العالم.

عبدالله الثاني وبوتين سارا معا بين عروض عسكرية ومعروضات للتطور الهائل في مجال تصنيع السلاح والقدرات التقنية الرقمية التي تؤمن الحماية والقوة، فكانت نظرات الملك والرئيس الروسي تستعيد خبراتهما العسكرية والأمنية، ليمنحا القمة، فيما بعد، قوة مضافة أسهمت بتحقيق وفاق واهتمام بالانسانية وحماية المستقبل بعيدا عن الصراعات والمنازعات.

لهذا؛ تستعد المملكة لمواصلة التنسيق والتشاور المشترك، لمتابعة مختلف القضايا التي يسهم بحثها عبر اللجان المشتركة والقنوات الدبلوماسية بتعزيز الأمن والسلم العالميين.

ثقة الملك عالية في لقاء القمة، واستبشر بما في تاريخ العلاقات الثنائية وحاضرها ومستقبلها، التي تجمع الأردن وروسيا، في تحسن مستمر، على مستويات قيادية، فالملك، استثمر وتابع قيادته واستجابته لحقائق وجود فرص كثيرة مشتركة، ممكنة بين البلدين، في مرحلة ما بعد جائحة كورونا في مجال الزراعة والقطاع الطبي وإنتاج اللقاحات في المستقبل القريب، وهي استجابة لحاضر عالمي يقاوم، وتعاون على التخفيف والتشارك في تداعيات الجائحة، مثلما يحرص الملك على الأبعاد السياسية التي تعنى بالحوار وآفاق خروج الشرق الأوسط من أزمات عميقة، تتداخل فيها الصراعات ويرتع في مفاصل بعض قواها وتكتلاتها أحزاب التطرف والإرهاب، يضيع فيها الإنسان، ما يعقد الحوار والتنمية المستدامة.

لهذا، أصر الملك على إبداء القلق من وضع العالم والمنطقة: «إننا جميعاً نراقب تطور الأحداث في أفغانستان بقلق شديد، ولكننا مستمرون في محاربة التطرف»، ما أعاد جلالته إلى جهوده التي تتابعت في منتديات وقمم العالم، فكريا وسياسيا، ناثرا الحب والجمال في مواجهة القوى الظلامية: لا بد من إعادة تنسيق الأدوار في مواجهة التطرف، ليس فقط في الأردن والمنطقة بل في كل مكان.

بوتين، لفت بفطنة وحب إلى حقيقة عززتها العلاقة التاريخية، فكانت كلماته: «إن العلاقات بين روسيا والأردن تتطور"؛ ذلك أن التطور سمة الحوار ومعلم من معالم الرؤية الهاشمية في الحكم الرشيد.

في قمة عبدالله الثاني وبوتين، كان العالم يسبح، ينتظر، يترقب، تلك القوة في الحوار، واقتران الفعل الحضاري، بالفعل والميراث السياسي الإنساني المشترك.

ماذا قال بوتين في اللحظة الأولى للقمة؟: "نتطلع إلى تبادل وجهات النظر حول القضايا الأكثر إلحاحا، بما في ذلك ما نقوم به معكم على مدار عدة سنوات».

وفي ذات اللحظة قال الملك عبدالله الثاني: "إن روسيا تقوم بالدور الأكثر دعماً للاستقرار فيما يتعلق بالتحديات بسوريا، ودور الرئيس بوتين في منطقة الشرق الأوسط كعنصر استقرار في خضم التحديات التي تواجهه».

قمة أردنية–روسية، نجحت وأسست لخريطة طريق، استكمالا لـ"الفرصة»، قد تكون مواتية سياسيا واقتصاديا لوضع حراك(عربي - روسي) مشترك في المرحلة المقبلة،يطوي مرحلة من تاريخ المنطقة والشرق.. والعالم، تحتاج إلى الحوار، والخبرة والرؤية الفكرية القيادية، نجح بكل ذلك الملك الهاشمي، الذي يصنع التغيير في الإقليم والمنطقة.